لايكفي الحديث عن حضارة الإسلام من خلال أسسها، ورواسخها... ذلك لأنَّ الزمن الراهن تبدَّلت فيه أمور، وتضاعفت فيه أخر، وجدَّ فيه الجديد، وتوسعت فيه أبواب الخلط، وبات يقوم على الحجة العقلية تلك التي كانت هي أسُّ الفكر الإسلامي... الذي بنى حضارته على رجحان العقل، ومحجَّة الفكر، وتسخير المنطق له... وإلاَّ ما كان القرآن الكريم بلغة العرب حجة رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام...، وإلاَّ ما كان علم آدم بالأسماء حجة، ولا صمت أم عيسى وهو في المهد حجة، ونطقه وهو رضيع حجة... وإلا ما كان قميص يوسف حجة، ولا حاجة يعقوب التي كانت في نفسه حجة وإلاَّ ما كان حفر الخندق وحضور سلمان الفارسي حجة، ولا تأسيس دولة الإسلام في المدينة بكلِّ لبناتها الأولى فالتالية حجة...، ولا كان تعاهد المسلمين مع من يختلف معهم في العقيدة حجة...
حضارة نشأت بالعقل، وبه سادت...
وحضارة تهاوى أهلها يوم ذهبوا مع الهوى... ولم يعنوا بنعمة العقل... فالعقل الراجح... والفهم والحصافة، والدُّربة والمران، كابح لكلِّ نفحة هوى مهما كان توجهها، أو كان دافعها...، وهوى النَّفس مجلبة لطمس سطوة العقل، فصراع القوَّتين في الإنسان لا تعلو شكيمة العقل فيه إلاَّ متى وُضعت خططه في ميزان القياس، و حساب العمل... فالمسلمون الآن أشد ما يحتاجون إليه، هو ترجيح صولة العقل، وتفنيد دروب الاتباع لمبادئ المسلمين، واتخاذ الحيطة والعزم على العمل لإعادة حضارة الإسلام إلى قوتها، بسطوة العقل وبلبّه العلم...
فالعلم له قدرة المحاجة... فكيف لايكون دور المسلمين الآن معرفة السبل إلى الانتشار العاقل، بالفعل العاقل، بالعلم العاقل، بالتفكير العاقل، بالمنطق العاقل، فالعاقل في كلِّ شيء كابح الفشل، مقيل التعثُّر...، ضابط الخطو...
ولعل أوَّل ما تحتاج إليه حضارة الإسلام أن يتّحد جهد المسلمين، ويتوحَّد الإحساس بهم مهما اختلفت وسائل وسبل الكشف عن عقل الفعل، وعقل القول فيهم...
فهناك تقويض لأسس... انتشر بين فئات ضالة لم تعقل ما يرتبط بحكم الفعل في سلوك نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام فانبرت تقوِّض هادمة «مبادئ» في حكمة الفعل في نهج محمد صلى الله عليه وسلم... بدأت تنتشر في وسيلة الاتصال السريعة وتتسلل إلى ناشئة الفتيان والفتيات من أمثال «سلطان الرفاعي»، وسواه...، وفي كتب تهاجم رسول البشرية نزّهه الله تعالى عمَّا يقولون... تحتاج إلى عقلنة التفكر في وسيلة الكفاح كي لايكون بين المسلمين من يستلُّ قلمه بجهل عقله، وضعف حجته، غير أنَّه بالإمكان أن ينفذ إلى من لا حجة له من علم ولا فهم ولا معرفة... وتلك طامَّةُ ما يواجه نصاعة حضارة المسلمين...
فالحضارة علم، والحضارة معرفة، والحضارة فكر، والحضارة قول، والحضارة فعل... فكيف تكون حضارة وفيها من لاعلم له بما يعنيه، ولا معرفة، ولا فكر، ولا قول صادق ولا فعل نزيه؟!
فلكي تنهض حضارة المسلمين لابد أن يعقلوا حضارة الإسلام الذاتية فيه، ويتّبعوا خطوطها، وينهجوا عبر مساراتها... كي يكون لهم السيادة والقيادة، والعمارة، والحياة...، بعقل العقل، في فعل العقل، وقول العقل، في حضارة العقل.
|