Saturday 23rd March,200210768العددالسبت 10 ,محرم 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ميلوزوفيتش أمام الحقيقة..!!ميلوزوفيتش أمام الحقيقة..!!
زياد الصالح

وأخيراً سقط أحد طغاة العالم الحديث وإن لم يكن آخرهم..!
سقط الرجل الأكثر دموية في تاريخ الصرب الحديث (جزار بلغراد) سلوبودان ميلوزوفيتش ذو الأصول الانتحارية حيث قتل أبوه نفسه، ثم أمه، ثم أخوه كذلك، والذي أصبح في نظر الصرب في فترة سابقة القائد الوحيد الذي يدافع عن المصالح الصربية منذ الحرب العالمية الثانية، من دعم انفصال صرب البوسنة الى كوسوفو ليعيد للصرب امجادهم التي تغنت بها الاساطير والاشعار ردحا ًمن الزمن لم يكن أحد يظن أن ميلوزوفيتش سيرتفع الى هذا المستوى ويذيع صيته الى هذه الدرجة، فبداية حياته لم تكن تنذر بهذه المرتبة ولا هذا السؤود.
ولكن بعد رحلة دموية فظيعة وقصص لايمكن تخيلها من الدمار والقتل والتشريد، خاضها ميلوزوفيتش وبطانته في البلقان شرقاً وغرباً، أصبحت أيامه منذ اندلاع الحرب الاخيرة في كوسوفا معدودة، بعد ان تفرّق عنه جمعه وبدأ اصحابه وخلانه يتخلون عنه انقاذاً لأنفسهم بعد رحلة مضت في نشوة كبيرة من الكبرياء القومي وذكريات الامجاد والماضي التليد الذي صورته الاساطير الكنسية، وجعلت الشعب الصربي يؤمن بصربيا الكبرى من النهر الى البحر، القصة تشبه الى حد كبير قصة اسرائيل الكبرى، وقصة حياة هذا الطاغية تشبه الى حد كبير مجرم الحرب الاسرائيلي ارييل شارون الذي يتربع على رأس السلطة في اسرائيل!
قد لاتكون محاكمة رمز من الانظمة خصوصا تلك التي عرفت بدكتاتوريتها وظلمها ردحا من الزمن أمرا سهلاً ومتيسراً، خصوصاً اذا كانت المحكمة التي تحاكم مجرمين من هذا الوزن جديدة وغير متمرسة في هذا المجال، حيث ستواجه صعوبات كبيرة في الحصول على ادلة مقنعة تدين ذلك الحاكم الذي كان لديه من الاجهزة والوسائل ما يجعله يخفي اي اثر يدينه ويدل على تورطه المباشر، ويكون الامر اشد صعوبة في المحاكمات المستقبلية لحكام آخرين، قد يقومون باتخاذ تدابير واجراءات وقائية اشد في اخفاء واقبار جرائمهم..
لقد حاول ميلوزوفيتش تحويل مجرى محكمة مجرمي الحرب التي انشئت بقرار من الامم المتحدة، الى مسرحية سياسية للدول الكبرى تريد من خلالها تحقيق مآرب بعيدة كل البعد عن جرائم الحرب..، وسواء صدق ميلوزوفيتش في ادعائه او حاول التهرب فإن ذلك لايمكن ان يبعد عنه تهمة تورطه المباشر في الجرائم التي ارتكبت في البوسنة والهرسك وكرواتيا ثم كوسوفو، فلقد عرف ميلوزوفيتش بسياسة الدهاء التي جعلته لايترك أثراً يدينه مباشرة في تلك الاعمال الاجرامية، التي طالما ارتكبها عبر اجهزة امنية وعسكرية كانت تأتمر بأمره.
لامندوحة من ان ميلوزوفيتش كان شخصاً غير معروف ولم تكن له اي استعدادات او تجارب سياسية تؤهله الى القيادة والسيادة في بلد معقد كان يمر بأخطر مراحله في بداية التسعينيات، لكن الرجل استطاع بدهائه استغلال الظروف الطارئة واقتناص الفرص النادرة، بالرغم مما يوصفه به المقربون والمتابعون له من ان شخصيته كانت تتميز بالانعزال والوحدة والخوف والشك في كل من حوله، وكانت تلك اللحظات التاريخية التي لمع فيها نجمه وظهر فيها اسمه، وأخرجته شخصاً مجهولاً الى سياسي لامع علّق عليه الصرب آمال وأحلام ما بعد يوغسلافيا الشيوعية، عندما قامت شرطة كوسوفو وهي خليط بين الالبان والصرب بتفريق تظاهرات في الاقليم للصرب 89، اثناء اجتماع لقادة الحزب الشيوعي الحاكم، حيث خرج ميلوزوفيتش الذي كان في زيارة للإقليم ضمن اعضاء ذلك الحزب، فقال للمتظاهرين (لن يضربكم بعد اليوم احد) وقصد بها العناصر الالبانية في شرطة الاقليم، حيث كانت كوسوفو تتمتع بحكم ذاتي منحه لها الرئيس الراحل جوزيف بروز تيتو، فكانت تلك الكلمة عنوانا لمشروع ميلوزوفيتش الذي اخرجه من شخصية مجهولة غير معروفة الى منقذ للصرب ومعيد لمجدهم الغابر، وقد عبرت تلك الكلمة عن أن الامة الصربية شعب مظلوم بحاجة الى إنقاذ وانتقام.
لقد اعتمد ميلوزوفيتش في تحقيق مشروعه وهو جمع الصرب في دولة واحدة على افراد وأجهزة داخل منظومة الحكم سواء على مستوى يوغسلافيا أو على مستوى جمهورية صربيا وصرب البوسنة، مثل رادوفان كاراديتش رئيس صرب البوسنة والمسؤول الاول عن منظمة الدفاع عن الأرض TO، وراتكو ملاديتش الذي قدم من عمله كضابط في مقدونيا الى ان يصبح في يونيو سنة 1991م قائدا للفيلق التاسع بالجيش اليوغسلافي بمنطقة كنين شرق كرواتيا، وفي اكتوبر من نفس السنة رقاه الجيش اليوغسلافي الى جنرال ماجور، وفي سنة 1992م اصبح قائداً على القوات اليوغسلافية في منطقة سراييفو، وبوريساف يوفيتش عضو الرئاسة الفدرالية اليوغسلافية، الذي كان له سيطرة على قادة الجيش اليوغسلافي وما يسمى بالدفاع عن الأراضي TO، وكذلك رئيس أمن الدولة يوفيتشا ستانيستش، من 1991م الى 1998م، الذي قام جهازه بتوفير السلاح والمؤونة والتدريب والمساعدات الحيوية المختلفة لوحدات شرطة صرب البوسنة ووحدات الميليشيات فيها التي تورطت في اعمال وحشية في البوسنة وكرواتيا، وكذلك رادوفان ستوييسيتش الملقب ب«بادزا» وهو نائب وزير الداخلية الصربي، ورئيس الامن العام وكان له دعم لمليشيات ووحدات أنشأتها وزارة الداخلية الصربية للقيام بأعمال وتصفيات خاصة، كما كان له تورط في دعم وتموين وتدريب وحدات شرطة صرب البوسنة والميليشيات الصربية هناك، و (زيليكو راتناتوفيتش) الملقب ب(آركان) وقائد ميليشيات (النمور) والمطلوب لدى الإنتربول بسبب اعماله الاجرامية في اوروبا، وقد تمت تصفيته لما يحمله من اسرار، وفويسلاف تشيشل، رئيس الحزب الراديكالي الصربي وقائد ميليشيات «التشتنيك» والداعي علناً الى مشروع صربيا الكبرى.
ويعتبر ميلوزوفيتش المسؤول الاول عن المجازر التي ارتكبت سواء في البوسنة او كرواتيا ثم كوسوفا انطلاقا من سلطته ويسيطر على كل الاجهزة الحساسة والحيوية سواء على مستوى الفدرالية اليوغسلافية او في صربيا او اين وجد الصرب في البوسنة وكرواتيا، ومن أهم تلك المراكز، المجلس الرئاسي اليوغسلافي ووزارة الداخلية لرصبيا (MUP) والجيس الوغسلافي JNA,JV وجيش صرب البوسنة وشرطة صرب البوسنة وميليشيات صرب البوسنة مثل الدفاع عن الارض TO او التي قدمت من صربيا.
وشارك ميلوزوفيتش عبر هذه الاجهزة في تموين ودعم ومساندة وتسهيل السبل لقادة صرب البوسنة في خططهم للسيطرة على مناطق المسلمين والكروات، وشمل الدعم النواحي المالية والمادية والعسكرية واللوجيستية والتسهيلات على الأرض من طرف الجيش اليوغسلافي.
وبسبب تلك التسهيلات وذلك الدعم اللامتناهي، قامت تلك الميليشيات بمجازر وحشية في حق المدنيين الابرياء من المسلمين والكروات ثم الكوسوفيين لم يعرف لها العالم مثيلا وشملت التطهير العرقي والاغتصاب ومعسكرات التعذيب والتهجير والتفنن في القتل الى ان وصل بعضها الى درجة ان يبقر بطن الحامل ثم يستخرج جنينها ثم يشوى امامها ثم يطلب منها أكله! فأي بشاعة هذه التي كان ميلوزوفيتش راعيا لها وخرجت من تحت عباءته، وقد نادى لها عبر شعار «دولة واحدة لكل الصرب» الذي رفعه من بداية حكمه واعتبر عنوانا كبيرا للتطهير العرقي وضوءاً أخضر لإقصاء غير الصرب عبر قتلهم واغتصاب ارضهم وتشريدهم.
لقد كان من المحتم ان يتهاوى عرش ميلوزوفيتش الذي اسسه على الدماء والأشلاء والظلم والتخويف والاستبداد والتطهير العرقي الشنيع وعششت فيه مافيا السرقة والتهريب والقتل في جنح الظلام، حتى انعزل بعيداً عن المجتمع المحلي والدولي..، ثم كانت محاكمة ميلوزوفيتش مطلبا للملايين في البلقان بعد ان لفظه شعبه الذي أذاقه الويلات وفرض عليه حصارا داخليا من الاجهزة القمعية بالاضافة الى الحصار الخارجي من المجتمع الدولي، ومهما تهرب ميلوزوفيتش وحاول تمويه المحاكمة وتسييسها والتشكيك في مصداقيتها، فان الاتهامات الموجهة له يتحمل مسؤوليتها بعد بعد ان جمع كل السلطات في يده وسيطر سيطرة كاملة على كل الاجهزة السياسية والاعلامية والاقتصادية، ولم يكن له طيلة فترة الاعتداءات البشعة التي ارتكبها الصرب في البوسنة والهرسك ثم كوسوفو، اعتراض او تحرك ضد تلك الاعمال قد تشفع له في هذه المحاكمة الاولى من نوعها، وتستعد الحكومة الصربية الحالية بتجميع الأدلة الدامغة ضد ميلوزوفيتش في اعطائه الاوامر لإخفاء آثار التطهير العرقي في كوسوفو، وتعتبر هذه المرة الاولى التي تربط بها الشرطة الصربية ميلوزوفيتش مباشرة بالمسؤولية عن تلك المجازر وقال «دوشان ميخايلوفيتش» وزير الداخلية الصربي الجديد ان ميلوزوفيتش أمر وزير داخليته «فلايكو ستايليكوفيتش» وهو أحد المتهمين لدى محكمة جرائم الحرب بإخفاء آثار الضحايا المدنيين في كوسوفو، وسوف تقدم تلك الادلة الى محكمة جرائم الحرب بلهاي قريباً، وهو ما سيعتبر أحدث الادلة الدامغة على تورط ميلوزوفيتش مباشرة وتدحض ادعاءاته وتشكيكه في المحكمة لصرف الانظار الى متاهات سياسية لا دليل عليها.

نائب المدير الإقليمي للإتحاد العالمي للإعلام واستطلاعات الرأي - لندن

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved