* * قلت في مرة سابقة..
إن الإعلام تجاوز في العالم كله مقاييس السلطة الرابعة وقفز إلى منصات السلطة الأولى أو ما قبلها..
فتحديد اتجاهات الرأي العام وتوجيهها نحو هدف محدد يخطط له الإعلاميون بإستراتيجيات بعيدة المدى «يشتغل» عليها الإعلام بوسائله المتنوِّعة أياما وشهوراً وسنوات إلى أن ينجح في أداء مهامه وتحقيق أهدافه الإستراتيجية.
ويترك الإعلام بصمته الواضحة في آراء الجماهير فيسيرها شرقا وقد يطوّح بها غرباً حين يكون فوضوياً يسير بلا هدى ولا تخطيط.
ونحن في المملكة ووفق تجربتنا الإعلامية الجيدة والتي تميّزت في دول الخليج بأنها قامت على أكتاف السعوديين أنفسهم، فالتسعينات والثمانينات الهجرية شهدت تفوقاً إعلاميا متميزا كان متسماً بنوع من الشفافية.. وكل من واتته الفرصة بالاطلاع على صحافة هذين العقدين «المعنيين» أدرك الفارق بينهما وبين العقدين الآخرين، ففي العشرين سنة الأخيرة تراجعت شفافية الصحافة وران عليها كثير من الحجب.
وهي في مطلع هذا العقد تشهد فتحا جديدا من الشفافية والمكاشفة.
أدركت أهميته الدولة ونظرت إليه كمعين ضروري للإصلاح في مشوارها وسعيها الحثيث للإصلاح ورغبتها الأكيدة في استثمار هامش الحرية المتاح لتوجيه الرأي العام ونقل هم المواطن والتنفيس عن كبت كبير تعاني منه بعض الشرائح جراء ارتباك الخطط والتوسعات المفاجئة الذي جاء إثر ارتفاع أعداد السكان وتنامي شرائح الشباب نساء وذكوراً دون الاستعداد المواتي والمؤهل لتوجيه هؤلاء في تعليمهم أو أعمالهم مما نتج عنه ازدحام في مؤسسات التعليم وبطالة متفشية بين مخرجاته وضمور حاد في فرص التوظيف و ضخامة الأخطار والتضحيات التي تصاحب الفرص الوظيفية المتاحة.. وهي مسؤوليات جهات متعددة ليس أولها وزارة المالية ولا آخرها وزارة التخطيط لكن هذا جعل الصحافة تمارس نوعا من المكاشفة الحادة والتي جنحت في بعض كتاباتها إلى نوع من إيقاع الظلم على بعض الأفراد والمؤسسات ذكوراً وإناثاً.
وتخبطا عشوائيا في فلسفة الأمور وإلباسها لبوس مغاير لواقعها.
والصحافة هنا جزء من منظومة سلوكية اجتماعية تمارس نوعا من التفجير لكبت امتد لسنوات وسنوات.
فكأنما هي البركان الذي أسعده أن وجد فوهة متاحة لكي يثور.
وفي حال كل البراكين وحممها الطبيعية هناك ضحايا ومتضررون.
هامش الحرية الذي أسعد كل من له صلة بالإعلام والصحافة فهو بداية لطريق طويل من التدخل الجراحي لإصلاح الترهّل الإداري في الأجهزة الخدمية ذات المساس بمصالح المواطن تلك التي وعد بها سمو ولي عهد البلاد الأمين.
إلا أنها في واقع التأمل العقلي الحصيف تجلب نوعا من الدهشة، إذ سمحت بعض الصحف للأدعياء ومستثمري المصائب لكي يمرروا أحقادهم الشخصية.. بطريقة أقرب إلى التشفي منها إلى الشفافية ولكننا متفائلون بأن المرحلة القادمة وتجارب الشفافية والمكاشفة المتعددة والمتكررة ستساعد الصحافة هي الأخرى على التخلص من الترهّل والفساد الإعلامي والرغبات الشخصية وتقلّص من حجمها وتبقى الكلمة في يد الساعين الحقيقيين للتطهير والإصلاح ورؤية الوطن وهو يرفل بأثوابه البيضاء النقيّة يحمل الورد الجميل ويهبه للصغير قبل الكبير.
تماماً مثلما هي أحلام ذاك الرجل الذي جهر بصوت الحق وبرئ إلى الله من كل إهمال ومحسوبيات وظلم يقع على ابن الوطن في مختلف المواقع والمؤسسات.
فدمت أبيض طاهرا نقي الطوية متطلعاً أيها الوطن
11496 الرياض 26659 |