علاقة الإبداع بالبحث العلمي لا زالت تعاني من بعض السلبيات التي جعلته أشبه ما يكون بالحالة الهامشية، وغير المجدية .. فالبحوث العلمية والأطروحات ذات العلاقة في الأدب والإبداع يجب أن تكون مؤثرة في المشهد الثقافي، ومتفاعلة معه .. بمعنى أنها تكون جزءا من رسالة الأديب .. فيجب التنويه عن أي طرح علمي في مجال دراسة الأدب والإبداع، ومن الضرري أن تكون هذه المناقشات أثناءها ، أو بعدها مادة أدبية تناقش وتقدم لوسائل الإعلام لتصل إلى القارئ على هيئة شهادة صادقة بهذا المنجز العلمي الذي يقدم المادة الأدبية وصاحبها باعتبارها جزءا من رسالته الإنسانية.نذكر في هذا السياق أن البحث العلمي لا زال يتواصل مع المادة الثقافية والأدبية لكن ليس بالشكل الذي يحقق النتائج المرجوة .. فآخر العهد في تلك البحوث والدراسات، والأطروحات هو يوم المناقشة .. هذا إذا سلمنا بأن المؤسسة التعليمية تؤدي دورها نحو البحث العلمي .. لكن أين مصير هذه البحوث بعد هذه القائمة الطويلة من التوصيات التي تتوج هذه البحوث البحثية.. فالجامعات تقوم بدورها العلمي إلا أن الشق الآخر من معادلة البحث العلمي تظل رهن الانتظار، والتسويف.
الذي يلفت الانتباه في هذا الأمر هو أن تمر بعض المناقشات لرسائل الماجستير والدكتوراه فيما يتعلق بالعمل الأدبي من شعر ورواية دون أن يكون هناك تفاعل واضح مع هذه الإنجازات ربما آخر هذه الطروحات هي مناقشة رسالة ماجستير في أعمال الروائي ابراهيم الناصر الحميدان، ربما ستكون أقرب إلى السرية.
العالم من حول الأديب لا يعبأ بما يقدم حوله على الإطلاق حتى أن أصحاب هذه المطارحات والبحوث الذين يفترض فيهم التواصل مع الأدب والإبداع يكونون في أبعد نقطة عن هذا العنصر .. فلا يجذبهم شيء سوى ذلك البريق الآسر للشهادات والتقديرات .
فالجهد الذي يقدم للأديب والمبدع شاعراً كان أم روائيا هو في الأساس لدى بعض الباحثين بمثابة تسلق نحو نيل الشهادة فقط حتى أنك ترى بأم عينيك ما يفعله البعض في الصفحات الثقافية من كتابات تتزلف للإنجاز الأدبي وتقترب منه، وأحيانا تتملقه من أجل أن يمد جسوره الواهية ليقال عنه أنه خدم الثقافة والأدب وهو الأحق بالدراسة والنقد لهذا المشروع .. لكن أن تطوعت أنت كقارئ وأخذت تبحث مثله في هذا المجال .. ستكتشف أمراً خطيراً جداً .. وهو أن هذا التقرب من الأدب والإبداع قام لغاية واحدة هو حصول هذا «الشخص» للأسف على الدرجة العلمية.
لا أعمم هنا هذه النظرة وأمد صوتي عالياً بالشكر والتقدير للأدباء والكتاب الذين حافظوا على مكانتهم العالية وقسّموا حياتهم بين البحث العلمي والرسالة الأدبية وليس أقل من هذا الاحترام الا أن تقبل جبين كل واحد منهم .. وتقف لهم احتراماً وتقديراً لما بذلوه ويبذلونه في سبيل الأدب والإبداع ، إنما ما استوقفني في هذا السياق جملة من المتسلقين والمتسلقات لهرمنا الأدبي من أجل أن يحصلوا على حطام الدرجات العلمية ويعبثوا بالصفحات الثقافية، والمجلات الأدبية وفور أن يتموا مهامهم المشبوهة ويقضوا وطرهم .. كأن الأدب والأدباء لم يخلقوا ..
أقول هذا وأنا أذكر بدراسات حول الشعر والقصة تتم دون متابعة أو اهتمام من المهتمين في الوسط الثقافي حتى أن بعض الجهات تمارس التعتيم على هذه الأطروحات خوفاً من أن تكون عرضة للمتابعة والنقد الهادف والبناء، فالدراسات كما أسلفت تحتاج إلى ثنائية «أثناء، وبعد» في مجال الطروحات التي تتعاطى مع المنجز الأدبي ليكون من خلال المناقشات جو من الابتهاج بما يقدمه الأديب والمبدع، وتخليد تاريخي لهذا التواصل المتميز بين الإبداع الأدبي والباحث العلمي الذي يفترض فيه أن يكون متذوقا لهذه الانثيالات الإبداعية والفكرية.
والجزء الآخر من الثنائية يتحتم على الدارس أن يكون أكثر أمانة بعد نيله لمقاصده العلمية التي تتوقف أحيانا عن نيله للدرجة وللأسف فهو لا يكترث «ببعد» .. بل أن البعض منهم يتجاوز حدود عدم الاكتراث ليلغي ويهمش دور الأديب والمثقف .. وينال من المبدع بطريقة تنم على وصولية مقيتة .. لتبرز أهدافه المتوقفة على ظفره ببعض الدرجات ، والغنائم المادية المحدودة.
|