Friday 8th March,200210753العددالجمعة 24 ,ذو الحجة 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مع التربويينمع التربويين
القيادة التربوية
د/ عبدالحليم بن ابراهيم العبداللطيف

مازال الحديث موصولاً حول القائد التربوي الكفء حيث يأتي في مقدمة صفاته الكريمة المستقاة من أصول التربية الصحيحة.
أن يكون القائد التربوي طلق المحيا كريما «لا يرى إلا محسناً» تجده دوماً هاشاً باشاً أخلاقه حسنة وصفاته كريمة وسجاياه نبيلة ينزع دوماً الى البر والمعروف والإحسان يؤصل قواعد الأخلاق والسلوك، فهو مدرسة لمن حوله يتعلمون منه ويتخلقون بأخلاقه وآدابه« لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن سعوهم بأخلاقكم» ولذا أجاد من قال:


وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا

كما أصاب الآخر حيث قال:


لا تحسبن العلم ينفع وحده
مالم يتوج ربه بخلاق

وليس هناك أروع ولا أبلغ من قول الحق سبحانه واصفاً سيد ولد آدم أجمعين حيث قال «وانك لعلى خلق عظيم»«1» ويقول التربويون المسلمون« إن من أسباب نجاح التربية الإسلامية بجميع فروعها وأشكالها أن الإسلام لم يجعلها مجهوداً فردياً محدوداً يخفق أو ينجح كما نرى ونشاهد الآن ثم تذروه الرياح والأعاصير ويذهب بمجرد ذهاب أصحابه وأربابه وانما الإسلام يجعل ذلك منهجاً شاملاً وكاملاً وتكون سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم جزءً مهماً في هذا المنهج لتكون القدوة حية وبهية وشاخصةً في المشاعر والأفكار وسائر الحركات والتنظيمات«2» ويقول أصحاب الاختصاص في هذا وأجادوا:
تعتمد قيادة الموظفين على أربعة أسس متينة وهي:
1 حدد بدقة لكل إنسان عمله وتابعه تعليما وتنظيما وحفزاً وتذكيراً وتقديراً.
2 هيئ لكل شخص الفرصة التي تحقق له أن يعمل إلى أقصى حد تسمح به قدراته وطاقته ومعلوماته ومعارفه وذلل له العقبات إن وجدت، ولا تكثر العتاب ولا السباب في أمور قد لا تستحق كل هذا، وتجاوز كثيراً عن الهفوات والعثرات خاصة البشريه وغير المقصودة وقد قيل:


ليس الغبي بسعيد في قومه
بل سيد القوم المتغابي

وقيل أيضاً:


ومن ذا الذي ترضي سجاياه كلها
كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه

ولا تسمع من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا وهم أحياناً كثير خاصة ضعاف الأنفس والمروءة والأخلاق.
وأهل الإفك والبهت وكثير الكلام والمهذار وأصحاب الغيرة النسائية وهم كثير وقد قيل:


حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه
فالقوم أعداء له وخصوم

3 قدم ثناءك وشكرك ومعروفك حين يلزم ذلك مطبقاً القاعده الشرعيه« لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن تسعوهم بأخلاقكم».
محاولاً دوماً تقدير الرجال ما أمكن هيبة واحتراماً وإعزازاً وإسناداً


ومن هاب الرجال تهيبوه
ومن حقر الرجال فلن يهابا

لاتكن بعيداً عنهم وعن أعمالهم ومنجزاتهم شاكراً وذاكراً ومقدراً ومكافئاً قدر الطاقة وإلا أصبح العمل الجيد الذي لا يقدر كما قيل:


فكان كأعمى تزف إليه
ياخيبة الحسناء بذي العميان

وفعلاً البعض أعمى أو لا يرى إلا القبيح من الأفعال والأعمال والأقوال أو ما يقدمه له الوشاة والسعاة ومن لا خلق ولا عقل ولا مروءة له يشتغل بل ينشغل دوماً بعيوب الناس على حد قول القائل:


شر الورى من بعيوب الناس مشتغل
شبه الذباب يراعي موضع العلل

وهذا كله إذا كان بغير وجه حق أما المتابعة الجادة وإلزام الناس بالحق والصدق والأداء الجيد فهو من صفات الكرام الذين يتابعون بحزم وعزم ويعطون من أنفسهم قبل غيرهم الأسوة والقدوة وحسن الانتظام/ قل الحق ولو كان مراً.
4 أبلغ كل عضو في إدارتك بما تريد فعله بوجه عام وليكن لك وجهة مرسومه ونهج واضح، وحذار من التذبذب والتغير والتبدل وسرعة وكثرة القرارات من غير حاجة داعيه ولا مصلحة راجحة وهذه النقطة جديرة جداً بالاهتمام من قبل القادة وبخاصة التربويون لئلا تكون أفعالهم وقراراتهم مثار بحث وقيل وقال أو سخرية وتندر ولو من بعض الفضوليين كما يعلم ذلك جيداً في الآداب الشرعية.. إن دراسة القرارات وتعميقها وتوثيقها وعرضها كثيراً على أصحاب الاختصاص وأهل الميدان خاصة كفيل بعون الله على اجتناب الخطأ الكثير الذي يحدث في دنيا الناس. وهنا أحب أن أضيف نقطةً هامةً تذكر في كل موطن تربوي نريد توثيقه وتعميقه في نفوس الناس أجمعين خاصة رجال التربية والتعليم وهي أن هناك فرقا كبيرا وشاسعا بين التربية الإسلامية ذات الأصول والجذور والأسس الثابتة التي هي سهلة التطبيق والتعميق يقبلها الناس بسرعة ويقبلون عليها بنهم حيث أنها تربية ماجدة قاصدة مسيرة، وبين تربية وافدة ومرقعة خاملة هاملة عسيرة التصور والتطبيق في بيئة غير بيئتها وقوم غير قومها. وقد جاء في حديث الضب قول الرسول صلى الله عليه وسلم « «أما إنه لم يكن في أرض قومي فأجدني أعافه» خاصة إذا كان الإنسان ليس بحاجة الى هذا الطعام أو هذا المنهج أو ضد العمل المراد تطبيعه بحق أو الناس لا يحتاجونه.
فالتربية الإسلامية كل يأخذ منها ويضرب بعطنٍ وسهولةٍ ويسر فلا ييأسون ولا ينصرفون ولا ينظرون خطباً رنانةً وتعاميم كثيرة وحديثاً يملأ الفجاج وكما نشاهد أحيانا الناس لا يقبلون كثيراً على الوافد الجديد خاصةً ما يتسم بالبعد أو الخيال أو عسير التطبيق والواقع المعاش خير دليل على ذلك، فالتربية الوافدة بوجه عام إلا ما صلح منها ووافق الطباع وقدر على تحقيقه وهو لا يخالف ثوابت الأمة أصبحت في بعض ديار الإسلام حلماً لذيداً يطوف بالإفهام وتطبيقه عسير أو قليل أو في بطون الكتب وأرفف المكتبات وفي أدمغة أصحابه هذا ينقل عن ذاك ويبالغ في المثالية والنقل والتنظير والتربية في واد وكلامهم في وادٍ آخر، كالصيحة في الواد أو كالنفخ في الرماد.
أما التربية الإسلامية الجادة فيرونها كما رآها غيرهم واقعاً حياً وبهياً يتحرك في واقع الناس ويرونه سلوكاً عملياً لا أماني في الخيال.
إذ من السهل جداً الخطب الرنانة والكلام الكثير والنشرات والتعاميم والتنظير الوفير، والقول التربية هنا كذا والتربية هناك كذا كما نسمع ونشاهد كثيراً، كما أنه من السهل جداً أيضاً تخيل منهج ورسم طريق وحمل الناس أحياناً عليه ولكن يضل هذا الكلام إن كان خطباً يضل في الهواء وإن كان مكتوباً فهو حبر على ورق مالم يتحول هذا الكلام مقولاً أو مكتوباً الى حقيقه واقعةٍ سهلةٍ يطيقها الناس ويألفونها ويكون هناك بشر مجرب مدرب يعمل على تحقيقها وتوثيقها كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته وخيار هذه الأمة من بعده.. هذا البشر يترجم هذا الكلام الى حقيقة واقعة تتحدث عن نفسها وهذا البشر يترجم بعمله وفعله وسلوكه وتصرفاته ومشاعره مبادئ المنهج ومبانيه ومعانيه وعند ذلك يتحول الى حقيقة ثابتة وواقعةٍ ويتحول الى عمل وانتاج. ومن المؤكد أن من يقوم بواجب القيادة التربوية يفترض فيه أن يكون متفوقاً على جماعته ورفقته من حيث الذكاء والفطنة والقدرة العلمية والعملية، والاستقلال التام والمكانة الاجتماعية، ويستطيع بتوفيق الله إيجاد جو مريح يوفر الانسجام والاهتمام والمناخ المناسب للعاملين ويستطيع بتوفيق من الله له على زيادة فاعلية العاملين معه وتعاونهم وهذا مستمد من مقدرةٍ وهبها الله له، أعني الهيبة وفاعلية العاملين معه. ولذا قيل ليس بلازم أن يكون كل إداري قائد فالقيادة مهارة وموهبة ونحله والإدارة وظيفة تعطى لهذا وذاك، ولذا يقول التربويون ليست القيادة التربوية الصحيحة عمليةً جامدةً وانما هي عملية ديناميكيه حيه يمكن من خلالها القيام بمهام مختلفة وفقاً لمقتضيات الموقف والقائد التربوي الصحيح يحاول دوماً دفع العمل قدماً نحو الأمام ويطور أساليبه وطرقه حيث ان التحديث المفيد من سمات رجل الإدارة الكفء ورجل الإدارة الصحيح يفترض فيه أن يتمتع بين جماعته بنفوذ شخصي يرجع الى الموهبة والقدرة لا الى السلطة والقوة فقط إنما سلطته غير رسمية تجعل منه دوماً قوة تأثيرٍ تساعده باستمرار على القيادة الواعية المدركة.
(1) راجع في هذا مدير المدرسة صفاته وسماته للمؤلف نفسه، ص 34 وما بعدها
(2) راجع في هذا المعنى مدير المدرسة وسماته للمؤلف نفسه، ص 36 وكيف تكون مديراً ناجحاً.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير إدارة المعلومات
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved