يستقر اليوم في بالنا أن المؤسسة التعليمية تسعى نحو التحديث الواعي في تكنولوجيا التعليم والمناهج وطرق التدريس وإدارة المؤسسة التعليمية ومرافقها ومناشطها.
ويعتبر هذا دعما لما تسعى إليه لتحقيق فرص للحياة، وسلوكيات أفضل لتفاعل العلاقات، وذلك من خلال تكافؤ الفرص ودعم دور المؤسسة التعليمية، ومكانة المنتمين إليها من العاملين والطلاب، وإن المؤسسة التعليمية تمثل محورا لمجمل المؤسسات التربوية الأخرى في المجتمع، وهي واحدة من مقومات وأركان التطور والتقدم في عالم متغير وسريع، ويترافق هذا مع متغيرات أخرى مثل الثقافة والتربية الدينية والاتجاهات الاجتماعية، ويتعذر علينا الخوض في هذه المتغيرات الآن، وإن كان علينا أن نشير إلى النظام المدرسي في إطار القواعد المحسوبة والمحددة لبدء ونهاية العام الدراسي، وما يتخللها من إجازات أخرى.
ومن حسن القول إننا في مقالنا هذا لا نقصد وقت الإجازة في علاقتها بالفترة المحددة لزمن العام الدراسي، ولا بوضعية الإجازة على خريطة العام الدراسي، ولكننا نقصد توقيتها، وشكل التعامل الزمني معها، وما يلزمها من قرارات.
وإن وضع القرارات التي يتخذها مسؤولو التعليم تحول دون بلوغ أية صعوبات في مجال التطبيق، ولذا فليس ثمة تعثر في العملية التعليمية ذاتها، ولكن غايات التقدم تدعو لتعرف المشكلات التي تعتري المنظومة الإدارية في هذا العالم المتغير مما اختلف معه معيار الوقت على مسافة الزمان بثلاثية الماضي الحاضر المستقبل.
ويجدر القول: إنه ليس ثمة مواقف تحظى بالتفاهم الجماعي حولها، لأن الرؤى متعددة وبالغة التعقيد والحساسية، المهم أنها تتباين، بل وفي بعض الأحيان تتعارض. غاية الأمر أن قضية الإجازات خلال العام الدراسي، كيف يتم معالجتها؟ بحيث يتم الرضا عنها وقبولها بما هي عليه.
وإزاء ذلك نطرح قضية طول فترة إجازة نصف العام، فثمة إجازة رمضان التي تبدأ من 20 رمضان وحتى 14 شوال ثم يحصل الطالب على إجازة فاصلة في العام التي تبلغ 5 أيام، وهنا نتساءل لم لا تضم إجازة نصف العام إلى إجازة رمضان بحيث يعتبر شهر رمضان إجازة كاملة، لتمكين الطلاب لتحصيل أكثر وتفادي ضياع الوقت فيما لا يفيد العملية التعليمية، ودون التعرض لمزيد من محطات التوقف على مدى العام الدراسي.
وإزاء ذلك نقترح أن تكون إجازة رمضان هي نفسها إجازة نصف العام حتى نضيق مسافة التوقف عن الدراسة مما يؤدي إلى جهد زائد على عاتق هيئة التدريس لمراجعة ما تم تدريسه قبل التوقف للإجازة، وفيه مضيعة للوقت بدلا من استثماره للتصدي لتحديات العصر، والاستفادة من طاقات الطلاب،
وهذا الأمر يدعو لتعديل المناهج وإصلاحها، والانفتاح الرشيد على المعرفة والثقافة العالمية، وما طرأ عليها من مشكلات وقضايا عديدة تحتاج إلى تدبر في التعامل معها، ومن هذه المشكلات ذلك الزمن المستقطع من العام الدراسي، ووضع المقررات التي تتوافق مع الواقع وإنجازاته الحضرية التي تستهدف تطوير التعليم وتحديثه.
وفي قناعتنا أن طول الإجازات التي يحصل عليها الطالب تعطل المسيرة التعليمية، ويتعثر في ضوئها سلوك الأداء التربوي،والتوجيه وتنمية ذكاء الطلاب، والوعي الاجتماعي في نفس الوقت، وهذا مجال واحد من مجالات كثيرة لتطوير سياسات التعليم مع مراعاة التوافق بين الكم والكيف، دون أن يخل ما نقترحه من اختزال الإجازات الدراسية بالنشاطات المدرسية مثل الرسم والخطابة والكشافة وكرة القدم وغيرها مثل القراءة الحرة خارج المقرر والسباقات الثقافية والأدبية.
وهذا لا يخل بجدوى العلاقات في خريطة الاتصال: أولا ما بين الطالب ومعلمه، وثانيا ما بين الطالب ومدرسته، وثالثا ما بين الطالب ورفاقه، ورابعا ما بين الطالب وبيئته، ولن نجد اختلافات كثيرة في مضامين الاتصال وملابساته التي تشغل الكثيرين.
واستنادا لفهم هذا الواقع الذي يتوافق مع المداخل التعليمية بما يرفع لفكرة اليوم الكامل في المدرسة بحيث يكون الوسط المدرسي متمشيا مع منظور التنمية وما ينتجه من أفكار وتصورات، وفي ذات الوقت فهو يتوافق مع القيم الثقافية السائدة في مجتمعنا المعاصر غير المغيب في زمن العولمة، وعمومية الثقافة وخصوصية الثوابت الأصولية المعيارية بحيث لا نقع في تناقض بين ما هو ثقافي وما هو سياسي، وبين الدين والمصالح، وبين القوة والغطرسة، هذه الثنائيات لا نريد السقوط في هوتها .
على أي حال فإن من استراتيجيات التعليم تتمثل في دعم وتنمية التماسك الوطني، ولا جدال في ذلك غير أن هناك بعض القضايا العامة التي تثير وتقلق المواطنين هو توابع الإجازة نصف السنوية منها التخوف من «شقاوة» الأولاد، والخروج للعب بالطرقات، ونشوب المشاجرات مع أترابهم أو إخوتهم، وعدم القدرة على متابعتهم، يضاف إلى ذلك الاستعمال الخاطئ للتلفزيون، ولعب الورق على قارعة الطريق، والخروج الدائم من المنزل غير المبرر، والاستخدام الخاطئ للسيارات وعمل المخالفات .. أضف إلى ذلك نسيانهم لما سبق أن حصلوه من معارف ومعلومات وحقائق في النصف الأول من العام، والدخول إلى نصف العام الآخر بمنوال جديد، مما يتعرض إزاءه المعلم من بذل المزيد من الجهد في مراجعة ما فات.
ويضاف لهذه الظواهر ذات الصلة بإجازة نصف السنة، متاعب الإجازة الصيفية نظرا لعدم كفاية الأنشطة والبرامج الصيفية للطلاب مما يستوجب مقابلة مطالب الأعمار السنية ، وخصائص النمو.
هذا واقع المدرسة اليوم وما يحيط به من ظواهر في حاجة لإعادة النظر، وتفسير مجريات الأمور وما تحمله من معاناة.
وتزداد هذه المعاناة إذا نظر إليها من خلال ما يطرحه عصر العولمة، وما يعتوره من ملابسات، وما يدفع به من تأثير سلبي كبير ليس فقط على عقول الصغار، وإنما أيضا على كيان الكبار نظرا لعدم قدرتهم على ملاحقة هذا التأثير لإمكانية فهمه وتعرف مردوده تحت مظلة عولمة الثقافة وعلى الرغم من عدم وجود اتفاق كلي على هذا المردود فثمة مظاهر حتمية للتعامل معه ومع الدور الذي يلعبه في هذه الحقبة بالذات والتخوف من تأثيرها على التماسك الوطني.
إن حديثنا في هذا المقال موجه لصناع القرار للعمل على تجاوز مسببات الإخفاق في توجيه وإرشاد الأبناء وذلك لما للمنظمات الثقافية من تأثير سلبي في تربية وتنشئة الجيل الصاعد الذي ما زال مبهورا بما يقدمه الآخر وبما يقدمه من اتجاهات قيمية، ومعايير الاتجاه الاجتماعي المحدد لنشاط الفرد القيمي.
«للحديث بقية».
|