تتنافس الدول على جذب رؤوس الأموال وتشجيع الاستثمارات الأجنبية والمحلية، لذلك تسعى في تحديث وتطوير الأنظمة وتحرير الاقتصاد والتخفيف من هيمنة الدولة عليه وإيجاد بيئة حاضنة للمستثمرين وتوفر لهم الضمانات المشجعة، غير أن برامج الإصلاحات الاقتصادية وإنشاء المجالس والهيئات ستتعثر ولا تؤتي ثمارها ولا تحقق الهدف في غياب المحاسبة ومكافحة الفساد.
يشكل الفساد حجر عثرة وعقبة أمام الاستثمار وتطوير الاقتصاد وأحد معوقاته الذي ينبغي التنبه له، حيث أنه يبدد الموارد والإمكانات والطاقات البشرية والمالية ويفوت فرصة الاستفادة منها ولا يحقق كفاءة استخدامها واستثمارها، أدركت الدول المتقدمة هذه الحقيقة فأوجدت آليات وقوانين تساعد على اكتشاف ومحاربة الفساد ومحاسبة المفسدين.
الفساد الإداري والمالي له تأثير سلبي على مشاعر الثقة التي هي أساس وعنصر هام وحاسم في البيئة الاقتصادية، خطير في تدمير وتشويه الاقتصاد وتضييع الحقوق ونشر الفقر وخلخلة روابط المجتمع، فالفساد يدمر نمو النشاط الاقتصادي ويخيف المستثمر ويوجه الاستثمارات إلى مجالات غير منتجة وعديمة المنفعة تسمى الفيلة البيضاء تقام لتمرير العمولات، للفساد آثار سيئة على النواحي القانونية يؤدي إلى سيطرة فئة محدودة على المجتمع ويشجع على تفشي الجريمة المنظمة، كما يؤدي إلى سوء توزيع الدخل وزيادة الفقر واتساع الفجوة بين المحرومين والمترفين، ومن نتائجه زيادة تكاليف المعاملات والإجراءات وتنفيذ المشاريع، ويؤدي إلى هدر في نفقات الدولة، ويشجع على سوء استخدام الحوافز وتجاهل الأنظمة والتعليمات واللوائح.
الفساد يؤدي إلى التعدي على حقوق الآخرين بالاختلاس أو التحايل، بالخداع والغش أو الظلم، البعض لا يستطيع أن يحقق ولو شيئاً من طموحاته، ولا يكون ذلك بسبب قصور في جهودهم، أو محدودية في قدراتهم، أو نقص في استعدادهم وولائهم، ولكن بسبب غياب التنافس الشريف، يقف التنافس غير الشريف والمعاملة غير العادلة والتعامل غير المنصف والفرص غير المتكافئة حائلاً دون أن يحقق البعض طموحاته، إن غياب التنافس الشريف يرجع إلى قلة خشية الله، وانعدام الضمائر الحية، ومرض النفوس، وعمى القلوب، واختلال موازين ومقاييس العدل، وسيطرة الأنانية، واستشراء حب الذات، تجعل الفاسد أكثر جرأة وتحدياً للأحاسيس واستفزازاً للمشاعر. البعض يستفيدون من اطلاعهم على المعلومات وضعف الأنظمة والرقابة ويؤولونها لخدمة مصالحهم، والبعض الآخر تبلغ الوقاحة بهم إلى تجاهل اللوائح والتعليمات. هناك أناس يسيئون استخدام السلطة والمعلومات التي لديهم حتى الرمق الأخير، يصل الفساد عند البعض إلى معدلات الأزمة، كما أن هناك فئة ممن يتسمون بالنزاهة والورع والتقى ونكران الذات ونظافة اليد، تتورع من استخدام أدوات ومرافق العمل وممتلكات الدولة من مواد قرطاسية وسيارات وخلافه في الشؤون والأعمال الخاصة وفي غير ما يسمح لها النظام.
الفساد المالي والإداري لا يمكن نفيه عن أي مجتمع ولا يرتبط بجنسية أو فئة أو إقليم وإنما هو مرتبط بظروف وبيئة يمكن أن توجد في أي مكان وزمان، ينتشر الفساد في البيئة التي تحجب المعلومات عن الآخرين، ومما يشجع على الفساد إتاحة الفرصة لفرد لينفرد ويسيطر بالقوة المفروضة أو الممنوحة على المعلومات.
الفساد له أشكال وصور مباشرة أو غير مباشرة، الصور المباشرة للفساد واضحة ومعلومة ومحدودة، أما صور الفساد غير المباشرة فهي أكثر من أن تحصى أو تعد، في ظاهرها تجاوزات لخدمة لمصلحة العامة وفي باطنها استغلال السلطة لخدمة المصلحة الخاصة. البعض تبلغ به الجرأة إلى استخدام معلومات من ملف شخص لخدمة آخر تحت غطاء خطأ بشري، تقريب وتلميع فئة على حساب الآخرين، تهميش كل من يقف حجر عثرة أمام تحقيق منافعهم الخاصة.
ص. ب 91638 الرياض 11643 جوال: 236 475 055 |