Tuesday 2nd April,200210778العددالثلاثاء 19 ,محرم 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

شدو شدو
في رسوب العلم..!
د.فارس محمد الغزي

ما السر التاريخي في نجاح العلم ماديا ورسوبه إنسانيا، لماذا لا يستطيع العلم أن يمنحك علاجا ناجعا كفيلا بنقلك بعيدا عن مشكلتك النفسية بالسرعة التي بمقدور هذا العلم من خلال السيارة أو الطائرة ان ينقل «جسدك» من قارة الى أخرى؟! لماذا نجد العلم يغذُّ السير قدما.. الى الأعالي، الى ما وراء الأقمار والكواكب، في حين تخالفه الانسانية الطريق نكوصا حثيثا نحو الخلف في الفكر والادراك والسلوك والأخلاق وخلافها؟! لماذا في الوقت الذي يستطيع العلم أن يحمل خمسمائة زوج وزوجة على متن طائرة حديدية وقود تحليقها في الأجواء «هواء» الأجواء، ومع ذلك يعجز هذا العلم على الأرض في أن يمنع طلاق «رأسين» فقط من ركابه الخمسمائة..؟ أو يخفف من حدة غرائز الحسد والجشع والطمع وغيرها من الأمراض «الأرضية»..، أو يفك طلسم ميل الانسان الغريزي الى النزاعات والقلاقل والحروب الوحشية، وغير ذلك الكثير مما ينوء به كاهل الأرض الدامي من سفك الدماء، الدامع من أحزان البشر؟
سيطرت هذه التساؤلات على ذهني ذات ليلة «أرقية!» الأمر الذي دفع بي الى الدفع بها اليكم أملا باجابة شافية كافية. غير أنني لن ألجأ هنا الى تفسير الماء بالماء أو «صبه احقنه!» وفق منهجية البيت الشعري المشهور القائل نصه:«كأننا والماء من حولنا.. قوم جلوس حولهم ماء!.» فعلى سبيل المثال قد يقول قائل: إن تقدم العلم ماديا وتخلفه انسانيا يرجع الى فقدان الانسان للروحانية، وبالفعل فقد تم طرح مثل هذا السؤال آلاف المرات تاريخيا، غير ان مثل هذه الاجابة عمومية، اجمالية، عائمة، من شأنها في الحقيقة ان تزيد من ابهام السؤال ابهاما، فقد يقول قائل: إذا كان فقدان الروحانية لدى الانسان هي السبب في تخلف العلم انسانيا، فما السر إذن وراء فقدان الانسان لهذه الروحانية أساسا؟ وقد يقول آخر: في حال كان سبب تخلف العلم انسانيا هو فقد الانسان لروحانيته، فهل السبب في تقدمه ماديا وتقانيا هو فقدانه لروحانيته أيضا..؟!
وعند هذه النقطة أتمنى أنني قد أوصلت اليك ما أردت ايصاله، فقد انتهجت الطريقة الفلسفية السابقة عن وعي وادراك لأوضح لك أنه من سوء حظ الانسان «علميا» هو استعصاء طبيعة فكره وآليات تفكيره على السير والاستقصاء علميا، فالعلوم الطبيعية/ المادية تحظى بنعمة «الثوابت» من القوانين والنواميس الكونية «1+1=2» وذلك على العكس من العلوم الانسانية حيث انه من سوء حظها ان نتيجة المعادلة السابقة قد تكون صفرا، وقد تكون مائة أو ألفاً.. أو مليوناً..، والسبب هو «مائة ألف مليون» سبب وسبب هو «الانسان!».
بالاضافة فالعلوم الانسانية عكس الطبيعية قد بدأت جد متأخرة «حوالي القرن ال19 الميلادي»، ولهذا يقال: ان العلم لا يزال في مرحلة الطفولة فيما يتعلق بما يعرفه عن الانسان نفسيا وذهنيا وعقليا واجتماعيا الخ. فالعلم الذي يستطيع اخبارك بدقة بالغة عن عدد دقات قلبك، لا يستطيع «الامساك» بحبل أفكارك وتفكيرك، فمن الصعوبة بمكان التنبؤ على سبيل المثال بما تفكر به هذه اللحظة، أو ما سوف تقدم على فعله بعد دقيقة من الآن..
أخيراً «مع رجاء ملاحظة ان هذه المقالة ليست إلا توليفة شخصية من قراءات شخصية»، أقول: قد نجد ان أسباب تقدم العلم ماديا وتخلِّفه انسانيا مختزلة في ثنايا تساؤل الأديب/ الشاعر الانجليزي «تي.إس.اليوت» حين قال:«أين المعارف التي ضاعت بين المعلومات..؟ وأين الحكمة التي ضاعت بين المعارف؟!» إذن فهناك معلومات مجردة هائلة مهولة، وقد ضاعت بسبب غزارتها تلك «المعارف» الثرية النافعة، وبضياع المعارف هذه أضاع الانسان موقع «الحكمة»، فضل طريقه الصحيح لمعرفة ذاته. وهنا فالسبب الرئيس في تقدم العلم ماديا وتخلفه انسانيا هو غياب «الحكمة»، وقد استشرت لك قاموس «المعتمد» عما تعنيه كلمة «الحكمة» فأورد منها المعاني التالية: «الحكمية»: هي العلم وصواب الأمر وسداده..، الحلم..، معرفة الأشياء بعللها وأسبابها..، الكلام الموافق للحق: .. فلا عجب أن تُمثِّل الحكمة «ضالة المؤمن..» كما قال عليه أفضل الصلوات والتسليم.. وسبحانه القائل:{ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} [البقرة 269].

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved