Wednesday 20th March,200210765العددالاربعاء 6 ,محرم 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لسنا مجتمع طوارئ.. لماذا؟لسنا مجتمع طوارئ.. لماذا؟
د. علي بن شويل القرني

من السمات الحضارية للافراد والمجتمعات القدرة على التعامل مع الاحداث الطارئة، وكيفية التصرف في حالات الكوارث والحوادث.. ومجتمع وفرد يعرف كيف يتصرف في مثل هذه المواقف يكون قد حقق وعيا وادراكا واستثمارا لهذه المعرفة والادراك انعكست على سلوكياته وتصرفاته في كل الحالات والمواقف التي يتعرض اليها.. ومجتمعنا السعودي الحديث لم يتعود على حالات الظروف الصعبة والمواقف الطارئة التي قد يواجهها في كل وقت وفي كل مكان.. ولم يبدأ في تشكل وعيه ومعارفه لحالات الطوارئ الا اثناء حرب الخليج واحتلال العراق للكويت، وتعرض المملكة لعدوان على مدنها ومناطقها، ودخول المملكة في معركة تحرير الكويت الشقيق.. عندها فقط بدأنا نتحرك لتوعية الناس وتبصرتهم بما ينبغي ان يفعلوه في مواقف الغارات الجوية او الاطلاقات الصاروخية، او غير ذلك من حالات الطوارئ المختلفة.
ومع انقضاء تلك الحرب، وتلاشي لهيبها، كنا اول من تخلى عن عمليات التدريب ونشر الوعي وتنمية المعرفة بحالات الطوارئ.. وسرعان ما تناسينا مؤسسات وافراد هذا النوع من المعارف وتخلينا عن حملات التوعية التي كان ينبغي لنا ادراكها دائما والتعامل معها بسرعة كافية واستيعابها بتفاصيلها الدقيقة.. وكان ينبغي لنا التواصل فيها ونشرها في كل المدن والقرى، ولكل الناس بمختلف الشرائح والفئات.
واذا التفتنا يمينا او شمالا، الى مجتمعات اخرى نجد ان آليات الطوارئ يتم تلقينها حتى للاطفال في سن الروضات،ويقومون بحفظها عن ظهر قلب مثل ان يحفظ احدنا اسمه..ويتم بين وقت وآخر التدرب على هذه الحالات والتذكير بها.. وكتابتها في دليل المدرسة او المؤسسة..وتكون هناك حالات طوارئ وهمية يتم فيها التدريب الحقيقي على كيفية الاخلاء وكيفية التعامل مع المواقف ايا كانت هذه المواقف.. والحريق هو اسهل هذه العمليات التي يتدرب عليها كل الاطفال والطلاب والموظفين وغيرهم، سواء في مدارس او هيئات او شركات او حتى منازل ومجمعات سكنية.
حالات الطوارئ هي حالات قد يفقد الشخص فيها توازنه الطبيعي وسلامة رأيه نتيجة صعوبة الموقف وجسامة الوضع الذي يعيشه.. ولهذا ففي مثل هذه الحالات ينبغي ان يكون الشخص قادرا على تذكر واستيعاب خطوات الطوارئ بعيدا عن الفزع والخوف.. واذا لم تكن هناك حالات تدريب مكثفة ومتكررة فقد يفقد الشخص صوابه وتصبح ردة فعله وبالا عليه.. ولا يستطيع الفرد ان يقوم بما ينبغي ان يقوم به الا بعد ان يكون قد تعلم وتدرب وتعامل مع حالات وهمية شبه حقيقية.. وهذا هو المطلوب لنا دائما في كل الحالات.
اما بخصوص الحالة الخاصة التي يعيشها المجتمع السعودي نتيجة سقوط خمس عشرة طالبة واصابة غيرهن في المدرسة «31» بمكة المكرمة.. فهي دليل واضح على اننا لسنا مجتمع طوارئ ولا نعرف كيف نتعامل مع مثل هذه الظروف.. ومع ايماننا بقضاء الله وقدره، فان نفس الحادث لم يكن ليقع في اي دولة حضارية تعرف كيف تستفيد من المعارف والعلوم لترشيد قراراتها وسياساتها بما ينبغي ان تعمله في مثل هذه الحالات.
ويدور حاليا في وسائل الاعلام الكثير من الاحاديث والكتابات عن مسئولية الحادث، وماذا ينبغي عمله لتحديد هذه المسئولية..وفي رأيي انه ينبغي التفريق بين جانبين من هذه المسئولية..المسئولية السياسية والمسئولية الجنائية للحادث..
ü في دولة اخرى، ربما لم يكن ليسمح بوجود مدرسة بمساحة محدودة مثل هذه المدرسة ان تستوعب اعداداً كبيرة تصل الى حوالي ثمانمائة طالبة.. فيجب ان تكون هناك نسبة وتناسب بين المساحة في الفصول والساحات للمدرسة ومع اعداد الطالبات او الطلاب في تلك المدرسة.. وهذه قاعدة ذهبية مبنية على معرفة وتجارب..والمسئولية في مثل هذه الحالة هي مسئولية سياسات وقرارات ادارية للرئاسة العامة لتعليم البنات اكثر من كونها مسئولية جنائية مباشرة.
* حالات الطوارئ ينبغي ان يكون لدى اطفالنا وطلابنا وموظفينا معرفة بكيفية التعامل معها ومعرفة الخطوات التي ينبغي فعلها اولا بأول حتى يتم استكمال اجراءات الاخلاء والتعامل مع هذه المخاطر.. وعدم معرفة وتدريب المعلمات على كيفية الاخلاء وتدريب الطالبات على ذلك،هي سياسة ايضا، اي ان هناك جهات مسئولة مسئولية مباشرة عن هذه الحالات.. وهناك مسئوليات ادارية لاكثر من جهة.. ويشترك كل من الدفاع المدني الادارة العليا الذي لم يتمكن من فرض هذه السياسة وتطبيقها على المدارس..فهي مسئوليته مسئولية مباشرة في عدم توعية الناس واجراء التدريبات المناسبة وربما التهاون في متابعة قضايا «السلامة» وعدم الالحاح الكافي والضغط الرسمي من اجل تطبيقات السلامة في المدارس والمستشفيات والدوائر الحكومية والشركات، وحتى في الوحدات السكنية..
كما تتحمل الرئاسة العامة لتعليم البنات مسئولية اذا ثبت عدم تجاوبها مع نداءات الدفاع المدني او اي اصوات من داخل هذه المدارس.
* اما المسئولية الجنائية فيتحملها كل من ساهم مباشرة في الحداث، او حال دون اجراءات الاخلاء والانقاذ والاسعاف لطالبات هذه المدرسة.. فهؤلاء يتحملون مسئولية جنائية مباشرة هي التي تسببت في هذه الكارثة واودت بطريقة غير عمدية لا شك في موت العديد واصابة الكثير من بناتنا الطالبات..ولا شك ان التحقيق الميداني يجب ان يصل الى معرفة دقيقة بما تردت اليه الاوضاع خلال اللحظات الحرجة في هذا الحادث.
فالمسئولية السياسية يتحملها صاحب القرار الاول في الجهاز التنفيذي المتخصص، حيث انه اولا مؤتمن على ارواح الناس الذين يعملون معه لتحقيق غايات واهداف المؤسسة والادارة التي يحمل مسئوليتها..وثانيا يتحمل المسئولية بسبب السياسات والانظمة التي وضعها، واذا كانت من سلفه يكون هو الذي ابقى عليها ولم يعد النظر فيها.. وثالثا يتحمل مسئولية القصور لو حدث في متابعة تنفيذ السياسات والانظمة حتى لو بدت جميلة ومنطقية على الورق.. ولكنها غير مفعلة في الواقع.
اما المسئولية الجنائية فيتم التحقيق فيها مثل التحقيق في جريمة او مشكلة او حادث لمعرفة الاسباب والمسببات..وحتى يتم الوصول الى مسئوليات محددة في هذا الشأن..ويحتاج ان يدخل تمثيل شرعي في مرحلة من مرحل التحقيق لوضع النقاط على الحروف، ولكون الشرع مرجعية نهائية في امورنا العامة والخاصة.. والله اعلم.

استاذ الصحافة والاعلام الدولي
جامعة الملك سعود

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved