ربما ينفع النصح، ربما ينفع الجلد، ربما السجن، ربما التوبيخ أشياء كثيرة ربما تنفع في إبعاد بعض الشباب عن معاكسات النساء في الأسواق، والفنادق خارج وداخل المملكة، والشوارع، والمستشفيات ومن داخل المكاتب الوظيفية في القطاع العام والخاص مع الأسف ومناطق التجمهر، ولكن لا تنفع مع كل الشباب في تصوري.
كثر الحديث في الصحافة لدينا عن هذا الموضوع ما بين مؤيد للجلد ومعارض واعتبرنا القضية شاملة لطائفة كبيرة من الشباب سواء كانوا متزوجين أم عزاباً. وأظن أن في هذا مغالاة كبيرة وطرحاً لهذا الموضوع وكأنه أصبح سمة للشباب السعودي وفي هذا إجحاف وتجنٍ على مجاميع من الشباب الذين لا يعاكسون ولا يغازلون.. مشغولون بأعمالهم، ووظائفهم ومسؤولياتهم ويكدحون في الجامعات، وفي مكاتبهم، ومعاملهم، وفي الحصول على لقمة العيش بل ويغادرون بلادهم للتحصيل العلمي والمادي..
من المؤكد أن هناك فئة من الشباب وقعت في شبكة المعاكسات ولكنها لا تمثل الكل ولا يجوز في ظني وصم الشباب السعودي بهذا التصرف اللاحضاري!!
حسناً ما الذي دعا هذه الفئة من الشباب للمعاكسات؟ إنه الفراغ.. الفراغ الفراغ!! وقلة الوازع الديني!! لقد قيل «الفراغ والجِدَة مفسدةٌ للمرء أيَّ مفسدة» وسأروي حكاية شاب في جيلي تسامى عن المعاكسات مع الفقر والانشغال ووقع فيه عندما أحس بالفراغ عند الكبر!!
كنا طلاباً في الجامعة في نهاية التسعينيات الهجرية، وكنا مراهقين نستمتع بوقتنا ونلهو كأي شباب في عزّ المراهقة وكان ذلك الشاب فقيراً لا يملك سيارة، وهيئته رثة وملبسه أقل من عادي، ولكنه كان ذكياً متفوقاً وطموحاً.. كان يدرس معنا حتى صلاة الظهر ثم يداوم في دائرة حكومية في المساء حتى العشاء.. ويكتب مقالات في ذلك الوقت، ويمارس نشاطات تجارية في عزّ مراهقته حيث كانت الوظائف «على قفا من يشيل» كما يقولون.. وكان يومه مليئا بالنشاط والعمل والمذاكرة، ولم يعرف أسواق السدرة آنذاك أو شارع الوزير أو الثميري أماكن الغزل في ذلك الوقت وليس لديه تليفون، ولا يعرف تكنيك الترقيم وكيفية إيصاله إلى الفتيات «بحرفنة المغازلجية» كما يشير الأستاذ عبدالله بخيت في مقالاته «الحلوة»، وليس لديه سيارة وأشرطة طلال ومحمد عبده وعبدالحليم.. كان جاداً وتفوق في الجامعة وأصبح معيداً فمبتعثاً للدراسات العليا ونجح فيها بتفوق وكان ينصح دفعتنا بالجد والاجتهاد وبأن الغزل والمعاكسات لا تصنع رجلاً ناجحاً، وكأن قلبه في يده!! يحركه كيفما يرى.. هذا الشاب كوَّن نفسه، علمياً ومادياً واجتماعياً وانتهى من جل مشاريعه وطموحاته والتقيته بعد هذا كله فإذا به يندم على أيام شبابه التي أضاعها في الجد والمثابرة وأنه لم يستمتع بشبابه كما يقول.. بل وأصبح يعاكس إذا سنحت له فرصة كما يقول في طائرة أو فندق أو في صيدلية أو نحو ذلك.. ومن خلال حديثه علمت أن الرجل تمكنت منه شهوة المعاكسات فهو لديه الوقت، والمال وأشياء كثيرة!! وأصبح يملك من الأساليب الجديدة المناسبة لعمره في المعاكسات ما جعلني في حالة استغراب..
القضية ليست مرتبطة بالشباب العزَّاب فقط بل الكبار لكنهم يعاكسون «بثقل» كما يقولون! القضية ليست مرتبطة بعقلية عادية أو متميزة.. أظن أن الموضوع هو الفراغ والدين.
نحن بحاجة إلى أمرين للنجاح في التصدي لموضوع المعاكسات:
أولا: صياغة آلية تربوية جديدة تتخذ من الإقناع وسيلة للوصول للرجال وليس الشباب فقط متمثلة في ديننا وعاداتنا وتقاليدنا «المحافظة على محارم الإنسان وعلى محارم الآخرين» وفي وسائل الإعلام والجامعات ومراكز العمل الاجتماعي والأسرة والمجتمع بأسره..
ثانيا: إشغال فراغ الشباب بالعمل وخلق فرص لهم لتشغلهم عن ارتياد الأسواق، إغراقهم بحمل المسؤولية في المدارس والجامعات وفي الأسرة.. كم من الأُسر لدينا تعتمد على الشباب في شراء «مقاضي البيت» وتسديد الفواتير،، وإيصال الأهل بسياراتهم عوضا عن السائق، إصلاح أمر البيت من ماء وكهرباء، مقابلة الضيوف واصطحابهم مع أولياء الأمور في مشاويرهم الاجتماعية، تفقد البيت بالنيابة عن الأب، الاهتمام بالأم والأخوات، حمِّلوهم المسؤولية منذ صغرهم، عوّدوهم على معالجة أوضاع الأسرة، ساعدوهم في مشاريع صغيرة لتكبر كافئوهم على التفوق، والقراءة والإبداع، حذروهم من فتنة النساء. وفي نهاية المطاف، المعاكسات موجودة في كل العواصم العربية، والعالمية لكنها شفهية، وليست بأرقام تليفونات كما هو الحال لدينا، والله المستعان.
ص.ب: 90155 رمز: 11633 الرياض
|