Monday 8th April,200210784العددالأثنين 25 ,محرم 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

روسيا الاتحادية وعلاقاتنا العلمية والثقافية روسيا الاتحادية وعلاقاتنا العلمية والثقافية
د. ماجد بن عبدالعزيز التركي

مدخل:
في القسم الأول من هذا الموضوع تم تناول الحياة العلمية والثقافية في روسيا، واقعها الاقتصادي والتقني، ومعوقات التبادل العلمي مع الساحة العلمية الروسية، وكان الحديث ذا صبغة عامة فيما يتصل بشؤون عالمنا العربي بعامة.
ولعل الحديث هنا يتجه بصورة ادق واكثر مباشرة الى العلاقات العلمية والثقافية بين ساحتنا العلمية والثقافية في المملكة، والساحة الروسية بشقيها العلمي والثقافي.
لماذا نحن في المملكة؟
رغم الانقطاع التاريخي الطويل بيننا وتلك المنطقة في ظل الغربة الايديولوجية التي امتدت منذ «1917 1991م» ، اي منذ قيام الثورة البلشفية حتى اعادة العلاقات الدبلوماسية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، رغم هذا الانقطاع التاريخي الطويل الذي تبعه غربة ثقافية، ولغوية، واجتماعية، وعلمية عامة، الا ان لدينا جاذب يدفع نسبة من ابناء تلك المنطقة الينا، وهذه النسبة تحرك الوسط الروسي للتفاعل معنا.
ففي روسيا حوالي «25» مليون مسلم، يمثلون «17%» من مجموع السكان، يستندون الى واقع قانوني محلي يعتبر الاسلام الديانة الرسمية الثانية في روسيا، بعد المسيحية وقبل اليهودية والبوذية. وهذه النسبة من المسلمين هم من ابناء المنطقة الاصليين وليسوا من الجاليات، او الوافدين للعمل او العيش او الدراسة، فالاسلام في المنطقة اصل ووطن، يجذب المنطقة من اصولها الى الارتباط الوثيق بالمملكة باعتبارها مهبط الوحي، وارض الرسالة، ومهوى افئدة المصلين في نسكهم اليومي، ومقصد حجهم وعمرتهم لمكة المكرمة والمدينة المنورة، فهذا الارتباط يمثل قاعدة وثيقة لا مشاحة فيها في مجال علاقتهم بنا، وعلاقتنا بهم.
ولماذا العلاقة العلمية بالمنطقة:
استناداً الى الواقع المشار اليه، وعودة الى التاريخ الاسلامي العميق في المنطقة وما ورثه من نتاج، والذي يتمثل في جملة امور تدفع بجدية الى بناء العلاقات العلمية مع المنطقة، منها:
1. الفتح الاسلامي المبكر للمنطقة في عهد الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم مما اوصل اليهم ديننا الاسلامي غضاً كما انزل، حمله اليهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم، فتشبعت المنطقة بالاسلام الاصيل بعيداً عن مستحدثات الاهواء، ونزعات الفتن.
2. انبت هذا الحضور المبكر، روضة عاد خيرها للامة الاسلامية حتى يومنا الحاضر، فأخرجت لنا الامام محمد بن اسماعيل البخاري، والامام مسلم، والترمذي، وكثير من العلماء الاجلاء في فنون العمل المختلفة.
3. اورث هذا كله قاعدة من المعلومات العلمية العظيمة التي لم تصل الى كثير منها بعد، ففي السابق غياب التقنيات المعينة على ايصال المعلومات، ونسخها، وتداولها، ثم غيبت عنا في الفترة الشيوعية التي طال امدها، ثم لا تزال غائبة عنا حتى يومنا هذا بفعل عجزنا وتكاسلنا، فالساحة مليئة بالمكتبات الاصيلة، والمخطوطات الاصلية العظيمة في مختلف علوم الشريعة، واللغة العربية، على امتداد المساحة الجغرافية للمنطقة من آسيا الوسطى بمعاهدها وجامعاتها، مروراً بالمراكز العلمية الروسية، ومناطق القفقار المتعددة.
4. وجود عدد من المراكز العلمية ذات الحاجة الى الدعم المناسب في هذا المجال، وحضور عدد كبير من العلماء والباحثين الراغبين في التعاون والذين لديهم القدرة والكفاءة والجدية.
اشكالية حضورنا العلمي والثقافي:
السابق لا يعني اطلاقاً غيابنا الكلي عن المنطقة، ولا ينفي حضورنا الجزئي في الساحة الروسية، ولكن السمة العامة لحضورنا الآتي:
1. حضور فردي سواء على مستوى المؤسسات او الافراد، واعني بحضورنا الفردي المؤسسي انه يأتي وفق برامج عمل عاجلة وجزئية، تنتهي بكافة متعلقاتها بانتهاء هذا البرنامج.
2. حضور عشوائي غير مخطط، فليس لدينا برامج عمل وفق خطط استراتيجية، او حتى مرحلية مبنية على اهداف واضحة، وذات برامج محددة، و فق فترات زمنية، فالمناسبات هي التي تخلق وجودنا في المنطقة، والظروف العامة ومستجدات الاحداث هي التي تكون في الغالب احد اسباب تواجدنا، وبعد هذا وذاك نغيب عن الساحة لفترات زمنية قد تطول، ونغيب عن احداث الساحة ذاتها مهما كانت اهميتها.
3. يخالط حضورنا الثقافي مع قلته وضعفه، غياب في الوعي بخصائص المنطقة وظروفها السياسية والفكرية والدينية، فغالباً ما يأتي حضورنا حاملاً مع تصورات فكرية خاطئة، اقلها وهو كثير ان البعض لايزال يتصور ان المنطقة شيوعية، وان البلد بلد شيوعي، ولم ينفك من هذا العمق السياسي والايديولوجي الشمولي، وهذا تصور يدل على عمق الغياب عن المنطقة، وجانب آخر يغيب فيه وعينا من العمق الديني للمنطقة، فالمنطقة في بعدها الديني ذات اتجاهين:
الاول: ان الدين «الاسلامي المسيحي اليهودي» غُيب عن المنطقة طوال الحقبة الشيوعية، وعاش الناس مجرد طقوس شكلية لاهوتية، حملها رموز من الحكومة هم بمثابة مفاتيح للشعوب ان احتاجت الدولة لتحريكهم من خلال التأثير الديني «كما حصل في الحرب العالمية الثانية»، ثم كواجهات في علاقاتها الدولية مع بعض دول العالم الاسلامي، والوفود الاسلامية القليلة الى المنطقة في تلك الفترة، وهذا اثر كثيراً في الوعي الديني، وترك آثاراً سلبية جداً في المنهج والتصور والسلوك الديني للاجيال اللاحقة.
الثاني: ان ما بقي من الدين الاسلامي في المنطقة خلال الحكم الشيوعي، هو الاتجاه الصوفي المتأثر بعلاقة الجوار مع تركيا الشريكة مع بعض قوميات المنطقة في العرق، او الاصل اللغوي، وتلمح ذلك ظاهراً في سلوكيات الادارات الدينية، ولباس المفتين، وهندسة المساجد وعمارتها، والشعائر الدينية الاخرى غير الصلاة، وبجانب ذلك شيء من العمق الديني السلفي القليل جداً في الحاملين له، او تأثيره في العامة، او الدعم الذي يلقاه.
وهذا الاتجاه الديني في الاغلب هو مصدر القلق والازعاج في علاقتها بالمنطقة، وهو نقطة التشويش التي تظهر بصورة جلية في العبارات السياسية، والاقلام الاعلامية المحلية.
4. ومن السمات السلبية لحضورنا العلمي والثقافي في المنطقة بالرغم من قلته وضعفه، اننا لا نمثل انفسنا هناك، فلا ترى عناصرنا المحلية تعمل في المنطقة الا ما ندر، وبصورة وقتية، ثم اننا لا نحسن كثيراً اختيار من يمثلنا هناك، وهذه اشكالية لا تزال قائمة، وستظل كذلك حتى نعني قيمة الحضور الذاتي، والتمثيل الشخصي في المنطقة.
5. ومن عجائب حضورنا «وهذا صورة انعكاسية لغيابنا» انه بالرغم من حضورنا الدبلوماسي الجيد في المنطقة وخاصة خلال السنوات الاربع الاخيرة، بوجود خمس سفارات الا انه وحتى الساعة لم يوجد في اي من هذه السفارات ملحق اعلامي، او ملحق ثقافي وتعليمي، بل ولا حتى ملحق تجاري واقتصادي، وكأننا نبحث عن جوانب حاجتنا في المنطقة لنغيبها، فالمنطقة ساحة تجارية بكر، مليئة بالخبرات، والمنطقة ميدان علم وثقافة، ومع ذلك يظل غياب الملحقين المتخصصين علامة بارزة في حضورنا في المنطقة.
6. بالنظر في الاعتبارات السابقة يجب الا نستغرب الحملات الاعلامية المعادية، والا نتضايق من عدم الترحيب بنا، والا ننزعج من الصورة المشوهة التي نوصف بها، لاننا بالرغم من عظم الرسالة التي نحملها، لم نكلف انفسنا ان نقوم بجهد مدروس لحمل هذه الرسالة، وايصالها الى المنطقة، بمعنى اننا لم نسع لتعريف الآخرين بنا، وتركنا لاعدائنا في المنطقة مطلق الحرية في شن الحملات، والتفنن في اغراق الساحة الروسية بافكار ومفاهيم ليست مغلوطة بل ليس لها رصيد من الواقع.
فلماذا نلوم الآخرين، وننسى ان نلوم المقصر منا عن اداء واجبه.
وسيظل الحال كما هو مالم نقم بعمل وفق محورين:
الاول: دراسة واقع المنطقة، وواقعنا فيها.
الثاني: وضع استراتيجية عمل شاملة واضحة الرسالة، محددة الاهداف، وذات آليات عمل تنفيذية.
والله الموفق

* باحث مختص في الشؤون الروسية الرياض

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved