Tuesday 2nd April,200210778العددالثلاثاء 19 ,محرم 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

شيء من المنطق شيء من المنطق
متى يتضح إفلاس زبائن التنمية؟
د. مفرج بن سعد الحقباني

كنت استمع الى حوار اذاعي مع احد الادباء السعوديين حول مفهوم الحضارة والتنمية الذي استخدم في حواره مصطلحاً رائعاً للتفريق بين منهجين من مناهج التعامل مع التنمية ومعطياتها المختلفة. فقد قال هذا الاديب ان بعض الدول ليست سوى زبون للمنجزات التنموية التي تقدمها الدول الغربية بحيث يقتصر دورها في التعامل مع هذه المنجزات العلمية على الاستهلاك المباشر.
اما البعض الآخر من الدول فيعد فيه تلميذاً نجيباً في مدرسة التنمية الغربية يستفيد من منجزاتها لتطوير معطياته التنموية دون الاخلال بمرتكزاته وقيمه الدينية والاجتماعية. ومثل على التلميذ النجيب بحالة اليابان التي خرجت من الحرب العالمية الثانية بخسائر مادية ومعنوية هائلة ومع ذلك استطاعت ان تقفز خلال فترة وجيزة الى مصاف الدول المتقدمة صناعياً وحضارياً.
واضيف الى ما ذكره اديبنا القول بان من التلاميذ المميزين على الساحة الدولية مجموعة ما يعرف بالنمور الآسيوية التي استطاعت ان تستفيد من التقدم الصناعي والعلمي للدول الغربية بشكل عام واليابان بشكل خاص لتصنع لنفسها قاعدة صناعية متطورة مكنتها ليس فقط من التخلص من التبعية الاقتصادية والعلمية ولكن ايضا من المنافسة والتفوق في احيان كثيرة على اساتذتها الغربيين واليابانيين.
وفي هذا الخصوص اذكر مؤلفاً رائعاً لاحد الكتاب اليابانيين تحت عنوان «الامواج اليابانية» The Japanese Waves يصف من خلاله آلية انتقال التنمية والتقدم العلمي في اليابان الى جارتها من الدول الآسيوية وبشكل خاص كوريا الجنوبية. ذكر هذا المؤلف ان الحكومة اليابانية منحت بعض المصانع اليابانية التي عجزت عن المنافسة محلياً وظلت تعتمد على انتاج السلعة المكثفة لعصر العمل مزايا ضريبية لتشجعيها على الانتقال الى الخارج بعد ان اصبحت اليابان تواجه مشكلة الندرة النسبية في عصر العمل. وعندما قررت تلك المصانع البحث عن موقع جديد في الدول المجاورة ككوريا الجنوبية وسنغافورة وغيرها من الدول الشرق آسيوية اصطدمت بالضوابط المنهجية التي فرضتها الدول لتنظيم عملية استضافة تلك المصانع المتعثرة.
ولعل من ابرز هذه الضوابط ما اشترطته كوريا الجنوبية تجاه نوعية عنصر العمل المشارك في العملية الانتاجية حيث اصرت الحكومة الكورية على ألا تبدأ تلك المصانع في العمل الا بعد ان يتم تدريب عمالة محلية بما نسبته 25% على الاقل من اجمالي العمالة الفنية المشاركة في العملية الانتاجية للمصنع. كما اشترطت ايضا ان تتضاعف هذه النسبة بعد مرور خمسة أعوام من بدء العمليات الانتاجية لتصل إلى 50% ثم تتضاعف لتصل إلى 100% بعد مرور خمسة عشر عاماً من عمر المصنع الاجنبي المقام على الارض الكورية.
ونشير هنا الى ان الضوابط المنهجية لاستضافت المصانع اليابانية المتعثرة لم تركز على ملكية المصنع التي ظلت اجنبية بالكامل بقدر تركيزها على العمالة المشاركة في العملية الانتاجية لقناعتها بأهمية المشاركة في العمل كوسيلة لنقل التقنية الاجنبية الى العقول المحلية وكوسيلة لخلق قاعدة تقنية وعلمية متقدمة. ولقد نجحت هذه الاستراتيجية في جعل كوريا الجنوبية وشقيقاتها دولاً متقدمة صناعياً وتقنياً مما يعطينا القناعة بأهمية طرح السؤال التالي: لماذا لم نستطع ان نتجاوز مرحلة المستهلك المباشر للتنمنية والمنجزات العلمية والتقنية الى مرحلة التلمذة الصناعية؟
اعتقد ان الخلل يكمن في عدم قدرتنا على صياغة استراتيجية شاملة للتعامل مع واقعنا التنموي ولتحديد آلية التطور الصناعي والعلمي في المملكة. وهذا بدوره ساهم في استمرارنا في الاعتماد على المنهج الاستهلاكي الذي يقوم على مبدأ الاستهلاك المباشر للمنجزات العملية دون السعي لمعرفة الاسرار العملية والتقنية المكونة لهذا المنتج الصناعي.
ولعل الدليل الداعم لمثل هذا الاستنتاج استمرارنا في الاعتماد على عنصر العمل الاجنبي بكثافة عالية وفي جميع مجالاتنا الانتاجية مما اضعف من فرصة منطقة حرة لنقل التقنية لدول العالم المختلفة خاصة في ظل ضعف الضوابط المفروضة على نوعية العمالة الاجنبية المستقدمة مما جعلها تفد الينا خاوية وتغادرنا محملة بمهارة علمية ومهنية متخصصة.
وهنا اجد نفسي مجبراً على طرح سؤال وطني آخر موجه الى معالي وزير الصناعة والكهرباء والى معالي وزير التخطيط والى غيرهم من المسؤولين لدينا: الى اي مدى نستطيع المحافظة على وصيانة مكتسباتنا التنموية دون مساهمة مباشرة من العمالة الاجنبية؟ وما مدى قدرتنا في المحافظة على معدلات النمو الحالية في ظل افتراض عدم مشاركة العامل الاجنبي؟ اعتقد ان الاجابة على هذين السؤالين كفيلة بفضح واقعنا التنموي وكفيلة بابراز اهمية دعم الاجراءات الى اعادة هيكلة سوق العمل السعودي لصالح عنصر العمل المحلي.

استاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الامنية

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved