***
هذه الآن ثلاثة نماذج أو ثلاثة هياكل لغوية للنظم كما هو مفهوم النظم عند الجرجاني الذي يدركه الجماليون، ليس مفهوم النَظم المبتدع الذي يعني به بعض اخواننا انتفاء الشعرية أو انحسارها عن نموذج لغوي ما .
هذه عبارة للايضاح وهي لا بدَّ منها لأن هنا تعارضاً بين حدّ المفهوم البلاغي الضخم الذي هو النظم وبين حدَّ النظم بوصفه مفهوماً متواطئاً عليه اخيراً يعني ركاكة عمود الشعر العربي في بعض نماذجه أو هياكل نظمه، وأنا في حقيقة الأمر على ثقة من تبيُّنِ القارئ لهذه الجزئية الدقيقة وهي كذلك لأنها ذات أثر على كيان المعنى الذي هو كيان المصطلح، باعتبار انه مركز حديثنا الذي نحن فيه..
المسألة إذن أن المجاز والنظم ركنه الركين هو تحول المعنى وحين يكون كذلك فهو إذن سائغ أن يكون توتراً معرفياً كما سبق، ومن بعد ذلك فإن من المؤمَّل ان نتبين هذا التلازم المعرفي بين طبيعة المجاز وطبيعة النظم بصفة مخصوصة، إنَّ هنا شرط وجود لوجود، وأنا لا أجد حرجاً في الاستدراك على بعض فهم البلاغيين لفكرة المجاز، أليس في وسعنا أن نقول بالتعريف التالي: إن المجاز هو النظم أو النسيج بطريقة مخصوصة. ولكنا مع ذلك سنكون في حاجة إلى التقعيد المعرفي قدر الإمكان لصفة أو حد أو طبيعة تلك الطريقة المخصوصة.. إنها دون شك طيف معرفي كوني قدر ما تكون صياغات اللغة طيفاً معرفياً ذهنياً..، لاحظوا هذه المسألة، حين نقول إن النظم الذي عناه الجرجاني ليس نظما مطلقاً باعتبار أنه نظم ذو طريقة مخصوصة، فإن المجاز ليس صياغة مطلقة باعتبار انه المعادل لكل نظم ذي طريقة مخصوصة، وينبني على ذلك ان المجاز مطلق معرفي جمالي، وكونه مطلقاً يعني كونه إمكانا ذهنيا غير ذي حد وكونه معرفيا يعني اشتراط النظام الخفي للغة الذي ألمحنا إليه من قبل وكونه جماليا يعني اشتراط الطريقة المخصوصة أو الهيئة المخصوصة للنظم التي أشار إليها الجرجاني.
هل نحن في حاجة الآن إلى معاودة النظر في فهم البلاغيين أو تعريفهم لفكرة المجاز بوصفة فكرة جمالية في المقام الأول؟ آمل ان انظر في هذا لاحقاً، إنما نحن قلنا من قبل إن هنا سؤالاً ملحاً عما يجعل طريقة النظم المخصوصة كذلك أي انه لماذا هي مخصوصة؟ أو ما الذي يعطيها فرادتها ثم ما هي صفة تلك الفرادة؟ نحن الآن نقول بضرورة احصائية نتتبع فيها تحولات الوحدات الأولية في هيكل النظم المخصوص وهو مشروع بحث كبير في حسباني، النظم لا يعدو كونه فيزياء المفردات أو فيزياء الألفاظ، وكذلك عمدت إلى ايراد النماذج الثلاثة أعلاه مثالاً إحصائياً أولياً للشروع في توصيف التفاوتات الجمالية بتتبع تفاوتات التعالق او التجاور بين اللفظ وما يجاوره وما هو فيه من هيكل النظم على اختلاف هياكل النظم ذاتها.
وللحديث صلة إن شاء الله.
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved