Saturday 9th March,200210754العددالسبت 25 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

السلام المدعوم بقرارات الشرعية الدولية مطلب عربي إسلاميالسلام المدعوم بقرارات الشرعية الدولية مطلب عربي إسلامي
د. عبدالله بن سالم الزهراني

السلام كلمة ذات دلالات عظيمة وذات انعكاسات أعظم على الشعوب والمجتمعات في أي بقعة من بقاع كوكب الأرض، ومن المفترض ألا ترفض تطبيقات هذا المفهوم من قبل أي مجتمع، إن انعكاساتها المفترضة بعد تطبيق مدلولها يعني في الغالب الأعم السلم والأمن والرخاء، ورغم أنه مفهوم ومطلب عالمي للأمم والشعوب وهو جزء أساسي في استمرارية مسيرة الحياة البشرية بل والحياتية الأخرى وتواصلها إلا أن الإنسان الذي يمثل الجوهر في المسيرة الحياتية لا يفتأ أن يفسد مضامين مفهوم السلام.
تزداد الحاجة إلى تطبيق مضامين السلام عندما يحدث خرق لتلك المضامين، ومن المؤسف أن الخرق لهذه المضامين مستمر في مناطق عديدة من العالم، يأتي خرق هذه المضامين من قبل البعض عند هيمنة الطمع والانجراف وراء رغبة الهيمنة والسيطرة وسلب ممتلكات الآخرين المادية منها والمعنوية التي اكتسبوها بحكم التموقع والنشأة والتكوين والعمل من أجل استمرارية هذا التكوين، لقد تطورت الطرق في التعامل مع الفتن والخلافات التي تنشأ بين الشعوب من أجل إقرار وإحلال السلام .
ولقد كان هذا التطور مقرونا بتطور فكر الإنسان وبنائه الحضاري المتنوع والشامل للجوانب المادية والثقافية، ومع هذا التطور كان التجدد في إيجاد آليات لخلق أجواء السلام التي تمهد لنشر السلام واقعاً فعلياً ملموساً وممارساً.
أصبح السلام مطلباً ضرورياً وملحاً منذ العقد الثاني من القرن العشرين، وذلك بعد الحرب العالمية الأولى وما خلفته من دمار وخراب وزعزعة الاستقرار العالمي، ومن ذلك الوقت نشأت مجموعة الأمم على ما أعتقد ولكن الحرب العالمية الثانية كانت قاصمة للسلام العالمي بل كانت مفجعة ليس فقط لأنها سلبت أرواح الملايين من سكان العالم ولكن لأنها أظهرت كم هو الإنسان قاس ومتوحش وخاصة في غياب الوازع الديني والأخلاقي .
ولعل شواهد التدمير الهتلري في المدن الأوربية والردود العنيفة من قبل الحلفاء على الألمان واستخدام القنابل النووية شاهد على قساوة الإنسان، وكان العقد الخامس يمثل ولادة عصبة الأمم التي تحولت إلى هيئة الأمم المتحدة التي أنشئت 24/9/1945م من قبل 50 دولة، تعهدت هذه الدول والتزمت من خلال هذا التجمع بالحفاظ والعمل على السلام والأمن بشكل جماعي وتعاوني، ولقد كان ميثاق الأمم المتحدة واضحاً وصريحاً وتضمن أربعة أهداف أساسية.
أولى هذه الأهداف أو الأغراض هو المحافظة على السلام والأمن العالمي وثانيهما العمل على تطوير علاقات صداقة بين الدول وثالثهما التعاون في حل المشاكل الدولية والعمل على احترام حقوق الإنسان، ورابعها هو أن تكون الأمم المتحدة مركزاً للتآلف بين الأمم في الأحداث التي تواجه العالم، إن كل الأعضاء يمثلون دولاً مستقلة وافقت والتزمت بميثاق الأمم المتحدة مهما كان غنى أو قفر الدولة، ومهما صغرت أو كبرت مساحتها، ولكل دولة أن تقول رأيها بغض النظر عن اختلافات وجهات النظر السياسية أو غيرها، ولكل دولة حق التصويت في جمعيتها العمومية.
على كل حال هذا الميثاق تضمن أهدافاً جميلة كلها تصب في مصلحة تحقيق السلام والأمن، ولا شك أن الأمم بكافة ثقافاتها ومعتقداتها ومبادئها استبشرت خيراً بميلاد الأمم المتحدة وأهدافها خاصة، وأن ولادتها جاءت بعد كارثة الحرب العالمية الثانية، كما أن ميثاقها يصب في مصلحة سكان كل العالم لكي يتعايشوا على هذا الكوكب بحيث تعمل الأمم المتحدة على إيجاد آلية للتآلف بين سكانه للعيش في وضع أحسن يلفه السلام والأمن مع الاحتفاظ باستقلالية كل دولة من أعضائها.
ولكن هل الأمم المتحدة التي يصل عدد أعضائها اليوم إلى قرابة 180 تمكنت من تحقيق هذه الأهداف النبيلة؟ وهل الحقوق متساوية لكل أعضائها؟
وهل قرارات الأمم المتحدة وبالذات في مجلس الأمن محايدة ونزيهة، وهل الأمم المتحدة الآن كما هي عليه منذ عقدين من الزمن؟
لا يمكن لأحد أن ينكر دور الأمم المتحدة في محاولاتها إقرار الأمن والسلام، ولا يمكن لأحد أن ينكر مجهوداتها في الجوانب التي تدعم الأمن والسلام والمتعلقة بالمنظمات الأممية المختلفة مثل منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونسكو ومنظمة الأغذية والزراعة والمنظمات الأخرى المختلفة، ولكن في نفس الوقت لا يستطيع أحد أن ينكر التأثيرات المختلفة والتدخلات من القوى الكبرى في العديد من قرارات الأمم المتحدة والتحايل عليها، وتفريغ العديد منها من جوهرها ومحتواها.
إن كل ذلك يتم لمصالح فردية بغض النظر عن المصلحة العالمية، وما استخدام الولايات المتحدة لحق النقض ضد قرارات الأمم المتحدة التي ارتآها الأغلبية إلا مثال على التحيز الأمريكي الذي غلب المصلحة الفردية على المصلحة الجماعية لشعوب ودول الشرق الأوسط بشكل خاص وشعوب العالم المحبة للسلام بشكل عام، إن استمرار وجود هذه المشكلة الفلسطينية العربية الإسلامية العالمية دون حل حتى يومنا هذا ليس له سبب سوى انحياز الولايات المتحدة المعلن والصريح للكيان الصهيوني على حساب الشعب الفلسطيني، وما الحروب التي قامت من أجل هذه القضية في هذه المنطقة إلا نتاج هذا التحيز الأمريكي الذي استغله الصهاينة لتكريس الاحتلال بل والتوسع في الأراضي الفلسطينية التي اقرها تقسيم عام 1948م.
إن كل ذلك يتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة وما صدر عنه من قرارات مدعمة لحقوق الشعب الفلسطيني.
من الواجب أن يسود مفهوم محور السلام في هذه الأيام في مواجهة مفهوم محور الشر الذي أطلقه الرئيس الأمريكي بوش الابن، إن العالم العربي والإسلامي مطالب بأن يتبنى محور السلام ليس لأنه مطلب عالمي فقط، ولكن أيضاً لأنه واجب إسلامي ومن صميم الشريعة الإسلامية .
كما أن العالم العربي والإسلامي أحوج ما يكونون إلى هذا التبني خاصة وأن أعداء الإسلام يحاولون ظلماً وعدوانا أن يربطوا بين الدين الإسلامي والإرهاب والإسلام من ذلك براء من تلك الصلة.
لقد كان المستفيد الأول من الهجوم على الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م شارون وطغمته واللوبي الصهيوني في الكونجرس الذي يدعم السياسة اليهودية، إنهم يعملون ولا يزالون يعملون على التأليب على العالم الإسلامي وبشكل خاص على المملكة العربية السعودية ليس لأنها فقط تمثل ثقل وقلب العالم الإسلامي ولكن لكون مواقفها التي تتفق مع مبادئها الأساسية تجاه القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني لم تتغير منذ عهد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز، هذه الحقوق التي تتمثل في استعادة الأراضي المحتلة من المغتصب الصهيوني، وأن يكون له دولة ذات سيادة عاصمتها القدس ويتمتع فيه الشعب الفلسطيني بقرارات سيادية لا تدخل فيها من قبل الصهاينة، هذا الموقف لم يرق لحكومة شارون الدموية ولا لمؤيديه في اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وفي المؤسسات الإعلامية في أمريكا.
إن دعم المملكة لحقوق الشعب الفلسطيني وإصرارها عليه مبني على أسس تاريخية لا يمكن تجاهلها لهذا الشعب وعلى أسس دينية بحكم وجود المسجد الأقصى أولى القبلتين كما أنه مبني على القرارات الدولية المتتالية التي اتخذت خلال أكثر من نصف قرن سواء قرار التقسيم أو قرار 242 الذي يدعو الصهاينة إلى الانسحاب من الأراضي الفلسطينية والعربية التي احتلتها عام 1967م وعودة اللاجئين.
لقد سعت المملكة إلى تأييد الفلسطينيين ولم تتدخل في قراراتهم أو طريقتهم في حل قضيتهم وحواراتهم ونقاشاتهم ومفاوضاتهم مع عدوهم من أجل استرجاع حقوقهم، ولكنها كانت تؤيدهم في المواقف التي يتخذونها في هذا الإطار من خلال الدعم المعنوي والمادي والسياسي في المحافل الدولية المختلفة، ولقد أيدت المملكة العربية السعودية قرار مؤتمر القمة العربية في الرباط عام 1974م الذي اقر بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني،
م تعارض المملكة مفاوضات الفلسطينيين في مدريد ولا مقررات أسلو، ولا الاتفاقيات المختلفة التي عقدها الفلسطينيون مع الحكومات اليهودية المتتابعة، ولكنها دائماً ترفض البطش والصلف والهيمنة والظلم والعدوان على الشعب الفلسطيني الأعزل، وكل هذا لا يعجب الصهاينة وأعوانهم في فلسطين وخارج فلسطين.
