* عندما صدرت المجموعة القصصية «الملاك الأبيض» للأديب والقاص المغربي المعروف محمد زفزاف «رحمه الله»، عن مختارات فصول المعروفة أوائل الثمانينيات، كنت أتعرف لأول مرة على هذا الكاتب الذي أسس نصه السردي بعد دراية عميقة بمفهوم الأدب الحقيقي والقصصي بالذات.
كانت الملاك الأبيض قد نالت شهرة واسعة على المستوى العربي، وفي ذلك الوقت كنت أُعد مجموعتي القصصية الثانية للطبع «عرض موجز لمقتل مغني الرصيف» بعد نشر نصوصها في الصحف المحلية وفي مجلة «إبداع» المصرية في ذلك الوقت.
* قرأت الملاك الأبيض بنهم عظيم عدة مرات، لأن النص الأول في المجموعة قدم لي عملاً متميزا وعظيماً بالفعل وليس مجرد نص قصصي.
جوهر الملاك الأبيض هو معاناة الإنسان بسبب إحباطه وإنكسار أحلامه، لكن برؤية صافية ولغة شفافة، لغة تخلت عن زينتها وذهبت إلى أقصى درجات الحياة الإنسانية وهمومها الاجتماعية وإحباطاتها المتوالية بمعالجة فنية عالية.
* أذكر في كتابي القصصي الثالث (إذعان صغير) الذي كتبت نصوصه نهاية الثمانينيات الميلادية، بعد التجربة الفنية المغايرة السابقة، أني حاولت تحويل المكان الذي احتوى هموم الإنسان بطلاً حقيقياً للنص القصصي الذي أكتبه، وهذا ما حصل في نصوص حصة رسم، وشروق البيت، وعمود التراب، والأناشيد والناس، وشموخ احتفالي، وغيرها من نصوص (إذعان صغير) التي صدرت عن مختارات فصول ونصوص (أظافر صغيرة) التي صدرت عن نادي جدة وعن مختارات فصول أيضاً، وحين وصلتني أول نسخ الكتابين كانت الإهداءات الأولى للأديبين الحقيقيين إبراهيم أصلان ومحمد زفزاف، في تلك الفترة كان للأدب صدى رائعاً قبل ضجيج الفضائيات، وسوف يعود هذا الصدى لوضعه الطبيعي بعد أن يهدأ هذا الضجيج.
الأول إبراهيم أصلان تعرفت عليه من خلال كتابيه القصصيين اللذين صدراً أيضاً عن مختارات فصول بالقاهرة، وهما «بحيرة المساء» و«يوسف والرداء»، هذا الفنان الذي يعشق الكلام النقي الذي يشكل كائناً حياً كي تفصح الكلمة عن قدراتها الكامنة في التعبير عن هموم الإنسان البسيط، أصبح صديقاً مميزاً بعد أن التقينا عدة مرات في الرياض وفي القاهرة.
الثاني طبعاً هو صاحب «الملاك الأبيض»، الذي رحل عن عالمنا دون أن أحقق رغبة في لقائه، لكن روحه وشخصيته وجزءاً من سيرته الذاتية موجودة في أعماله الأدبية المميزة والمهمة.
* رحل محمد زفزاف صاحب الملاك الأبيض الذي استفدت من طاقاته الخلاقة في الإبداع الأدبي، وبقي الزمن شاهداً على أن فناناً مهماً مرَّ من هنا، وها أنا أتوقف قليلاً أمام ذكرى محمد زفزاف بعد مرور (15) عاماً على تعارفنا الأدبي، وأسأل: هل ما زال الموت شبحاً مخيفاً، وهنا أتذكر رأي الأديب البرازيلي العجوز جورج أمادو في هذا الموضوع حيث قال: «الموت لا يعجبني كثيراً، لكني لا أخشاه، وأقل من ذلك بكثير تعجبني الشيخوخة إذ أنها تقدم خبرة، الكثير من الخبرة، وأنا فضولي بشكل مفرط ويعجبني معرفة ما الذي سيحدث في عالم السنوات المقبلة، لذلك ليس لديّ أي رغبة للموت لأن الحياة تعجبني كثيراً».
* رحل محمد زفزاف عن حياتنا لكن آثاره الأدبية ما زالت باقية في عالمنا العربي، وقد ذكره الأديب والناقد اللبناني فوزي محيدلي في الصفحة الثقافية من جريدة الحياة العام الماضي وهو يُقّدم دراسة نقدية عن مجموعتي القصصية الرابعة: «أظافر صغيرة وناعمة» التي صدرت عن النادي الأدبي بجدة وعن مختارات فصول بالقاهرة، قال فيها: «تنتسب هذه المجموعة في تقنية السرد المستعملة في النصف الأول من الكتاب إلى القرن العشرين، بل الحادي والعشرين، نحن ازاء العبارة السريعة، العبارة البرقية المتواترة والمتوالية الحضور كما سرعة الحياة الحديثة، ملامسة في ذلك جمال تدفق عبارة الأديب المغربي محمد زفزاف».
* شهادة نقدية أعتز بها، وأظن أن إعادة قراءة ودراسة كتب الأديب الكبير محمد زفزاف تعتبر تواصلاً مع أدب مغاير ومميز وعالي الفن على مستوى الشكل والأفكار والمضامين.
ص. ب: 7823 الرياض: 11472 FAHDATEQ@HOTMAIL.COM |