أتَتْني في ثيابٍ من حريرِ
تَقيها من جنونِ الزَّمْهَريرِ
وتمنعها من الحشراتِ لمَّا
تحاول لَسْعَ فاتنة الخدورِ
أتتْ، وجمالُ عينيها بيانٌ
يَزُفُّ بشائرَ الحبِّ الكبيرِ
ويرسم لوحةَ الإلهامِ فيها
كما رُسِمَ الأصيلُ على الغديرِ
أتَتْني تستثير حنينَ قلبي
بما نثرتْ عليَّ من العطورِ
بما حَمَلتْه من ذكرى شموخٍ
تتيه به على مَرِّ العصورِ
تحدِّثني بأعذبِ ما أُديرتْ
به لُغَةٌ على شفتَي «غَريرِ»
وترمقني بأجملِ ما أُديرتْ
به النظراتُ من أهدابِ حُورِ
سلامٌ، قلتُ: يا أهلاً وسَهْلاً
بمن زَفَّتْ إلى قلبي حُبورِي
ويا أهلاً بمانحةِ الليالي
إذا ما أظلمَتْ قَبَساتِ نُورِ
ويا أهلاً بمن حملتْ يداها
إلى الأحباب طاقاتِ الزُّهورِ
ومَنْ تَسْتَنْبِتُ الأَقلامُ منها
مشاتلَ كلِّ فكرٍ مستنيرِ
ومَنْ يسري هَواها في فؤادي
كما تسري السَّعادةُ في الصُّدورِ
سلامٌ، وانبرتْ تجتاز صمتي
وتأسرني بمنطقها المُثيرِ
تقول فجلَّ من أعطى بياناً
نقيَّ اللفظ مُبتهجَ الحضورِ:
أخا الشِّعر المطرَّز بالقوافي
شعورُك فيه ينطق عن شعورِي
أَصخْ سمعاً إليَّ ولا تَدَعْني
أَذُقْ منكَ المرارةَ بالنُّفورِ
أنا النَّبْعُ الذي أسقى كباراً
وروَّى فطرةَ الطفل الصغيرِ
أنا الحسناءُ يشهد مَنْ يراني
جَلالَ الحُسْنِ في الوجهِ المُنيرِ
أنا الحسناءُ مَنْ يسعى إليها
يجدْ أَسرارَ رائحةِ البَخُورِ
أنا الحَسْناءُ أشكو من قلوبٍ
تواجهني بإحساسِ الصُّخورِ
وأقلامٍ تَمُجُّ حروفَ وَهْمٍ
تحاربني بأسلوبٍ حقيرِ
وألسنةٍ تَلُوكُ حديثَ زُورٍ
تعاني منه مَوْجَاتُ الأَثيرِ
مناهجُكم أنا، ما زلتُ أَبني
لكم بعقولكم أعلى القُصورِ
وأمنحكم مبادئَ في مَدَاها
تَلُوحُ بشائر الخير الوَفيرِ
أنا الحسناءُ، أدعوكم بصوتٍ
يصوِّر بعضَ آلامي، جَهيرِ
عَجِبْتُ لمن يضخِّم من عيوبي
وينسى ما بَذَرْتُ من البُذورِ
وما أشكو الكَفُورَ إذا جفاني
فما أرجو المودَّةَ من كَفُورِ
سأشكو بعض قومي حين أَغْرَوا
معاولَهم بتقطيع الجذُورِ
لماذا يبعثون الهَمَّ نحوي
ويختطفونَ نومي من سريري؟!
عجبتُ، أكلّما نادَى مُنَادٍ
من الغرب المُولَّع بالشرورِ
رأى فيكم صَداه، فليت شعري
مَن الأولى بتوجيه النَّكيرِ؟!
مناهجُكم أنا، ما زال نَبْعي
يُمِدُّ الرَّوضَ بالماءِ النَّميرِ
رفعتُ بناءَكم عن كل سَفْحٍ
يضيق بما يَراه من الوُكورِ
حَمَيْتُ عقولكم من كل فكْرٍ
يُداوي مَنْ ترنَّحَ بالخمورِ
فكيف تعكِّرون صفاءَ نهري
ويهدم موجُكم جسرَ العبورِ؟!
عجبتُ لكم، ألم أصنعْ رجالاً
لهم بعلومهم أَسْمَى حضورِ؟!
فكم شيخٍ تشرَّبَ من علومي
وكم مَلِكٍ غَذَوْتُ وكم أَميرٍ
وكم من عالم ما زال يَسقي
عقولَ الناسِ بالعلم الغزيرِ
وكم قاضٍ صَنَعْتُ وكم فقيهٍ
يُجيب السائلين، وكم وزيرِ
وكم أخرجتُ فيكم من جنودٍ
يصونون البلادَ، ومن صُقورِ
سلوا طِبَّاً وهندسةً وعلماً
رياضياً، سلوا علم البُحورِ
سلوا عني المعلِّمَ والمربِّي
وكلَّ فتىً بمنهجهِ فَخُورِ
سلوا عني النًّساءَ طلبْنَ علماً
خَرَجْنَ به من الجهلِ الخطيرِ
يُمَيِّزُهنَّ في أرضي سُموٌّ
بإشراق الحجاب عن السُّفورِ
سلوا هذي الصُّروحَ رفعتموها
سلوا ما تعبرون من الجسورِ
أقول لكم: هَبُوني ما لديكم
من التجديد والرأي البَصيرِ
ولكن، لا تُريقوا ماء وجهي
بلا حقٍّ، ولا تئدوا سرورِي
فلن أشكو من التجديد إلاّ
إذا شكت الزهورُ من العبيرِ
ولن أشكو سوى أقلامٍ وَهْمٍ
كحيَّاتٍ تَموجُ على السُّطورِ
تبثُّ سمومَها في كل حَرْفٍ
وتفتح بابَ شرٍّ مستطيرِ
يسيِّرها على الأوراقِ قومٌ
أَعَزُّ مُرادِهم حُبُّ الظهورِ
فيا بُؤْسَ الكتابةِ حين يغدو
مسطِّرُها كحفَّارِ القُبورِ
وشرُّ الناس مَنْ يلقاك، لمَّا
يَمُوجُ الأمرُ كالكلبِ العَقُورِ
وأسوأُ ما ترى الدنيا غنيٌّ
يَمُدُّ يداً إلى خُبْز الفقيرِ
هي الأَزَماتُ تُبْرِزُ كلَّ وجهٍ
وتُخْرِجُ مَنْ تخبَّأ في الجحُورِ