محور السلام تتبناه المملكة العربية السعودية وكل الدول العربية والإسلامية شريطة أن يكون سلاما عادلاً وشاملاً وكاملاً غير منقوص السيادة للفلسطينيين وبعيداً عن البطش، إن موافقة الدول العربية على قرار رفع المقاطعة عن الكيان الصهيوني جاء في إطار البحث عن السلام، وهو في إطار حسن النية، ولكن الحكومات الصهيونية لم تقدر أهمية هذا القرار الذي أخرجها وفق عزلتها وخناقها الاقتصادي والشركات المتعاملة معها، قرار السلطة الفلسطينية بحذف مادة من الميثاق الفلسطيني والاعتراف بإسرائيل لم تقدره الحكومات الصهيونية في فلسطين المحتلة، قرار إيقاف الانتفاضة الفلسطينية الأولى لم تقدره الحكومات الصهيونية الذي كلفها الشيء الكثير اقتصادياً..
لم تحترم الاتفاقات مع الفلسطينيين، ولم تلتزم بالإطارات الزمنية للانسحابات بل تعيد التفاوض على اتفاقات سابقة من جديد على ما تم الاتفاق عليه من قبل.
مقررات أسلو كانت واضحة، وهي أن تكون الأرض مقابل السلام والأمن، ولكن الحكومات اليهودية في فلسطين المحتلة، وبالذات حكومة شارون تود أن تجمع بين الأمن والبقاء على احتلال الأراضي الفلسطينية هذا أمر ثبت فشله من خلال السياسات الشارونية خلال هذه الانتفاضة الأخيرة، لقد فشلت سياسة تكسير العظام من قبل بيريز.
وفشلت خطة المائة يوم الشارونية لإنهاء الانتفاضة، وستفشل كل سياسة قمعية وستتكسر على صخرة صمود الشعب الفلسطيني. إن استخدام الآلية العسكرية بمختلف أنواع أسلحتها ضد الشعب الفلسطيني لم يغير من إرادة الشعب الفلسطيني، ولا من استعداده للتضحيات بهدف الحصول على حقوقه والوصول إلى سلام آمن وعادل وشامل.
كما ان استشهاد وجرح هذا العدد الكبير من الفلسطينيين في هذه الانتفاضة رقم مرتفع، يكون الوطن الفلسطيني بقدسه الشريف غالية ولم ولن يكون للفلسطينيين من خيار سوى التضحيات، إن كل يوم يمر يثبت فشل السياسات اليهودية القائمة على القمع والقتل والاغتيالات ظانة أنها إذا اغتالت قيادياً لن يكون هناك بديل. إن العنف لا يولد إلا عنفا وستسقط كل حكومة صهيونية لا تجنح للسلام الذي التزمت به القيادة الفلسطينية مدعومة في ذلك بتأييد عربي وإسلامي.
لا يمكن الجمع بين احتلال الأراضي الفلسطينية والأمن ولا يمكن أن يكون هناك سلام وتطبيع من قبل دول العالم العربي والإسلامي وتبادل اقتصادي مع الحكومة الصهيونية مالم يغير الصهاينة من سياساتهم التوسعية والبطش بالشعب الفلسطيني، وقد أوضح ذلك صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني في مقابلته مع النيويورك تايمز، وهذه دعوة لدفع الشرور ومحاورها وابعادها عن المنطقة من خلال استئصال شأفة الشر الاساسي والنأي بالمنطقة عن زعزعة استقرارها الذي يتوقف عليه الاستقرار العالمي، إن قبول هذه الدعوة والتطبيق الفعلي لمحتواها يعني تعميم الأمن والسلام فهل من آذان صاغية، لقد كان العرب دائماً يتهمون بتضييع فرص السلام ابتداء من رفضهم مبدأ تقسيم فلسطين عام 1948م، ولعل رفضهم في تلك الأوقات كان له ما يبرره.
أما اليوم فإن هذه التوجه الفلسطيني العربي الإسلامي للسلام العادل والشامل المبني على أساس الأرض مقابل السلام يعتبر منهجاً ومحوراً قد لا يتكرر عرضه على الحكومات الصهيونية في حالة رفضها لانتهاز هذه الفرصة إذا أرادت أن تعيش بسلام في هذا المحيط العربي الواسع الذي لن تظل أمواجه ضعيفة وهادئة على مر الزمن ولا شك أن هذه الفرصة هي أشد أهمية لليهود في فلسطين المحتلة من أهمية الفرص التي يقال:
إن العرب أضاعوها.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved