اعتماداً على القول المأثور (في الامتحان يكرم المرء أو يهان) وضع سمو الأمير عبدالله الكل في قاعة الامتحان في الوقت المناسب:
1 الشعوب العربية.
2 المثقفون العرب.
3 الحكام العرب.
4 الأمريكان.
5 الأوروبيون.
6 الإسرائيليون.
1 الشعوب العربية:
منذ زمن بعيد والشعوب العربية تتطلع بما تملكه من ثقافة متوارثة، وتجارب مرت عليها ومقارنات بين الأفق البعيد والقريب إلى فهم ما يدور في رؤوس حكامها بكل شفافية وبدون أية تأويلات تقبل مئات الوجوه بكل سهولة.
وفجأة تجد نفسها أمام بوصلة أمير عربي تتحرك بشفافية كاملة وفي وضح النهار وتخبر العالم أجمع بزمن تحرك هذه البوصلة، واتجاه هذه البوصلة والشروط اللازمة لاستمرار هذا التحرك.
فهذه الطريقة في التفكير جديدة على الشعوب العربية وخاصة في القضايا المصيرية، فما كان من هذه الشعوب إلا أن وجهت بوصلتها باتجاه بوصلة الأمير عبدالله متيقنة أنها بوصلة زعيم صادق لا متزعم تاجر.
2 المثقفون العرب:
في كثير من الندوات التي تعقد بين المثقفين العرب في المغرب والمشرق كان هناك سؤال يطرح بهمس خفيف، نحن أمة تفتقد إلى حكام ذوي شفافية وإلى حكام ذوي قدرات ابداعية في اللحظات التي تتلبد فيها الغيوم السوداء على هذه الأمة.
فجاءت مبادرة الأمير عبدالله تحقق ما كانوا يتمنون تحقيقه وبشفافية كادت أن تتمزق الشفافية من شفافيتها.
فوجهوا بذلك بوصلتهم بنفس اتجاه بوصلة الأمير.
3 حكام العرب:
لقد ترجم سمو الأمير ما قاله في القمة الخليجية في 30 كانون الأول ديسمبر في سلطنة عمان بكل وضوح وصراحة وبدون أي تأويل يقبل الشك حينما قال: يجب أن نقيم أنفسنا قبل أن نقيم الآخرين، وهذا لن يتم إلا بعد أن نطرح على أنفسنا أسئلة هامة تجنبنا الاجابة عليها لفترة طويلة.
ولقد رأى سمو الأمير أنه حان وقت الاجابة على الأسئلة الهامة، وأجاب، وكانت المبادرة إحدى افرازاتها الأولى، ونتمنى من جميع حكامنا طرح تلك الأسئلة على أنفسهم والاجابة عليها كما يجب أن يجاب عليها، قبل مؤتمر القمة العربية في بيروت.
4 الأمريكان:
يجب على الأمريكان أن يعرفوا ما هي نتائج فشل المبادرة لو حدث لا سمح الله قبل أن يقرأوا المبادرة بشكل جيد.
فحتى العلاقة الغرامية بين العشيق وعشيقته أحياناً تتجه بشكل خاطئ فيقوم العشيق بتأطيرها وعقلنتها حتى يحافظ العشيق على نجاحها والأمريكان في هذه الحالة أمام ثلاثة خيارات.
الخيار الأول: أن يستجيبوا لمصلحة الشعب الأمريكي ويضغطوا على اسرائيل ويجبروها على قبول المبادرة.
الخيار الثاني: أن ينتظروا حتى تصل إسرائيل إلى طريق مسدود وتوحي إسرائيل للأمريكان بقبول المبادرة، فتعلن أمريكا عن قبولها للمبادرة مع بعض الاضافات من مبادرة تنت وغيرها.
الخيار الثالث: أن ينتظروا حتى تحقق إسرائيل النصر على الفلسطينيين ويجروهم إلى طاولة المفاوضات ويفرضوا عليهم شروطهم كما يريدون، وهذا الخيار مستحيل تحقيقه لأن الأحداث تسير بالاتجاه المعاكس.
وأنا أتوقع أن تتبنى أمريكا الخيار الثاني.
وسياسة الانتظار فاشلة لا محالة
5 الأوروبيون:
الآن الأوروبيون معاناتهم قد تتجاوز في بعض الأحيان معاناة العرب، لأن الأمة التي تعودت أن تكون عزيزة وشريكة في كل قرار دولي، ولها حضورها السياسي والاقتصادي على مستوى العالم، وفجأة تجد نفسها وحيدة لا تستطيع أن تحقق أهدافها الاستراتيجية ولا حتى المعنوية فلا بد أن تصاب بمرض الاكتئاب السياسي.
فالأوربيون لم يملكوا الشجاعة على طرح أية مبادرة مهما كانت صغيرة وانحصر دورهم في ترجي إسرائيل وأمريكا، فجاءت مبادرة الأمير عبدالله كحبوب مضادة للاكتئاب ولإعادة توازنهم وأتوقع أن الأوروبيون سيقفون إلى جانب المبادرة بكل ما يملكون من قوة.
6 الإسرائيليون:
مرة أخرى أخطأ الإسرائيليون في اختيارهم، أخطأوا عندما اختاروا من سبق رابين وأخطأوا عندما اختاروا شارون، والشعوب من الناحية النفسية لا تختار الأشرار لقيادتها إلا عندما تصاب بخوف شديد في أعماقها وتتظاهر بالقوة، كماحصل للشعب الإيطالي ابان الحرب العالمية الثانية.
ويظن الإسرائيليون أن ميزان القوة المكسور لصالحهم سيرغم الفلسطينيين للجلوس إلى طاولة المفاوضات واستقبال الإملاءات الإسرائيلية بكل صدر رحب وأخطأ الإسرائيليون للمرة الثالثة.
وأعتقد أن وقع مبادرة الأمير عبدالله على المجتمع الإسرائيلي ستأخذ ثلاثة سيناريوهات لا رابع لهما:
السيناريو الأول: سيعتبرها جناح السلام في إسرائيل فرصة تاريخية باعتبارها تحقق لهم الأمن بشكل واضح ولأنها آتية من بلد يعتبر المفصل الكبير في الأمتين العربية والإسلامية.
وسيمارسون ضغوطاً كبيرة على حكومة شارون وإن لم يفلح هذا الجناح فإنها بالضرورة ستؤدي إلى تسريع الانتخابات الإسرائيلية.
السيناريو الثاني: يمكن أن تقبلها حكومة شارون ولكن تحت ضغوط أمريكية وبذلك ستكون أمريكا أرضت تيار السلام ودفعت به إلى الأمام لاستلام السلطة وأرضت العرب جميعاً.
السيناريو الثالث: هي أن تحاول حكومة شارون استنزاف المبادرة عن طريق طرح اللقاءات الثنائية أو التوصل إلى نوع من النجاح الدبلوماسي، وهذا لم يحلم به شارون قطعاً.
أخطأ الإسرائيليون ثلاث مرات ونتمنى أن لا يخطئوا للمرة الرابعة.
وأخيراً فإن مبادرة الأمير عبدالله وضعت كلا من:
أولاً: الشعب الإسرائيلي أمام حكومته وجهاً لوجه.
ثانياً: حكومة شارون أمام العالم الأوروبي وجهاً لوجه.
ثالثاً: حكومة شارون أمام العالم العربي والإسلامي وجهاً لوجه.
رابعاً: حكومة شارون أمام الأمريكان وجهاً لوجه.
لذا أستطيع أن أسمي مبادرة الأمير عبدالله بمبادرة «اسقاط الأقنعة» وإن لم تنجح لا سمح الله فالكل يجب أن يستعد للاحتمال الأسوأ.
فواز محمود الناصر |