ظل السؤال الأكثر الحاحا فيمايتعلق بخطاب الرئيس الأمريكي الاتحادي الذي وضع فيه إيران إلى جانب العراق وكوريا الشمالية في خانة واحدة هي محور الشر كما أطلق عليه هو: لماذا تم ادراج إيران في هذا المحور وفي هذا الوقت بالذات بعد ان قطعت الاتصالات الأمريكية الإيرانية شوطاً طيبا على طريق التقارب والتفاهم خاصة وان القيادة الإيرانية ممثلة بالرئيس خاتمي أبدت تجاوبا غير مسبوق مع الحملة الأمريكية في أفغانستان، وصلت إلى حد التأييد والمساندة؟
كثيرة هي الإجابات والتفسيرات بشأن ذلك، ولكن الأقرب إلى الواقع مانشرته صحيفة (لوس انجلوس تايمز) الأمريكية، عندما قالت ان حشر اسم إيران في قائمة الشر، كان تكتيكا اتبعته الإدارة الأمريكية يهدف إلى إشعار القيادة الإيرانية بجملة من الملاحظات عبر رسالة واضحة ومحددة تأتي في مقدمتها ان واشنطن لاتزال راغبة في التفاهم مع طهران من خلال الحوار وان الإدارة الأمريكية مستعدة للعمل مع إيران إذا أرادت الأخيرة ان تسلك طريقها صوب العالم الثالث.
وعلى الرغم من ان ردود الفعل كانت غاضبة وعنيفة في الأوساط السياسية الإيرانية بشقيها المحافظ والإصلاحي إلا ان المسؤولين الأمريكان لايشعرون بالقلق من ذلك ويعتقدون ان الرسالة الأمريكية وصلت إلى طهران وهذا وحده يكفي في الوقت الراهن على حد قول الناطق باسم الخارجية الأمريكية ريتشارد باوتشر، عندما أعلن ان مضمون رسالة بوش إلى طهران يتركز في ان الوقت قد حان للاختبار في الوقت الذي يؤكد عدد من المراقبين والمحللين الأمريكان ان الرئيس بوش تعمد زج اسم ايران في محور الشر كوسيلة للضغط على التيار الإيراني المحافظ الذي ما انفك يعرقل عملية الانفتاح الديمقراطي وإغلاق الصحف المستقلة وسجن ناشطي الرأي على مدى السنوات الخمس الماضية.
ويعتقد كثير من المحللين ان الرسالة الأمريكية إلى واشنطن، تتلخص في ثلاث مطالبات أساسية، الأولى الامتناع عن تطوير قدراتها التسليحية في صنع صواريخ بعيدة المدى، ووقف التهديد باستخدامها ضد اسرائيل وتركيا ودول الخليج التي لوح به عدد من المسؤولين الإيرانيين من المحافظين.
والمطالبة الثانية وقف التسهيلات التي تقدمها أطراف في الحكومية الإيرانية إلى الهاربين من جماعة طالبان وتنظيم القاعدة وضرورة التعاون مع القوات الأمريكية بهذا الشأن.والمطالبة الثالثة وتتضمن إنذارا أمريكيا لإيران من مغبة تدخلها في الملف العراقي الذي بدأت سخونته تتصاعد منذ تفجيرات واشنطن ونيويورك في الحادي عشر من سبتمبر الماضي.ويشعر المسؤولون الأمريكان بقلق شديد من تطوير إيران لمشاريعها التسليحية وخصوصا فيما يتعلق بالصواريخ ذات المديات الطويلة وتعتقد واشنطن ان كوريا الشمالية هي التي تقوم بتقديم المساعدات الفنية لها، ويعترف ريتشارد باوتشر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية بخشية بلاده مما يسميه بالتعاون بين أطراف إيرانية نافذة مع جماعات تهدد مقومات الأمن الأمريكي، دون ان يفصح عن تلك الجماعات رغم ان إشارته تبدو موجهة بالأساس إلى حزب الله اللبناني.وقد نجح الاستفزاز الأمريكي حول هذه النقطة بالذات عندما هب المحافظون الإيرانيون مرة واحدة واندفعوا في اطلاق تهديدات كانت أكثرها تسرعا تصريحات نائب قائد الحرس الثوري (الباسدران) محمد باقر ذو الفقار عندما أعلن ان قواته مستعدة لتدمير آبار النفط في الخليج.
وقد أحدث هذا التهديد الذي هيج الخلافات التي هدأت بين التيارين الاصلاحي والمحافظ في إيران عقب خطاب بوش وأعاد إلى الواجهة من جديد الصراع بين الطرفين إلى حد طالب فيه نواب اصلاحيون بإقالة ذو الفقار وتنحيته عن منصبه في الوقت الذي أكدت مصادر مقربة من الرئيس خاتمي ان تصريحات المسؤول عن الحرس الثوري تصرف شخصي لايعبر عن موقف الحكومة.
والملاحظ ان الدوائر الأمريكية قابلت هذا التهديد بهدوء ودون تعليق وكأنها كانت تنتظره وهي التي وصفت في وقت سابق تعليقات الرئيس خاتمي التي هاجم فيها سياسات واشنطن بأنها ردود فعل سياسية متوقعة وان واشنطن تتفهم موقف الرئيس الإيراني الذي لا يريد ان يظهر بمظاهر المتساهل في ظل الأوضاع الراهنة.وبالنسبة إلى تحذيرات الرسالة الأمريكية بوقف تقديم التسهيلات للفارين من اتباع طالبان وأنصار ابن لادن فان طهران سارعت إلى الإعلان عن إلقاء القبض على أعداد منهم عبروا الحدود إليها تخلصا من ملاحقات القوات الأمريكية، وأكدت أنها ستسلمهم إلي الحكومة الأفغانية المؤقتة، ونفت الحكومة الإيرانية ان يكون المصري الظواهري أحد مساعدي ابن لادن في أراضيها مؤكدة انها لن تتسامح مع هؤلاء ولن تسمح لهم بالاختفاء في إيران ومضت خطوة أبعد في هذا الاتجاه عندما أقدمت على اغلاق مكاتب الحزب الإسلامي الذي يقوده رئيس الحكومة الأفغانية السابق قلب الدين حكمتيار الذي يقيم في طهران منذ سبع سنوات، وطلبت منه مغادرة إيران إلى خارجها رغم ان حكمتيار لم يقم بنشاط ميداني ضد التدخل الأمريكي في أفغانستان وإنما صدرت منه تصريحات نددت بالتواجد الكثيف للقوات الأمريكية والأجنبية وسخر من حكومة حامد قرضاي الانتقالية ووصفها بأنها دمية أمريكية.
وبشأن التهديدات التي حملتها الرسالة الأمريكية إلى القيادة الإيرانية بخصوص التقارب مع العراق ورفض طهران للخطط الأمريكية التي تستهدف إطاحة الرئيس صدام حسين وتغيير حكومته، فقد لوحظ ان مساعي التعاون التي أبدتها بغداد مع طهران خلال الفترة الأخيرة وتكللت بزيارة وزير الخارجية العراقي ناجي صبري الحديثي إلى العاصمة الايرانية ولقائه مطولا مع الرئيس خاتمي قد تراجعت وتيرتها مؤخرا وتبخرت الأماني التي أطلقها الجانبان حول عزمهما على توسيع آفاق التعاون بينهما، على صعيد رفع التمثيل الدبلوماسي وفتح الحدود لتبادل السلع وزوار المراقد الدينية، واستئناف البحث مجددا في إعادة الطائرات العراقية التي أرسلتها بغداد إلى إيران إبان حرب عاصفة الصحراء في مطلع عام 1991 وما يزال ملف أسرى الحرب العراقة الإيرانية (1980 1988) يتعثر من كلا الطرفين، رغم التصريحات التفاؤلية العديدة التي صدرت عن بغداد وطهران بشأن اقفاله، فما يزال حل هذا الملف الإنساني يواجه مشاكل وتعقيدات يحاول كل بلد تحميل البلد الآخر مسؤولية عدم حله.ولم يستبعد المراقبون السياسيون ان تكون الرسالة الأمريكية إلى طهران وسيلة خفية تحذرها من التدخل بأي شكل من الأشكال في المسألة العراقية عند تنفيذ واشنطن حملتها المحتملة ضد الرئيس العراقي بعد ان تسربت معلومات تشير إلى ان ايران تقاوم العملية الأمريكية لتغيير الحكم في بغداد، وتشعر واشنطن بخشية حقيقية من الرفض الإيراني لخطتها في العراق، وتتحسب من وجود (فيلق بدر) الذي يضم مقاتلين عراقيين من (الشيعة) يشرف عليه الحرس الثوري الإيراني على الحدود مع العراق، ولايستبعد تدخلها في حال تنفيذ الهجمات الأمريكية على العراق للمطالبة بحصة إيرانية في مرحلة ما بعد صدام الأمر الذي يثير حساسيات بالغة لدى دول الجوار العراقي تركيا والأردن والسعودية والكويت.
وعموما.. فان المؤشرات تكاد تؤكد بأن ايران رغم مظاهر الثورة والتنديد بخطاب الرئيس الأمريكي التي اتسعت عقب إلقائه، بدأت الآن تميل إلى التهدئة في الوقت الذي أعطت المصادر الأمريكية هي الأخرى انطباعات خففت من لهجة التصعيد وقللت من خطورة موضوع ادراج ايران في محور الشر، وقد لاحظ المشاركون في منتدى الحوار بين منظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الأوروبي في استانبول مؤخرا لغة دبلوماسية في طروحات وتصريحات وزير الخارجية الايراني كمال خرازي الذي دعا الأوروبيين إلى لعب دور الوساطة مع واشنطن وحثها على إضفاء الإنصاف والعدل على سياساتها مؤكدا ان النهج الأحادي والعسكري النزعة الذي تسير عليه الإدارة الأمريكية يمكن ان يقضي على التحرك الدولي لمكافحة الإرهاب.
ويبقى في النهاية ان واشنطن نجحت في ايصال رسالتها إلى طهران، وان الأخيرة تعاملت معها بجدية وواقعية، كما اثبتت الأحداث والوقائع الأخيرة.
* نائب المدير الإقليمي للاتحاد العالمي للإعلام واستطلاعات الرأي لندن |