Friday 8th March,200210753العددالجمعة 24 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أسواق الموسكى ألوان زاهية وآلات موسيقية وأزياءأسواق الموسكى ألوان زاهية وآلات موسيقية وأزياء
سوق الإمام الشافعي أشهر (مول شعبي)
وكالة البلح تبيع مخلفات الجيش الإنجليزي!

كانت الأسواق قبل ان تكون النقود..
التقى الإنسان بأخيه الإنسان يريه مازرع وما أنتج بعرق الجبين.. يقايض كل منهما الآخر.. شيئاً بشي.. وسلعة بسلعة.. ودائما خبرة الحياة هي خير مثمن للاشياء.. في ساحة من الساحات يجتمع الباعة والمشترون.. غرباء وعابرو سبيل يبحثون عن رزق الله في بلاد الله.. لا احد يدري كيف تجمعوا هنا بالذات.. او هناك.. تتبدل الوجوه والسلع و لكن المكان لايتبدل. وفود وحشود تأتي في ميعاد معلوم.. تبيع وتشتري.. وتقنع بالرزق المقسوم.. اقتربت الجزيرة تتأمل هذا العالم وصراع البشر والنقود.
سوق الفلاحين
في يوم محدد تحمل القرى الصغيرة خيراتها ودوابها وتذهب الى ساحة فسيحة بالقرب من البندر، وكل بندر يختار لسوقه يوما لايتعارض مع يوم البندر المجاور.. وأشهر ايام سوق الفلاحين في العادة هي الثلاثاء والاربعاء والخميس.
في هذا اليوم المعلوم جيلاً بعد جيل يأتي الفلاحون من قرى نائية.. محرومة من كل شيء.. يشقون بأقدامهم المفلطحة طرقاً ملتوية حتى يصلوا الى السوق من غبشة الفجر.. بضائع ورجال ونساء متشحات بالسواد يحملن فوق الرؤوس خيرات الارض الطيبة: الحبوب والبذور والطيور والبيض والسمن والجبن.. تعكف كل فلاحة على اعداد ما تبيعه من اسبوع لاسبوع، تجهز اللبن لصناعة الجبن او تسمن ذكور البط، ورغم انها تمني نفسها بالربح الوفير لكن حين تصل الى السوق ترضى بالقليل امام جشع سكان البندر المترفين، يكفي انها لن تضطر للعودة بهذا الحمل فوق رأسها مرة اخرى.
اسواق الفلاحين محدودة مثل حياتهم، لاتعرض فيها سوى ضرورات الحياة وقرشها عزيز من النادر ان يحقق طفرة الثراء لأحد، اسواق بلا اباطرة، فقط افراد من عباد الله تعلو اصواتهم في يوم مفترج وساحة بلا اسوار او ابواب.. يختلط فيها الحابل بالنابل دون ادنى تنظيم.. اصوات بشر وثغاء حيوان.. روائح روث وبرسيم وطيور مستكينة في اقفاص. يقف جد عجوز بعربة كارو عليها اقفاص فارغة ويعاونه حفيده الصغير، قال انه يأتي سوق الاربعاء في المواسم «يقصد الاعياد» كي يشتري لبناته الفاكهة وبعض الحلوى ويذهب لزيارتهن في بيوت ازواجهن.. فالمواسم فرصة كل عام كل يفرح الطيبون بالرضا والستر واشيائهم البسيطة. على الناحية الاخرى كان هناك اب يسحب وراءه جاموسة كبيرة في عرض مستمر امام عيون الآخرين، يتبادل المساومة مع هذا او ذاك وهو يردد ان المصاريف نار وان ابنه الكبير سيدخل الجامعة هذا العام، ويحلف يمينا بالله انه لولا هذا مافكر في بيع جاموسته، يبدو وهو يربت على ظهرها كأن بينه وبينها «عشرة عمر»، وكلما دخل مساومة جديدة يردد للمشتري «بين البائع والشاري يفتح الله» ثم يمضي..
حلقة السمك
تحت اقدام البحر وبطول السواحل تنتشر اسواق من نوع آخر.. على شواطئ الاسكندرية والسويس وبور سعيد ودمياط وبحيرات ناصر والمنزلة وقارون والبرلس.. توجد اشهر اسواق السمك او كما يسميها البعض حلقة السمك.
شباب وشيوخ يركبون البحر اياما طويلة، يلقون الشباك بحثا عن الرزق وراء الافق البعيد، كل جماعة يحملها قارب صيد له اسم وشهرة وحظ.. ادهم والامير وسبع البحر اسماء يتفاءل بها اصحابها في مغامرة مليئة بالاخطار. من اقدم حلقات السمك حلقة الانفوشي بالاسكندرية.. يصحو هذا الحي العريق على رائحة السمك الطازج تخترق النوافذ وينادي الباعة باللهجة الاسكندراني.. نداءات متكررة وصياح لا يتوقف.. «لوت.. دينيس.. بوري.. مرجان.. شرغوش..» هكذا ينادي عم عبده الجدع وغيره، وحين تمر فتيات الانفوشي بملاءاتهن السوداء يأخذ النداء اكثر من مغزى. ولأن السمك ابن الماء فهو لايحتمل حرارة الشمس، ويتم تعريش الحلقة بالصاج او القماش بينما توضع الانواع المختلفة بنظام وتغطى بقطع الثلج المجروش، كل نوع في «جانبة» خاصة به او طبلية صندوق خشبي عمقه اقل من شبر ومكشوف.
بجوار الحلقة يوجد مقهى يجلس فيه التاجر الكبير «المعلم» يدخن الشيشة وينتظر قدوم الصيد، حين تصل المراكب و تفرد الطبالي امامه ينهض فينتقي خير مافيها قائلاً «عشا المعلم» بعدها يزن السمك ويدفع للصيادين ابخس الاثمان، هذا التاجر الكبير لايستغل الصياد فحسب بل يستغل ايضا تجار التجزئة الذين يشترون منه بعد ان ينتهي من صفقته مع الصيادين.
اكبر ربح في اقل وقت يحصل عليه المعلم وهو حريص الا تعلق بثيابه رائحة الزفارة او قشر السمك، على حين يستسلم الآخرون لأن الحياة علمتهم ان السمك الكبير يأكل السمك الصغير، يغادر المعلم المكان وتتحلق طيور البحر وهي تصيح اعلى سقف الحلقة تتجاوب مع اصوات الباعة المبحوحة من كثرة النداءات ويضرب احدهم كفا بكف متعجبا: سبحان الله.. حتى السمك له أنياب!
سوق الخضار
في أول لقطة من فيلم الفتوة يظهر التاجر الصغير «فريد شوقي» ويدما تصفعه على قفاه، وفي آخر لقطة يظهر تاجر صغير آخر «محمود المليجي» وهو يتلقى نفس التحية المعتبرة، هكذا سوق الخضار لاتعرف الرحمة ولا مكان فيها للضعفاء. أشهر سوق للخضار والفاكهة كانت بحي روض الفرج تمتد على مساحة تزيد عن عشرين فدانا، عشرات من قصص الصراع الدموية دارت في ساحة السوق وتملأ مجلدات بين الاخ واخيه.. الرجل وزوج ابنته.. الصعايدة والبحاروة.. وكثيراً ما انتهى مصير أباطرة الخضار والفاكهة برصاصة غادرة ذات مساء. اطنان موز ومانجو.. برتقال.. بطيخ.. تلال من فاكهة الصيف والشتاء وخضار الموسم.. باذنجان.. فلفل رومي.. بطاطس.. لايقل ارتفاع اي تل عن خمسة امتار.. وتقام المزادات حولها بعد صلاة الفجر مباشرة.
واكثر مايباع يخرج من حيز السوق الى تجار المحلات في انحاء القاهرة.. الى الفاكهاني والخضرى.. وبعد فرز هذه التلال تجمع الثمار المعطوبة والمشروخة والسقط فيتلقفها تجار آخرون بثمن مختلف فكل شيء يباع وله ثمن «على عيبه».
منذ سنوات قليلة وبعد ضجة اعلامية رفعت الحكومة سوق روض الفرج من الخدمة رغم اعتراض التجار الحيتان، لأن الحكومة ابعدتهم عن قلب العاصمة والناس الى صحراء قاحلة على طريق مصر الاسماعيلية، فيما يعرف ب«سوق العبور» حالياً، وهو الوريث الشرعي لسوق روض الفرج الشهير.
نظمت الحكومة سوق العبور على هيئة بلوكات كبيرة وحددت المداخل والمخارج، كما فرضت الرقابة على المزادات والاسعار، لأن الخضروات والفاكهة بضاعة مجنونة لايستقر سعرها على حال.. يعلو وينخفض في غمضة عين، فيرتفع بنفس ويخسف بآخرين ارض السوق.
في العام الماضي وصل سعر المانجو الى جنيه واحد فقط، وحتى يتجنب التاجر خسارة الاف الجنيهات يلجأ الى تخريب بعض الثمار في ثلاجات ضخمة على ان تتحسن السوق في موسم هذه الثمار، لكن الطماطم مجنونة ولا تخزن طازجة كثمرة، ولهذا تباع يوماً بعد يوم ويصعب السيطرة على سوقها.
وكالة البلح
الدفء يعني الملابس وكسوة العيال، ووكالة البلح مكان عزيز على القلب لأنها تحقق هذا بأقل النقود، ولهذا قرر المطرب الشعبي شعبان عبدالرحيم ان ينزل الوكالة في اول يناير ويشتري قميصاً جديداً، ولو كان يعرف الوكالة جيدا لأدرك ان اغلب الملابس التي تباع ليست جديدة على الاطلاق.
تحتل الوكالة نصف مساحة حي بولاق ابو العلا «نسبة الى مسجد السلطان ابي العلا» شوارع متداخلة ومتشابكة يتوه فيها غير المدرب، يمكن الوصول اليها عن طريق كورنيش النيل «ماسبيرو» حيث هي جارة عزيزة لوزارة الخارجية ومبنى التلفزيون، او عن طريق شارع الجلاء حيث لاتبعد عن مؤسسة الاهرام سوى امتار قليلة.. باختصار كل الطرق تؤدي الى الوكالة، والفقر اقصر الطرق اليها!
عمرها من عمر الاحتلال الانجليزي لمصر، حيث كانت مخلفات الجيش الانجليزي تباع في مزاد سنوي ويشتريها تجار الوكالة صناديق مغلقة تحتوي على قطع غيار ومعدات وملابس والواح الومنيوم وخردة، يتم فرزها في المخازن وتسعيرها ثم تباع بالتجزئة. من هنا امتازت الوكالة على كافة الاسواق الاخرى.. سواء الغورية او سوق العصر او السبتية.. فكل شيء يباع فيها، المفروشات والستائر، ولوازم الافراح، الملابس المستعملة والجديدة، المستورد والمحلي، قطع غيار السيارات، النادرة والاصلية، والمهربة ايضاً. تأتي «بالات» الملابس يختلط فيها الشتوي بالصيفي والحريمي بالرجالي، فيقوم التاجر بفرزها واصلاح مايحتاج الى ازرار او حياكة، ثم تذهب الى «المكواة» حتى تبدو كأنها جديدة فتدخل المحل مساء يوم الخميس من كل اسبوع «وهذا افضل توقيت للشراء» الملابس الرثة والمحلية تباع بعشرة جنيهات في المتوسط للقطعة الواحدة وربما اقل، اما الجديد والمستوردة فمتوسط سعر القطعة عشرون جنيها. تزدحم الوكالة بالرجال والنساء في المواسم والاعياد، ويبدو الزبون الجديد على المكان حائرا مرتبكا يشعر كأن الباعة يهزأون به ويخشى ان يصادف شخصا يعرفه، وربما يصاب بالذعر بسبب الارقام الفلكية ولأنه لايعرف لغة «الفصال» واخيراً يهتدى الى بنطلون فرنسي او ايطالي ويسأل عن السعر، فيقال له مائة جنيه.. الرقم مرعب ولن ينقذه الا ان يقول للبائع «يمشي معاك بعشرة؟!» المسألة بسيطة وفي النهاية سيعطيه البائع بعد ان يساومه قطعة الملابس ويضعها في كيس بلاستيك اسود او كيس ملون عليه اسم المحل دون تحديد للعنوان، في تلك اللحظة يدرك الزبون الجديد مدى حرص هؤلاء على صورته امام الآخرين اذا فُهم انه يتعامل مع الوكالة، صحيح ان جميع الطبقات تذهب اليها لكن الاعلان عن ذلك.. فضيحة! وقلة فقط هي التي تملك شجاعة شعبان عبدالرحيم!!
خان الخليلي
خان الخليلي رواية من اولى روايات نجيب محفوظ واشهرها.. خان كلمة فارسية، بمعنى نزل او فندق، ويقال ان الخليلي رجل فلسطيني من بلدة الخليل، جاء الى هنا وافتتح فندقا بالقرب من المشهد الحسيني والجامع الأزهر.
على يمين الخان حي الصاغة وبريق سوق الذهب.. وعلى يساره حي النحاسين وسوق النحاس تهب من تلك الشوارع العتيقة رطوبة الزمن ورائحة العصور الغابرة.. جوامع واضرحة وتكايا وبيوت الامراء والقضاة والتجار تتساند على بعضها خوف الانهيار، يطوف بها السياح والعرائس والمترجمون وهواة التسكع والفرجة الى ما لا نهاية. اذا كانت الاسواق السابقة قصرت نشاطها على ضروريات الحياة من مأكل وملبس فإن اسواق خان الخليلي تخصصت فقط في فن الترفيه وصناعة الزينة فضيات تزين النساء والبيوت، اشكال فرعونية للمكاتب، زخارف اسلامية، انتيكات، وما اسهل ان تسرق قلب امرأة بهدية صغيرة من خان الخليلي، ولن تكلفك بشيء من المهارة سوى جنيهين، فالاواني والاشكال الزجاجية الصغيرة تبدأ اسعارها من ثلاثة جنيهات، والقلائد الملونة تبدأ من خمسة جنيهات اما الاساور فمتوسط سعرها جنيهان، وعلب الصدف متوسطة الحجم بحوالي سبعة جنيهات. وزينة الزينة الذهب.. اطنان من الاساور والقلائد والخواتم والدلايات مصفوفة بعناية وراء زجاج شفاف، بريق يبهر العيون وفصوص من احجار كريمة اذواق رفيعة ومهارة في التشكيل حسب «الموضة». اغلب اصحاب المحلات من الاقباط ذوي الخبرة الطويلة في صياغة وتشكيل الذهب، ولهم عين مدربة في معرفة العيار واكتشاف اللصوص.. واهم خبرة يتمتعون بها كسب ثقة الزبون دون شجار او ضجيج او فصال، فأمام الذهب وسطوته تنتاب الجميع حالة من الوداعة والبهجة، وبسهولة يرضي الصائغ جميع الاطراف: العروس والعريس والاهل من الجانبين وعلى رأي الشاعر:


رأيت الناس قد ذهوا
إلى من عنده ذهبُ

أبناء (الكار) الواحد
يحكي المقريزي في خططه انه فيما بين الحسين والسيدة نفيسة كانت هناك سوق تسمى القصبة تحتوي على اثني عشر الف حانوت «دكان» وكلها عامرة بأنواع المآكل والمشارب والامتعة، تتوزع الى اسواق صغيرة لأبناء «الكار» الواحد مثل سوق العطارين والمرحلين «تختص ببيع كل مايلزم لترحيل الجمال» والشماعين «سوق تباع فيها اشرطة الاضاءة الخاصة بالمصابيح والشموع الكبيرة، وسوق البزازين «تجار الاقمشة» وسوق السلاح حيث تباع السهام والدروع والسيوف. هكذا عرفت القاهرة منذ عشرات السنين اسواق عديدة تختص بتجارة معينة وبأصحاب مهنة واحدة، واشتهرت شوارع واحياء كثيرة في مصر القديمة بشهرة اسواقها مثل شارع بين القصرين وكان مشهوراً كسوق للاطعمة وانواع الحلويات المختلفة، واشتهر حي الغورية «اخذ اسمه من جامع السلطان الغوري» بتجارة الاقمشة ولوازم الافراح وغنى له محمد قنديل «يارايحين الغورية.. هاتوا لحبيبي هدية»! على حسابهم طبعا. وبالقرب من باب زويلة كان هناك سوق الحلاويين وهم الذين تخصصوا في صناعة الحلوى الملونة، وعن كثب منه سوق آخر تباع فيها الالات الموسيقية مثل القيثارة والعود وكان ملتقى لأصحاب المجون، على هذا النحو تنتشر عشرات الاسواق مكشوفة ومسقوفة وساحات عامة لأغراض التجارة تسمى «قيسارية» وعلى المرء اذا اراد شراء شيء ان يعرف السوق المختصة به وما تحتوي عليه من بضائع. كل سوق يلتزم بأصناف معينة او يختص بصناعة و بيع لوازم بعينها، مثل لوازم السبوع في شارع الموسكي، استمر هذا التقليد حتى الآن مع تطور طفيف.. فمثلا هناك شارع عبدالعزيز بالعتبة يختص فقط ببيع الاجهزة الكهربائية المستوردة، والمحلية، كما نجد حالياً على طول شارع المعز انواعاً مختلفة من الحرف القديمة مازالت قائمة وتعرض بضاعتها مثل الاشكال والاواني النحاسية. كان التخصص سمة كل سوق ولا فرق بين حانوت وآخر الا بالجودة ومهارة الصانع، ولكل سوق لغته الخاصة ومصطلحاته الفنية، وشيئاً فشيئاً علق الناس اللافتات «سرجة الحاج حسين» بقالة عم احمد وأولاده، هكذا يمضي ايقاع الحياة هادئا والتغيرات لاتكاد تذكر، كانت كلمة التاجر عقداً والامانة سمعة لايمكن التفريط فيها، لكن منذ سنوات قليلة انقلب مفهوم السوق رأسا على عقب ورفعت لافتة بقالة عم احمد لتحل محلها لافتة اجنبية «سوبر ماركت» واختلط تاجر اللبن بالبقال بالخردواتي فيما يسمى السوبر ماركت، والبائع اصبح اسمه «الكاشير» وبدلا من التخصص في شيء بعينه اصبحت هناك منافذ بيع متوحشة تبيع كل شيء برعاية شركات عابرة القارات وانتصبت فجأة عشرات المباني التي يسمونها «المول»!
المول الشعبي
صراع رهيب عاشته اسواق القاهرة بين مبدأ التخصص والتعدد.. بين لغة الامانة ولغة الفهلوة.. اختفت القاب عم فلان والحاج والصبي وظهرت القاب الباشا والكنج والمساعد، ومع انهيار الاسواق العتيقة امام هجمة المول والسوبر ماركت كان هناك ركام من البضائع والمنتجات القديمة، حملها اصحابها الى اماكن نائية بعيداً عن سطوة الحكومة والاثرياء الجدد.
في ساحات نائية في اقصى الشمال «امبابة» او اقصى الشرق «المطرية» او الغرب «المنيب» وفي ايام معروفة هي على التوالي الجمعة والخميس والثلاثاء اقام الغلابة والتجار البسطاء سوقا كبيرا لاتقوم على التخصص وانما التنوع، كأنها صورة هزلية لفكرة المول. وأشهر «مول» شعبي على الاطلاق سوق الامام الشافعي «يوم الجمعة» من طلعة الشمس الى غروبها يستطيع اي شخص ان يذهب الى هناك ويبيع اي شيء ماعليه الا ان يختار مساحة من الارض يفرش فيها بضاعته والفيصل بينه وبين الزبون السعر، لايهم ان كانت البضاعة قديمة او جديدة او حتى مسروقة.. فكله على عينك يا تاجر!
تمتد الشوارع الجانبية كأنها اجنحة متخصصة في ارقى مول تعرض الاحذية والملابس والسجاجيد وانتيكات عتيقة وسيراميك وأثاثاً واجهزة كمبيوتر وموبايلات وطيور زينة وقواقع وحبوب وكلاب مستوردة.. وتبدو الجولة في هذه الاجنحة رائعة لأن المتابع لايعرف ماذا سيجد بعد خطوة واحدة؟ ربما يفاجأ بفرش عليه كتب قديمة او امرأة تبيع كبدة نيئة. وقف شابان للفرجة على اشرطة فيديو قديمة عليها اسماء من قبيل الانتقام المدمر والصراع الرهيب، وفجأة امسك احد الشابين بشريط ليس عليه اي عنوان وسأل البائع «الشريط دا فيه إيه؟» فكان الرد «علمي علمك.. هو بيتباع كده» هل يعقل ان احداً يشتري شريط فيديو لا يعرف ماذا عليه وهل هو صالح ام لا؟ لا احد يجبره على شيء.. هذه هي البضاعة وما عليه الا ان يختار ما يشاء.. بنفس المنطق تباع اجهزة الكمبيوتر ومكوناتها وشرائط الكاسيت واجهزة التلفزيون والموبايل. ولأول وهلة يبدو ان هؤلاء الباعة قاموا بتفكيك شقق القاهرة قطعة قطعة وجاءوا لبيعها هنا، بأسعار تبدأ من عشرة قروش، فمثلاً الحذاء المستورد «نصف عمر» يتراوح سعره من خمسة جنيهات الى عشرة والجديد بحوالي اربعين جنيهاً، منضدة متوسطة الحجم بخمسة عشر جنيها، باب شقة بحوالي سبعين جنيها، وربما يعثر المتجول على ساعة عتيقة كانت في يوم ما معلقة في مكتب سعد زغلول او مكرم عبيد. الاكثر طرافة ان هذا الازدحام وتلك البضائع كلها معروضة وسط مقابر الامام الشافعي، ليشهد الاموات اكبر «مول شعبي يقيمه الاحياء في بر مصر المحروسة.
الدنيا سوق كبيرة
هكذا الدنيا سلسلة اسواق تمتد الى ما لا نهاية.. من افخم العمارات وحتى المقابر.. تجارة في كل شيء.. حتى جسد الإنسان يباع الآن كقطع غيار في سوق العولمة.
شريف صالح

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved