يقود صاحب السمو الملكي ولي العهد حفظه الله حملة تصحيح إدارية اتضحت معالمها من خلال ما تضمنته التعاميم السامية الموجهة للمسؤولين في الأجهزة الحكومية المختلفة. ولقد كان من أبرز العناصر الرئيسية التي توحي بانطلاق مرحلة إدارية جديدة تأكيده حفظه الله على ضرورة اضطلاع كافة المسؤولين بمسؤولياتهم اتجاه الوطن والمواطن مع التأكد على محاسبة المقصر في أداء واجبه بغض النظر عن موقعه الإداري وبغض النظر عن كافة المعطيات الاجتماعية التي كنا في السابق نعتقد بأنها حجاباً واقياً من العقاب والمساءلة.
ومع انطلاق هذه الحملة التصحيحية كنا في أمس الحاجة إلى أن نلمس تفعيلاً عملياً لما تضمنته التعاميم السامية من إجراءات وتدابير يؤكد للجميع أن الهدف قد تجاوز المكاسب الإعلامية إلى الجدية الواقعية في التعامل مع المتغيرات الإدارية بما فيها المسؤولين في الأجهزة الحكومية المختلفة.
ولعل صدور الأمر الملكي الكريم القاضي بإلحاق الرئاسة العامة لتعليم البنات بوزارة المعارف يمثل انطلاقة حقيقية لمرحلة التصحيح التي ستنعكس على طبيعة العمل الإداري في وزارة المعارف ذاتها وفي كافة الأجهزة الحكومية الأخرى. وفي اعتقادي أننا في الوقت الذي نفتخر فيه بهذه الإنطلاقة المباركة نتطلع إلى أن تكتمل عملية التصحيح من خلال فرض آلية دائمة للتعامل مع واقعنا الإداري بعناصره ومتغيراته المختلفة، ويمكن في هذا الخصوص إبراز أهم مكونات هذه الآلية من خلال النقاط التالية:
1 مراجعة وتطوير كافة الأنظمة الإدارية لتحقيق الإنسيابية الإدارية وللقضاء على البيروقراطية الإدارية التي تخدم ذات المسؤول ولا تحقق المصلحة العامة.
2 تطوير آلية اختيار المسؤولين وبشكل خاص آلية اختيار من يقف على رأس الهرم الإداري في الأجهزة الحكومية لضمان الاستفادة من الكفاءات الإدارية القادرة على النهوض بواقعنا الإداري. وهنا أستطيع القول بأن صاحب القرار في الجهاز الإداري يستطيع أن يؤثر في المنهج الإداري لكافة العاملين في الجهاز إن هو استطاع أن يثبت للعاملين معه كفاءته ونزاهته الإدارية والمالية ونبذه للذات في سبيل تعظيم مصلحة الوطن والمواطن. وبالتالي فإن الحد من الاختيار الخاطىء للمسؤولين سيضمن بلا شك واقعاً إدارياً متطوراً يتوافق مع ما تضمنته التعاميم السامية من تأكيدات إجرائية وعملية.
3 ضرورة فرض آلية سليمة لمراقبة وتقييم الأداء في الأجهزة الحكومية وبشكل خاص أداء القائمين عليها حتى يعي المسؤول بأن السعي وراء المصلحة العامة مقدم على السعي وراء خدمة وتعظيم الذات وحتى يعي بأن التقصير في العمل يعني التقصر في أداء الواجب الذي يقاس كماً وكيفاً وفق آلية تقييم ومراقبة سليمة.
4 ضرورة فرض آلية سليمة لمعاقبة المقصر من المسؤولين والإعلان عنها عند الحاجة لتكون بمثابة العبرة للغير والدافع لتطوير الذات اللازم لتحقيق المصلحة العامة. ولعل وجود مثل هذه الآلية المعلنة يساهم في ضبط العمل الإدار وتوجيهه باتجاه المصلحة العامة التي ننشدها كمواطنين ويحرص على تحقيقها ولاة الأمر حفظهم الله.
وأياً كان مكون هذه الآلية فإن وجودها ضروري لتطوير الفكر الإداري لدى المسؤولين ولبث روح التنافس الشريف بينهم لخدمة قضايا الوطن والمواطن. وفي هذا الشأن أكد أجزم بأن المرحلة المقبلة ستشهد تسابقاً حميماً بين المسؤولين لتحقيق التميز في الأداء الذي سينعكس إيجابياً على مستوى رفاهية المواطن وانتمائه الوطني.
وقفة:
نتمنى لمعالي وزير المعارف ولمعالي نائبه التوفيق في مهمتهم القادمة التي نؤمن بصعوبتها ولكننا على يقين بقدرة الخبير التربوي على تجاوز الصعاب من خلال ما يمتلكه من مهارة إدارية وخبرة عملية وتربوية. المهم لمعالي الوزير أن يبدأ عملية التصحيح من خلال التركيز على الكيف بدلاً من الكم الذي ساهم تغليبه في تشويه العملية التعليمية وفي عدم قدرتنا على توفير تربية عظيمة مما عطل الحصول على الأمة العظيمة التي يصبو إليها معاليه.
أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية |