أورد صاحب كتاب «يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر» أبي منصور الثعالبي النيسابوري ذكراً عن أبي الفضل الهمذاني وكان من ضمن ما أورده في محاسن نثره مجموعة من الألفاظ والأمثال القِصار استهوتني فآثرت أن أختصرها في هذه العُجَالة لما تحويه من حِكَمٍ تُظهر واقع الحال لدى بني البشر فقال: «المرء لا يعرف بِبُرْده، كالسيف لا يعرف بغمده، جرح الجَوْر، بعيد الغَوْر نار الخفاء سريعة الانطفاء، الحذْق لا يزيد الرزق. والدِّعَةُ لا تحجب السِّعَةُ احتكم إلى الحجارة، فالتقتير نصف التجارة، غضب العاشق أقصر عمراً، من أن ينتظر عذراً، إن بعد الكدر صفواً وبعد المطر صحواً. الراجع في شيئه كالراجع في قيئه. المرء من ضرسه في شغل، ومن نفسه في كلٍّ. الحبل لا يبرم إلا بالفتل، والثور لا يُربَّى إلا للقتل، أرخص ما يكون النفط إذا غلا، وأسفل ما يكون الأريب إذا علا. لا تحسد الذئب على الألية يعطاها طعمة، ولا تحسب الحب ينثر للعصفور نعمة، إن للمتعة حداً، وإن للعارية رداً. ما كل مائع ماءً، ولا كل سقف سماء. ولا كل بيتٍ بيت الله، ولا كل محمدٍ رسول الله، الكريم عند أهل اللوم، كالماء في فم المحموم، وسم المبرسم في الشهد، والشمس تقبح في العيون الرُمُد. الخبر إذا تواتر به النقل قَبِلهُ العقل، كَلَفة الفضل مُتَعَيِنَةٌ، وأرض العِشْرَةِ ليْنَةٍ، وطُرُقُها بَيْنَةٍ ان الوالي سيعزل والراكب يستنزل النذل لا يألم العذل. المدبر يحسب النسيئة عطية، ويعتد بها هدية. الدهر بيننا جرع، وفيما بعد متسع، ولا ماء بعد الشطِّ، ولا سطح بعد الخطِّ، من ذا الذي لا يهاب البحر أن يخوضه، والأسد أن يروضه. وُدُ الحضر إخاء ومروءه، ووُدُ السفر وفاء وفتوة.
قلت قَسَماً إن فيه لدسماً، ليلةٌ يضلُ بها القطا، ولا يبصر فيها الوطواط الوطا، شحَّاذٌ أخَّاذْ، وفي الصنعة نفَّاذْ، وهو فيها أستاذ. فارقنا خِشْفاً وأتى جِلْفَاً أرب ساقه، لا نزاع شاقه، أبعد المشيب أخدع بالدبيب. فعل ذلك على السخط، من القرط، خمر في الدنيا متاعها قليل، وفي الآخرة خمارها طويل الحرب سجال فيوماً غنم، ويوماً غرم. ومطل الغني ظلم. كذب القميص لا ذنب للذئب في تلك الأكاذيب. من الكبائر طفيلي يدب، ومن النوادر ذباب ينب، إنما يجرب السيف على الكلب، لا على القلب. إذا رضيت أن أَخْدِمَ ولا أُخْدَمْ، فإن العبودية لا تُعْدَمْ. الجواد لا يجزع من الآكاف جزعي من المخاطبة بالكاف. ما بي المكان لولا السكان، والله ما أرضى ولو صارت السماء أرضاً، ولا أريد ولو قطع الوريد. لا تكاد السباع تأتلف كما لا تكاد البهائم تختلف. إن اللئيم لا يخلو من خِلَّةِ خيْر وكذلك الكريم لايخلو من خِلَّةِ ضَيْر. عزيز علي أن لا أسعد دون الرقعة بتلك البقعه. العبث بهن الحمار، من المخاطرات الكبار. ولو شئت للفظت وأفضت، ولو أردت لسردت وأوردت».
|