يقال إن صحفياً سأل المسرحي الفرنسي جان كوكنو عن أعظم شاعر فرنسي فقال «واحسرتاه إنه فيكتور هوجو!» فقد كان صاحب أحدب نوتردام والبؤساء يعادل لدينا المنفلوطي ونزار قباني وإحسان عبدالقدوس ونوال السعداوي وعشرات غيرهم من الروائيين والشعراء الذين تحظى أعمالهم برواج منقطع النظير، بل هي من المرجعيات التي يبدأ منها كل شاب أو شابة سلم المتعة القرائية، ومع هذا فإن هؤلاء الكتَّاب على خصام دائم مع النقاد، بل إن الشباب الذين أقبلوا على كتبهم في وقت مبكر غالباً ما يهجرونهم ويتحولون إلى كبار النقاد والمثقفين الذين يكتب عنهم كثيراً في الوقت الذي لا يكاد قارئ عادي يعرفهم أو يعرف شيئاً عن مؤلفاتهم. ولنأخذ على سبيل المثال عمنا نجيب محفوظ، هذا الروائي الذي أدرك لعبة الكتاب وجاس في سراديبها مبكراً، لقد سأل مذيع تلفزيوني قارئاً عن مؤلف رواية زقاق المدق فلم يعرفها وسأل الثاني والثالث دون أن يتعرف أحد على مؤلفها حتى قال المذيع إن مؤلفها نجيب محفوظ.. هذا السؤال كان قديماً قبل أن يبدأ نجيب محفوظ السباحة في بحر المغامرات والتجريب، وقبل أن تصبح أعماله الشغل الشاغل لمخرج السينما والمسرح والتلفزيون، قبل ذلك كان نجيب محفوظ محبوب النقاد فقط.. في الوقت الذي كانت فيه نظرات وعبرات المنفلوطي تحقق أرقاماً قياسية في الأسواق ومثلها أوراق الورد للرافعي والنظارة السوداء وشيء في صدري وأنف وثلاث عيون لاحسان عبدالقدوس، ومع هذه المؤلفات على نفس الخط وأكثر قليلاً كانت أشعار نزار قباني رفيقة دائمة للمراهقين والمراهقات!!
هناك عشرات الكتَّاب يقرأ لهم الجميع سراً وبشغف شديد، يلعنونهم جهراً، لكي لا يقال إنهم يقرؤون مثلاً الخبز الحافي أو سفينة حنان إلى القمر أو أيام معه أو طفولة فهد وقالت لي السمراء وغيرها من الكتب التي نقرأها سراً وننكر قراءتها جهراً وإذا تحدثنا عنها قللنا من قيمتها وقيمة مؤلفيها!
لقد قال مرة أحد الروائيين الكبار وهو من الذين نقرأ لهم ونشيد بكتاباتهم مثل صنع الله ابراهيم وادوار الخراط ويوسف حبشي الأشقر وهاني الراهب، قال ذلك الروائي بحسرة إن أمنية حياته ليس أن تزداد تلك الكتابات التي تنشر عن أعماله ولكن أن يشاهد راكباً في البص أو القطار، ممسكاً برواية من رواياته! ولم تتحقق أمنية ذلك الروائي النخبوي وربما لن تتحقق، فالكتَّاب الذين يجمع عليهم النقاد والقراء قلة قليلة وربما لا يوجد منهم إلا في مصر مثلاً نجيب محفوظ وفي سوريا حنا مينا وفي لبنان جبران خليل جبران .. وهناك كاتب واحد نقرأ مؤلفاته بشغف الآن ومع ذلك فإن النقاد يستحون من الكتابة عنه لسبب بسيط هو أن عبارته واضحة وسهلة وفي متناول الجميع والنقاد والمثقفين عكس القراء لا يريدون ذلك!!
|