قال القاسم بن علي بن هتيمل (القرن السابع الهجري) يندب شبابه، ويصف المشيب:
رمت المتاب ولات حين متاِب
وصباي بعد الأربعين تصابي
أهوى وقد نضت السنون نضارتي
عني وقد سلب المشيب شبابي
بدلتُ كافوراً بمسكٍ أذفرٍ
في لمتي وحمامة بغرابِ
أفلا يعزيني الرفاق بغائبٍ
كالميت لا يقضي له بإياب
قلت: لم يكن ابن هتيمل الضَّمدي بقليل الشأن الأدبي في زمانه، بل كان على منزلة شعرية رفيعة، عرفه أدباء عصره، وأثنوا عليه، ومنهم: أدباء الحجاز الذين قالوا قولهم الفصل عند وصول ديوانه إليهم في مكة المكرمة، إذ رأوه يغني عما سواه، ولقد عمِّر القاسم بن علي بن هتيمل طويلاً فانتظم عمره القرن السابع الهجري بتمامة إلاّ قليله، وقالوا: إنه لم يمدح أحداً إلاّ ورثاه.
ها هو في هذا النص ينكسر به الخاطر فيندب شبابه، ويظهر حسرته على صباه، وقد تجاوز الأربعين أو كاد، ألا ترى وجد الشاعر وألمه يفيضان بالحزن، حيث لعب المشيب بلمته فعم سواد شعره النضر، وأضحى مظهره النامي في ضعف وشيبه.
هكذا إذن انتكس شبابه، وداخله الهرم، فلم يعد ندي صبوة ونضارة، وصدق الله العظيم إذ يقول: {يّا أّيٍَهّا النَّاسٍ إن كٍنتٍمً فٌي رّيًبُ مٌَنّ الًبّعًثٌ فّإنَّا خّلّقًنّاكٍٍم مٌَن تٍرّابُ ثٍمَّ مٌن نٍَطًفّةُ ثٍمَّ مٌنً عّلّقّةُ ثٍمَّ مٌن مٍَضًغّةُ مٍَخّلَّقّةُ وّغّيًرٌ مٍخّلَّقّةُ لٌَنٍبّيٌَنّ لّكٍمً وّنٍقٌرٍَ فٌي الأّرًحّامٌ مّا نّشّاءٍ إلّى" أّجّلُ مٍَسّمَْى ثٍمَّ نٍخًرٌجٍكٍمً طٌفًلاْ ثٍمَّ لٌتّبًلٍغٍوا أّشٍدَّكٍمً وّمٌنكٍم مَّن يٍتّوّفَّى" وّمٌنكٍم مَّن يٍرّدٍَ إلّى" أّرًذّلٌ الًعٍمٍرٌ لٌكّيًلا يّعًلّمّ مٌنً بّعًدٌ عٌلًمُ شّيًئْا ..........} [الحج: 5]