** انهارت المحكمة الاجتماعية التي كان يخشاها الفرد.. وتسلل إلى بنية المجتمع الثقافية مقولات تنبئ عن أن الخطأ هو سلوك فردي يدخل ضمن حدود الحرية الشخصية التي يلزم ألا تستباح..
فيترك الفرد يخطئ ويتحسس كل من حوله من أن ينطقوا بكلمة حق تصويبية خوف أن يتهم الواحد منهم بأنه إنسان «ملقوف» «غثيث» يتدخل في كل شيء، أو أنه «معقد» يكبر الأمور ويضعها في غير سياقها.. وهذا الاتجاه سائد الآن في بيوتنا.
فقد ضعفت لدينا همَّة تصويب الخطأ والتناصح الاجتماعي بصورة كبيرة أدت إلى إضعاف همَّة الأب والأم التربوية أيضاً.. فالأبوة العصرية والأمومة العصرية تدعوان إلى ترك الأبناء يرتدون ما يريدون ويتحدثون بالطريقة التي يريدون ويشاهدون ما يريدون ويخرجون مع من يريدون..
والشاب لديه سيارة..
والفتاة لديها سائق وسيارة..
«والميدان يا حميدان»..
من يصلح وينجو.. فقد ربح..
ومن يفسد ويقع.. فقد خسر.
* ضعف صوت الأم وخبت نظرات عيونها التي كانت تقود بها البيت كله واستحال كل شيء إلى حرية داخل جدران موصدة.. وخرجت الحرية إلى حيث الشوارع والأسواق..
فتفاعلت حرية الشاب وحرية الفتاة فأنتجت ما أنتجت..
* دعكم من هؤلاء الذين يقولون ان حرمان الشاب من التعامل العادي مع الفتيات أدى إلى ذلك.
فما لهم إذن يعانون من حوادث الاغتصاب في كل ثانية ودقيقة وما لهم يعانون في حامعاتهم من الزواج العرفي وما لهم الآن مشغولون بكيفية التعامل مع أطفال السفاح.
ألم يتعود الشاب على الفتاة.. وليقارنوا بين جرائمهم الأخلاقية وجرائمنا ليجدوا فساد ما يذهبون إليه..
* إن الحرية واختفاء المحكمة الاجتماعية التي تستنكر وتقوِّم وتهذِّب ويضرب لها الناس ألف حساب.. خلف ما وصل إليه شبابنا وبناتنا..
فلم يعد الأب يبالي بأن يعلم جاره بأن بناته يعدن إلى المنزل مع سائقهم في الواحدة أو الثانية ليلاً.
ولم يعد الأب يخشى من انتقاد أقاربه له على قبوله لقصَّات شعر ابنه أو ارتدائه لملابس «مائعة» أقرب لملابس النساء منها لملابس الرجال.
وتبلد الحس الرجولي، فالأب أو الأخ يرى ابنته تخرج بفستان سهرة وتسميه تجاوزاً عباءة..
فهو ضيق تشده برباط أسفل صدرها وتلفُّه جيداً حول خاصرتها ويبقى أسفله مفتوحاً ليخرج الحذاء الأنيق مع البنطال الضيق وترفع طرحتها الشفافة من على أعلى نحرها ثم تلف لثاماً شفيفاً على شفتيها وبعض أنفها وتضع العدسات وترسم العين وترقق الحاجب وتلوِّن الأظافر وهي في سيارتها خلف سائقها ترش بعضاً من رذاذ العطر حولها.
ثم تهبط بأمان الله «.......».
وإذا لم يكن لديها وقت لكل ذلك أو خشيت من كلمة عتاب تُقال لها صعدت إلى صوالين التجميل النسائية وقالت لإحدى العاملات: ضعي لي «ماكياج» سوق..
فترسم لها عينيها وتمد لها حاجبيها وتبيِّض لها جبينها، ثم تهبط إلى السوق تتأبط حقيبة صغيرة بلون الحذاء.
* على ماذا تلوي هذه الفتاة..
هي ذاتها «الفتاة» التي تعبر «العاير» في التسعينات بانتظار كلمة عابرة.
لكنها اليوم بتبرج أكثر وجرأة أكثر وإصرار أكبر وإبراز أكثر لمفاتنها وخطيئة إغواء مقصودة تستعد لها وتقتطع من وقتها ساعة وتزيد حتى تخرج بالصورة التي
تجذب وتشد وتلفت.. إنها أكثر إغواءً وإثارة من مذيعة عارية الساقين والكتفين!!
فما حيلة الشاب العشريني الذي خرج للتو من أمام الفضائيات والنساء المتفسخات المقززات.. وفحش القول والفعل، يجد أمامه فتاة تومئ وتشير.. تظهر وتخفي.. تقبل وتدبر.. تغدق وتمد.. برمش العين.. ورسمة الحاجب والتفافة الخصر والرباط المشدود..
والنحر الظاهر..
والعطر الطاير..
والعباءة التي دوّن عليها عبارات استفزازية بعد ذلك كله.. ماذا تراه سيفعل..
«ألا يركض خلفها كالمجنون»
يرمي حولها بالأوراق والأرقام..
وتلتفت إليه وتبتسم.. فتضيء له الدنيا «الضائقة»
فيركض ويركض..
ويزاحم..
يبعد ويقترب..
يتكلم ويرتبك
ثم يصرخ تحت وطأة أسواط الجلد..
وثمة رجال شداد.. غلاظ
يقولون: أليس لديك أخوات.. ألا تحافظ على أعراض الناس مثلما تحافظ على عرض أخواتك..
ومن بين أنَّات السياط يود أن يقول.. وأن يتكلم.. ولكن..
بينما تعود الفتاة إلى سريرها الناعم بعد أن أزالت آثار الماكياج عن عينيها بكريم حليبي ناعم وعقمت بشرتها وارتدت جلباباً قطنياً واسعاً ثم تنام قريرة البال، فقد أوقعت في الفخ فريسة جديدة.. وانتشت بانتصار أنوثتها وعادت لتندس في فراشها خلف أستار الليل لا من حسيب أو رقيب!!
* وتبرؤ جروح الشاب ولسعات الجلد..
ويذكر العينين.. والإقبال والإدبار..
فيقول: إن عدتم عدنا والبادئ أظلم!!
يتبع |