ان ما يعرف بالرسالة العالمية للمسرح تترجم إلى أكثر من عشرين لغة وتقرأ أمام عشرات الآلاف من المشاهدين قبل بدء العروض المسرحية في جميع أنحاء العالم، وينشر في مئات الصحف اليومية في وسائل الإعلام السمعية والبصرية يمدون يدا أخوية في هذه المناسبة، فأكثر من مائة محطة ارسال إذاعي وتلفزيوني تنقل رسالة اليوم العالمي للمسرح للمستمعين في جميع أنحاء قارات العالم الخمس.. إن يوم المسرح العالمي هو مناسبة للعاملين في المسرح للاحتفال بقدرة الفنون الدرامية على جمع الناس، إنها مناسبة ليشاركوا جماهير مشاهديهم في تكوين نظرة خاصة عن فنهم وعن قدرة هذا الفن على المساهمة في خلق التفاهم والسلام بين الشعوب.
* أول خطاب:
كان جان كوكتو قد كتب أول خطاب عالمي للمسرح عام 1962 وفي العام 1993 نشر المركز الفنزويلي لمعهد المسرح الدولي كل الخطابات التي كتبت بين عامي 1962 1993 بلغاتها الأصلية والاسبانية ولو نظرنا، وبمناسبة اليوم العالمي للمسرح إلى الوراء إلى الكلمات التي كتبت منذ الاحتفال الأول بهذا اليوم، لتتبعنا دليل وعينا عبر جميع التقلبات السياسية والاجتماعية التي عاصرها العالم منذ إنشاء منظمة اليونسكو، مروراً بالنضال ضد جميع أشكال الدكتاتورية من أجل حرية التعبير، والوقوف ضد الفصل العنصري والتضامن مع سيرايفو وصولا إلى حضارة (القرية العالمية) والمشاكل الجديدة للتعايش والتفاهم المتبادل الذي جاءت بها لقد أكد الفنانون والشعراء والمفكرون في جميع أنحاء العالم، الذين ساهموا في كتابة كلمات الاحتفال بيوم المسرح العالمي منذ عام 1962 وحتى اليوم، على أهمية المسرح كمكان للحوار. ففي عام 1996 كتب سعد الله ونوس يقول: (الجوع إلى الحوار.. هناك بالفعل حاجة كبيرة إلى حوار متعدد، مركب، وشامل حوار بين الأفراد والجماعات، ومن البديهي ان هذا الحوار يقتضي تعميم الديموقراطية واحترام التعددية وكبح النزعة العدوانية عند الأفراد والأمم على السواء وعندما أحس هذا الجوع فاني أتخيل دائماً ان هذا الحوار يبدأ من المسرح ثم يتموج متسعاً ومتنامياً، حتى يشمل العالم على اختلاف شعوبه، وتنوع ثقافاته).
* تبقى الكلمات.. كلمات
في العام 1968 كتب ميكيل انجيل اتسوريلس: (حيث كانت الدراما، تبقى الكلمات.. كلمات، انها كلمات الحوار المستمر.. في جنبات الكون الأربعة ستمحو شخصيات المسرح من التقاليد الدرامية وفي هذه اللحظة، الحدود، وتتجاوز الأعراق والقوميات وستوحد في النضال من أجل السلام كحاجة وحيدة في هذه المرحلة من الصراع الذي لم يسبق له مثيل) إنه الطريق نحو الإنسانية الذي اقتفينا أثره عبر عشرات السنين بحثا عن الشعور الإنساني العام، فوق نطاق الخلافات الثقافية والسياسية.
في عام 1964 كتب جان لوي بارولت: (إن القوة الجوهرية للمسرح هي نبذ كل مايفرق الإنسانية واختلاف الأعراق واللغات والسياسات، وفي نفس الوقت التركيز على كل ماهو مشترك بين الإنسان: الضحكات والدموع، الفرح والحزن، السعادة والشقاء، وبكلمات موجزة، كل مايتعلق بالقلب. فالمسرح يميط اللثام عن القلب الذي يتقاسمه بنو البشر، وهذا ما يجعل منه أفضل مركبة للسلام).
* كوكب صالح للحياة:
أما آرثر ميللر فتحدث عام 1963 قائلاً: (إن الإنسانية كرمت بصفة خاصة المسرحيات التي كشفت عما يشترك فيه بنو البشر) يتابع وفي نفس السياق السياسي للمرحلة قائلاً: (إن أقصى درجات السخرية هي ان نشعر بأنفسنا في قبضة قوى مدمرة بشكل تدعو فيه لتوبيخ الضمير، لا يمكننا ان نجد ما كنا نطلبه دائماً من أبطالنا التراجيديين نقطة مصالحة لحظة قبول ان لم نقل لحظة استسلام، برهة نعترف بها بان السبب لا يكمن في نجومنا بل فينا نحن.. وهذا ما يجعلنا في أمس الحاجة إلى المسرح. خلال سنوات الحرب الباردة وفي مواجهة ما كان يتراءى بأنه شرخ لا يمكن اصلاحه، كانت رسالة الفنان إلى العالم تتحدث عن الحاجة لتجميع قوى السلام والحرية.. هيلينه فايجل حددت عام 1967 معالم الطريق: (نحن العاملين في مجال المسرح نحاول بعملنا جعل كوكبنا صالحاً للحياة عليه).
* حول العالم:
في عام 1975 تؤكد إلين ستيوارت وتشجع: (في غمرة مخاوفي على حياتنا ومستقبلنا، ابتهج لأنني أعلم ان فناني المسرح قد بدأوا يمدون أيديهم حول العالم..).
* خطاب وجدل:
لكن يوجين أونيسكو كشف عام 1976 بجلاء عن مسألة الرقابة وقد أثار خطابه الكثير من الجدل. لهذا لم يقرأ خطابه في كل دول العالم، هذا يعني ان هناك عراقيل لابد من التغلب عليها، يقول: (يجب إيجاد الحقيقة في المخيلة، ان مسرح المخيلة هو مسرح الحقيقة الطبيعية وهو وثيقة طبيعية. وليست هناك من وثيقة أمنية طول الوقت أو حرة، لسبب بسيط ألا وهو انها منحرفة لكي تخدم غرضا معينا. إن المخيلة لا يمكن ان تكذب، إنها تميط اللثام عن نفسيتنا وعن الهموم الدائمة أو العابرة، عن اهتمامات الإنسان في كل العصور وفي عصرنا الراهن، وعن عمق الروح الإنسانية.. ان الفنان المهدد في حرية تخيلية يصبح منفيا..
فالمسرح هو تركيب حر للمخيلة، والفن كما يقال، لايعرف حدوداً وعلى المسرح ألا يكون له حدود إنه يتخطى الخلافات...).
* بدون رقابة فكرية:
وفي رسالة أدوار البي لعام 1993 بدت وكأنها تجيب على أونيسكو: (يمكننا بمرسوم ان نزيل كل السياسات عن هذا الكوكب.. حسناً.. يمكننا محاولة ذلك يمكن ان نحرر أنفسنا من كل ماهو مفروض علينا بدون رقابة فكرية.. حسنا.. يمكننا ان نحاول، لكننا نبقى مع أكثر أنواع الرقابة تحطيما ألا وهي الرقابة الذاتية من قبل الناس غير الراغبين (أو المتمردين) في أخذ خطوات حاسمة على طريق الوعي الذاتي الكامل دعونا نذكر أنفسنا بذلك في اليوم العالمي للمسرح دعونا نذكر أنفسنا بان الحدود على المسرح إنما هي الحدود التي نفرضها نحن عليه.. الحدود التي نرفضها على أنفسنا).
* قشرة بيضة:
وقبل ذلك بابلونيرودا، عام 1971 الذي كان حساساً تجاه روح واهتمامات عصره ويرى ان الوقت قد حان ليبحث المسرح فيه عن استجابات جديدة: (إن زماننا، على ما أعتقد، يتأرجح مع هذه التقلبات بين الحقيقة التي لاترضي والأمل الذي بدأ يتشكل من قشرة بيضة النعام الضخمة التي خرج منها المسرح، ننتظر بقيتنا بأمل، لقد انهار الجدار بكل جلاء في كل قارات العالم وبحاره السبعة. والكل يريد ان يبني الكل يريد ان يعرف ويقر كلنا نريد ان نرى أنفسنا في المسرح كما كنا وكما يجب ان نكون ومع ذلك أتجرأ على الظن إننا نوافق على كل مانريده جميعا، ألا وهو: مسرح بسيط دون ان يكون ساذجاً، ناقدا لكن إنسانا يتقدم كنهر يتدفق من جبال الانديز، يقتصر مجرى تدفقه على مايضعه هو نفسه من حدود) هنا نرى أخيراً الطائر يحلق والجدران تنهار، وإرادة مجتمع المسرح العالمي والفنانين والكتاب الذين يتابعون الطريق لايقاظ وجدان العالم يجدون في ذلك ترجمة حسية لمحاولاتهم.
* التمييز العنصري:
وفي العام 1986 دعا وول سونيكا، رئيس المعهد الدولي للمسرح، العالم أجمع لإعلان ذلك العام «عام المسرح الدولي ضد التمييز العنصري» ودعا إلى: (تخصيص نصيب من إبداعاتهم لتعبئة الوعي الأخلاقي لشعوبهم وحكوماتهم، بناء جسر دائم من التعاطف مع الأكثرية المضطهدة من ذلك الجزء من المجتمع الدولي).. لكن العالم الذي كان في طور التشكيل وبتنامي العولمة التي تلت سقوط مختلف الأنظمة السياسية، وجدت المجتمعات وكذلك وجد الفنانون أنفسهم في مواجهة قضايا جديدة.. وقد وضح فاكلاف هافل عام 1994 قائلاً: (إن العالم الآن يسير بصدق على طريق الصيرورة إلى عالم متنوع الثقافات والأقطاب وبدأ الآن في البحث عن نظام جديد وعادل بلا تصنع، عالم يلائم متطلبات الحاضر، ولاتزال الفرصة الوحيدة للبقاء هي مثل هذا النوع من التعايش في تجريد الحضارة التقنية من انسانيتها في العصر الراهن، يشكل المسرح واحدة من الجزر الهامة من جزر الصدق الإنساني إن ذلك بالضبط هو ما يجب الحفاظ عليه ورعايته ان لم يصل العالم إلى نهايته قريبا الانسان فقط هو القادر على مواجهة كل الأخطار التي تواجه العالم فمسؤوليته المتجددة أو بعبارة أخرى وعيه بالتواصل هو بالضبط ما يكمن فيه والذي لا تستطيع حتى أفضل شبكات الحواسب ان تحل محله ان أمل العالم يعتقد على إعادة تأهيل الكائن البشري من جديد).
* مازال الفقر موجوداً:
ويتابع جيونغ أوك كيم، عام 1997 قائلاً: (حققت الإنسانية خلال القرن العشرين تقدما مذهلا في المجالين المادي والتقني وأدخلت تغييرات شبه جذرية في مجتمعنا، ولكننا نعلم ان الفقر والجوع مايزالان متواجدين ومازلنا نرى حروباً وصراعات مستمرة في كل مكان ان شعورنا بالضعف حيال هذه الحقيقة المحزنة يقودنا أحياناً إلى اليأس ماذا بوسعنا ان نعمل؟ وما بوسع المسرح ان يفعل؟ ان الوضع المأساوي الذي نجد أنفسنا فيه، هو ثمار التفكير الدغماني وعدم التسامح.
* هذا شيء ممكن:
وفي عام 1998 ذكرى قيام معهد المسرح الدولي الأربعين، لخص بيتر بروك دور هذا المعهد قائلاً: (إن مهمة الربط بين رجال المسرح وإعلامهم عن طريق وجود بعضهم البعض، له نفس المنطق الذي لمهام اليونسكو والأمم المتحدة نفسها ربما كانت القيمة الدائمة لمعهد المسرح الدولي خلال كل هذه السنوات الأربعين هي حقيقة أيضاً من الربط غير المحدود والتفاعل، الذي يجعله ممكناً بين ثقافات العالم).
* المسرح باقٍ:
وقال المسرحي اليوناني اياكوفوس كامبنيليس في يوم احتفال المسرح العالمي العام 2001 مؤكداً بقاء المسرح ما بقي الإنسان: «كل انسان هناك لديه حاجة فطرية للمسرح، ويمتلك بطبيعته القدرة على خلق عروض مسرحية، هل يدرك البشر ان كل واحد منهم، بلا استثناء يمتلك رهن اشارته فرقة مسرحية خاصة به، هي فرقة يلعب أحدنا بنفسه الدور الرئيسي في اشتغالها.
وإننا في الوقت ذاته نمثل نحن فيها دور المتفرجين؟ بل في الكثير من الأحيان غالبا مانكون نحن أيضا المؤلفين والمخرجين والمصممين لتفاصيل الجو المسرحي لهذه الفرقة المسرحية التي في رؤوسنا.
د. جمال قبش kabbech@yahoo.fr |