لا أخفيكم أنني شعرت بالارتياح عندما قرأت خبراً في إحدى الصحف يفيد ان معالي وزير الشؤون البلدية والقروية اصدر تعميماً لفروع الوزارة والبلديات يتضمن عدم السماح باستخدام اللوحات الإعلانية في الشوارع في الدعاية للأغاني لأن ذلك يخالف المادة «15» من وقاعد تنظيم لوحات الدعاية والتي تنص على أن يكون الإعلان منسجماً مع تقاليد البلاد وعاداتها وأن تتلاءم مادته مع الذوق السليم وبعد قراءتي للخبر الذي فهمت منه ان أصحاب الأغنية كانوا ينوون النزول الى الشوارع قلت في نفسي «ما بقي إلا هي» ولذا فقد فرحت لهذه الهزيمة الأولى للمطربين على الأقل في حرب الشوارع فهي الساحة التي ما زالت الثقافة لم تخضها معهم بعد ان سيطروا على الفضاء بالمحطات الإذاعية والتلفازية الفضائية وعلى الأرض ممثلة بالمجلات والصحف كما احتلوا ايضا المواقع التي كانت ملكاً وتراثاً للمسرح وأهله ولديهم صكوك تفيد ان تلك المواقع يملكونها ابا عن جد منذ مئات وآلاف السنين ولكنهم للأسف احتلوها.
إذاً هذا القرار الصارم الذي لا بد أنه سوف يطبق لأنه من معالي وزير البلديات والشؤون القروية أمر أسعدني لعله يقوم بانحسار المد الطربي الذي دخل الينا من كل البوابات فلم نعد قادرين على السيطرة عليه.. ان نظرة بسيطة للساحة ستؤكد ان هناك عدم توازن بين الثقافة وعناصرها من ناحية وبين الأغنية ومنتسبيها من ناحية أخرى.. ولهذا فإن ذلك القرار جاء ليشعرني اننا قد كسبنا جولة مع أهل الطرب الذين غزونا منذ فترة وصاروا هم نجوم المجتمع وحاملي لواء النهضة وسفراءنا الى الدول العربية، فالشعوب العربية تعرف الكثير من المطربين ولكنهم لايعرفون احداً من المثقفين والمسرحيين. والمطربون يدعون الى المهرجانات المحلية فيرفضون تعالياً ولكن المسرحيين على سبيل المثال لا يجدون من يدعوهم واذا دعوا «ليكملوا عدد» فعاليات المهرجانات فسيتركون بلا أضواء أو صحف او كاميرات ولا مسؤولين لأن كل أولئك يحضرون حفلة لأحد المطربين!
المطربون الآن لهم إذاعات وصحف خاصة ومهرجانات تنقل على الهواء ولا ينقص تلك الفضائيات والإذاعات الغنائية إلا ان اصحابها كما يفعل أهل الكرة بتقديم «تحليل» لكل أغنية بحيث يجتمع عدد من الضيوف «المتقاعدين» في مجال الأغنية ومن ثم يقومون بتحليل الكلمات واللحن ولون الملابس وآخر التقليعات وما الأخطاء الفنية التي وقع بها المطرب ثم يتلقون الاتصالات وطبعاً سيتخلل ذلك عدد من الإعلانات. «ارجو ألا أكون قد اخبرتهم عن فكرة غائبة عنهم» ومن يشاهد مثل هذا البرنامج على إحدى الفضائيات فالرجاء ان يشهد لي بأن الفكرة لي وعندما أكسب القضية فسوف اقتسم المبلغ معه!
والمطربون من أكثر أفراد المجتمع ظهوراً في الصحف، بل ان كثيراً من الصحف الفنية حوَّلت صفحاتها الفنية الى صفحات غنائية ولهم العديد من «المناصرين والمؤيدين» من الصحفيين الكبار بينما لا يوجد على سبيل المثال إلا عدد قليل من الصحفيين الذين «يتعاطفون» مع المسرح وكما تعلمون ان التعاطف هو أقل أنواع التأييد! وبعض المطربين إذا شعر ان الأضواء بدأت تبتعد عنه فأسهل طريقة يقوم بها هي التحرش بمعتقداتنا الدينية كما يفعل بعض أصحاب الروايات الكاسدة ثم يهدر دمه ومع الأسف لم أسمع او أقرأ انه تم معاقبة أي مطرب، بل ان جميع الذين اهدر دمهم عادوا أكثر نشاطاً مما كانوا عليه!! وهم يتزايدون بشكل سريع حتى أكد لي مصدر «غير مسرحي» انهم في بلد عربي اصبحوا الأغلبية وأن الشعب العادي أصبح اقلية، بل سمعت أيضاً اننا كشعوب عربية نعاني من التلوث الغنائي وقد أثبتت ذلك الكثير من الفحوصات التي أجريت على ذرات الهواء العابرة لأجوائنا العربية من المحيط الى الخليج وأن كمية التلوث تزداد في فصل الصيف!
وسوف أتابع معكم الاسبوع القادم إن شاء الله تعالى..
|