إذا كان الحديث عن الجوانب الإيجابية في جهات أهلية أو مرافق حكومية أو مؤسسات تعليمية يأتي مطلوباً في مقابل النقد للسلبيات التي تظهر في تلك الجهات أو المؤسسات، فإن تفعيل هذا الحديث يجب أن يكون عن طريق الصحافة كونها تتواجد في كل بيت تقريباً، وهو ما دفعني إلى أن أنقل لكل المسؤولين عن التعليم في بلادنا سواء في وزارة المعارف على وجه العموم أو في إدارة التعليم بحائل ذات العلاقة كون موضوعنا يدخل في دائرة شؤونها، بحكم ارتباطه بإحدى مدارس منطقة حائل، التي سجلت تميُّزاً على مسارات الانضباط والحضور والرقي التربوي في وقت نشتكي من سلبيات كثيرة أمسكت بتلابيب مؤسساتنا التعليمية خصوصا مسألتي الانضباط والحضور في أول أيام العودة للمدارس عقب كل إجازة وتحديدا النصفية منها!!
مدرسة الملك عبدالعزيز الابتدائية بحائل هي من نعنيها في مقالنا هذا، وهي المدرسة التي راحت تسابق الزمن التعليمي في تسجيل نقاط تميزها عن مدارس كثيرة، فالانضباط جعلته سلوكا حيا بين طلبتها يوازي إن لم يجار أو يتجاوز التفوق والنجاح بقيادة مديرها الأستاذ محمد البدران ووكيلها الأستاذ صالح الشدّيد، بل إن حضور السواد الأعظم من طلبتها أول يوم في الدراسة بعد الإجازة لم يعد سمتها الفصلية فحسب، إنما تعد ذلك إلى تفعيل هذا اليوم عملياً بإعطاء دروس لجميع الفصول، وعدم الركون إلى أسلوب «المطمطة»، خاصة وأن الفصل الدراسي الثاني بدأ كما هو معروف للجميع يوم الاثنين وليس السبت كما جرت به العادة، لأن مدرسة الملك عبدالعزيز بحائل المعروفة بمدرسة العزيزية وهي عريقة في تاريخ التعليم بحائل، لا تفرِّق بين الأيام حتى لو كانت بداية الدراسة يوم الأربعاء فلا يوجد في قاموسها فصل بين السلوك التربوي والمسيرة التعليمية.
لذلك جاء أول أيام الدوام بعد الإجازة طبيعيا مثل آخر يوم في دوام شهر رمضان من حيث حضور الطلبة سواء طلبة الصفوف الدنيا من أجل نتيجة التقييم أو الصفوف الأعلى منها لمواصلة التحصيل الدراسي حتى آخر نفس في سويعات ذلك اليوم، الذي تفننت مدارس كثيرة في منطقة حائل وخارجها في التغاضي إن لم يكن تهيئة الأجواء كي لا يحضر الطلبة.. لدرجة أن عدوى التسيب من الانضباطية تواصلت مع كثير من هذه المدارس، فانعكس على الحضور في يوم الاثنين أول أيام الدراسة، الذي جاء ضعيفاً من جهة، ومتهالكاً من جهة أخرى، عندما عمدت بعض المدارس إلى الإيحاء أن الدراسة الفعلية ستبدأ يوم السبت، أو الاكتفاء بمراقبة الطلبة داخل الأحواش وفي الفصول «بدون تدريس» وهو ما تكرر أيضا بالنسبة لنهاية الدوام قبيل عيد الأضحى المبارك الذي أرخته بإقامة حفلها الطلابي في هذا اليوم.
إن أساس نجاح العملية التعليمية هو الانضباط كونه الوعاء الذي يحوي الخطط الدراسية وآلية التنفيذ والمتابعة وقبل هذا كله تربية الفرد المسلم على هذه الفضيلة التي تنظم حياته في المدرسة والمنزل والشارع.
يقابل ذلك للأسف عدم الاكتراث من قبل الوزارة المعنية، ليس من باب أنها تسكت على التخلف في اليوم الأول وتكتفي فقط بانضباط المدرسين، إنما من باب أنها أوجدت الإشكالية ووقفت تتفرج حيال تفاعلاتها، فلا هي بدأت الدراسة يوم السبت فتكون الإجازة معقولة ولا هي وضعت أنظمة صارمة تتبعها مراقبة لصيقة لتكون عودة الطلبة للمدارس عودة صحيحة، لأن الواقع الذي حدث أن أحد الآباء أوصل ابنه الصغير تحت برد الصباح الباكر إلى مدرسة الملك عبدالعزيز الابتدائية بحائل فتلقفه المعلمون بكل همة ونشاط واضعين قدمه على الدرب التعليمي من أول دقيقة لأول ساعة في أول يوم دراسي بعد الإجازة مثل بقية الطلاب، بينما اخوته من بنين وبنات وصلوا مدارسهم التي تتأرجح بين حضور قليل لا يمكن معه التدريس وبين تمنيات أب أيقظ أولاده باكراً تأكيدا لمبدأ الانضباط الذي قتلته الوزارة المعنية!! واقع هذا الأب تكرر مع آباء كثيرين جداً على امتداد وطننا الكبير، فشكراً لذلك الأب الفاضل الذي يربي أبناءه على فضيلة الانضباط، ولتلك المدرسة الجادة بهيئتها الموقرة التي هيأت الأرضية لهذه الفضيلة حتى أنها تعمد إلى تحفيز الطلبة على الانضباط من خلال الجوائز التي تقدمها بنهاية الفصل الدراسي أو بدايته، في المقابل لا عزاء لوزارة المعارف حتى تضع حدا لحركة البندول في أول يوم دراسي بعد الإجازة بين الانضباط حديث النظريات التربوية وبين الواقع الذي تنطلق به فصول مدارسنا عامة. هذا ما كان والله المستعان.
محمد بن عيسى الكنعان |