القرار الذي صدر مؤخراً، وقضى بدمج الرئاسة العامة لتعليم البنات في وزارة المعارف، لم يأت في محله وفي وقته المناسبين فحسب، وإنما جاء محققاً لرغبة قديمة عند الرأي العام، هذه الرغبة ظهرت جلية بعد وقوع الحادث المؤسف لطالبات المدرسة رقم (31) المتوسطة في مكة، فقد رفعت وسائل الاعلام (المكتوبة)، لواء (النقد المكشوف) للممارسات الادارية غير المتكافئة مع حجم جهاز تعليم البنات، ومع متطلباته وفكره المتنامي في عصر مختلف، وبرزت في هذا السياق، وجهات نظر لها قيمتها، جاءت من منسوبين ومنسوبات في القطاع نفسه، كانت على درجة من الوعي والفهم والقدرة على الاصلاح، لولا أنها كانت دائماً تصطدم، بتلك النمطية القديمة في التفكير، وما يحيط بمنهجه، من فكر لا يسمح بالخروج على نمطيته المعتادة، ويريد في نفس الوقت، تطبيع كافة كوادره الجديدة والقديمة وفق هذا النهج، وهو نهج مدان فيما وقع من كوارث، لأنه بكل بساطة، تعوزه المرونة، وينقصة الانفتاح على كافة شرائح المجتمع. كان من السهل على كافة المتابعين، للأسلوب الذي يدار به تعليم البنات طيلة اربعين عاماً مضت، ملاحظة المبالغة في الخوف والحذر والتوجس من المجهول، والتشدد في التعامل مع الآخرين ممن هم من خارج الجهاز، وهذه النظرة الضيقة، هي من أهم الأسباب التي أدت الى حوادث وكوارث لم تبدأ بحادث مدرسة جلاجل عام 1397ه ونرجو أن تنتهي بحادث توسطة الهنداوية في مكة نهاية عام 1422ه.
في الجانب الآخر، فإن ما تتوفر عليه وزارة المعارف من خبرات وتجارب على المجتمع، طيلة أكثر من سبعين عاماً مضت، يقود الى الاطمئنان على امكانية حل كثير من العقد، وابعاد التوجسات التي كانت تصاحب التجربة التعليمية في قطاع البنات، وبالتالي العمل تدريجياً على الغاء (مفهوم الفئوية) الذي أحاط بالادارة العامة (الذكورية) التي كانت تدير دفة تعليم البنات.
إن قرار الدمج الذي صدر منتصف هذا الاسبوع، وجد ارتياحاً كبيراً في أوساط المجتمع، وينبغي ان لا نلتفت بالكلية الى ما بعد الدمج في الوقت الحالي، ناسين ضحايا المدرسة المنكوبة في مكة، لأن الرئيس العام لتعليم البنات الذي أحيل على التقاعد، ليس وحده من يسأل عما وقع، وان كان هو المعني في المقدمة، هناك أنفس أزهقت، وهناك ضحايا على الأسِرة في المستشفيات، أو في منازل أسرهن، والمحاسبة يجب أن تطال كل من قصر في واجب مناط به، أو تسبب في هذا الأذى العظيم الذي لحق بمواطنات ومواطنين، ابتداء من حارس المدرسة، حتى أعلى قيادة في الادارة القديمة، وحتى من ساهم في مفاقمة الكارثة من خارج الجهاز. بعد الدمج الذي تم بين قطاعي التعليم العام، اعتقد أن أمام المسؤولين في الوزارة الجديدة، في عهدها الجديد، وهي تدير دفة التعليم العام بأكمله، مهام جسام، ينبغي ان تعالج بعناية فائقة، وسرعة كافية، وفهم كبير لما هو قادم من مسؤولية ومن ضمن ذلك، ان المسمى القديم للوزارة يحتاج الى اعادة نظر، فالاسم البديل اللائق بوزارة كبيرة ترعى وتدير ثلث سكان المملكة، يستحق ان يحمل من المفردات، ما يعبر عن أهدافها بكل دقة، فالكتاب يقرأ من عنوانه كما يقولون، وعنوان التعليم العام في المملكة، هو تربية أولاً ثم تعليم، و(وزارة التربية والتعليم) هو الاسم التي ينبغي ان تظهر به هذه الوزارة في المستقبل.
ومن الأمور المهمة التي اعتقد انها من مهام الوزارة في عهدها الجديد، هو العمل على (تأنيث ادارة الاناث) في التعليم العام النسوي كافة، ابتداء من أروقة الوزارة نفسها، وحتي ادارات التعليم في المناطق والمحافظات، لأن الكوادر الادارية والفنية النسائية متوفرة، والنساء بعامة، هن أعرف وأبصر من غيرهن بشؤونهن، وحتى يكون هناك عدالة في التوظيف، وتوفير الفرص العملية لبنات الوطن، فمن الخطأ الكبير اليوم، الاستمرار في احتكار وظائف تخص النساء ووقفها على الذكور، وهن أحق من الرجال بها، لأنها في قطاعهن وحدهن دون غيرهن.
إن حل المشكلات التي تواجه الادارة الناجحة، يتطلب قبل كل شيء، تفكيك الأفكار التي تسببت في خلق هذه المشكلات، واحلال افكار بديلة محلها قادرة على تفكيك المشكلات القديمة، ومن ثم ايجاد الحلول الناجعة، والعمل على عدم تكرار التجارب الفاشلة. .. هذا بالضبط ما نريده اليوم من وزارة المعارف، وهي تدخل عهداً جديداً من المسؤوليات العظام، والالتزامات الجسام، أمام الدولة والشعب، وعليها أن تكون جديرة بهذه الثقة، وتثبت جدارتها هذه، في الميدان قبل البيان.
|