Wednesday 6th March,200210751العددالاربعاء 22 ,ذو الحجة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الأسباب الحقيقية لكره العرب والمسلمين لأمريكا الأسباب الحقيقية لكره العرب والمسلمين لأمريكا
م. صالح عبدالله الجمعة

لم يضمر العرب والمسلمون كرهاً لأي دولة في العالم ككرههم للولايات المتحدة الأمريكية وهذا لم يأت من فراغ أو من ضربة حظ سيئ لأمريكا مع هؤلاء. بل هو نتيجة تلقائية لسياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية عبر تسخيرها للأمم المتحدة بكافة هيئاتها ومنظماتها ضد قضايا العرب والمسلمين في نفس الوقت الذي تطوّع فيه تلك المنظمات لخدمة قضاياها وقضايا ربيبتها إسرائيل التي زرعها الغرب في قلب ديار العرب والمسلمين.
وبين هذين المكيالين توجد هوة عميقة تتعزز باستمرار مع تقدم الزمن وتوارد الأحداث وهذا يولد لدى الرأي العام العربي الإسلامي الشعور بالظلم والمهانة واليأس ويعزز الشعور لديه بأن الأمم المتحدة ماهي إلا أداة لإضفاء الشرعية الدولية على أطماع أمريكا وتوجهاتها.
وعلى كل حال فإننا نحن العرب والمسلمين لا نطمح إلى العدالة لأننا نعرف أنها مستحيلة كما لا نطلب المثالية لأننا نفهم أن هذا ليس مجالها ولكننا نريد ردم الهوة الفاصلة بين هذين المكيالين وتقليص الفارق المخيف بينهما إلى أكبر قدر ممكن وذلك بمعالجة الأسباب التي صنعت هذه الهوة وإيقاف الحملة الحالية المسعورة ضد العرب والمسلمين. وعند ذلك فإن الشعور بالظلم واليأس لدى الرأي العام العربي الإسلامي يبدأ بالأفول ويعزز بالتالي ثقته بالأمم المتحدة وقراراتها، وعندما يتحقق ذلك فإنني إجزم أن البيئات والأوساط التي يمكن أن يتنامى فيها الكره لأمريكا تبدأ بالتلاشي والغياب.
وكما أسلفت فإن الأسباب الحقيقية لتنامي هذا الكره للولايات المتحدة الأمريكية هو الكيل بمكيالين الذي تتبناه هذه الدولة تجاه قضايا العرب والمسلمين وصوره كثيرة ولكنني أورد منها مايلي:
1 حقوق الإنسان
في نظر أمريكا أن حقوق الإنسان وما يدعمها من قرارات في المنظمات الدولية المعنية هي لصالح الإنسان الغربي وبالذات الأمريكي والإسرائيلي و قد ذهبوا أبعد من ذلك إلى انتهاك حقوق الإنسان العربي أو المسلم الذي لا تروق له أجندتهم السياسية بتحريض حكامه عليه لقمعه ورميه بالسجون والمعتقلات تحت ذريعة محاربة ما يسمى الإرهاب كما يحدث حالياً في معظم الدول العربية الإسلامية والسلطة الفلسطينية. ولربما حرضوا على إبادته بطائرات إف «16» والأباتشي كما يحصل على أرض فلسطين وكذا ما حدث على أرض أفغانستان حيث أمرت أمريكا علناً بإبادة أكثر من«450» مستسلم من طالبان في قلعة جانجي في مزار الشريف ناهيك عن مسلسل الإبادة الجماعية للمدنيين الأفغان التي تكررت باستمرار عن طريق ما يسمونه «خطأً». وصورة أخرى من هذا التمييز لحقوق الإنسان شاهد العالم صورا لمعتقلي طالبان والقاعدة محتجزين في أقفاص كالحيوانات في جزيرة جوانتنا موبكوبا مكبلي اليدين والرجلين ومعصوبي العينين ورؤوسهم إلى أسفل بينما مواطنهم الطالباني يحاكم في أمريكا محاكمة عادلة. وقد أثارت هذه الصور وهذا التمييز في الحقوق ضجة كبيرة داخل أمريكا نفسها وفي أوربا وكذا منظمة العفو الدولية وجميع الهيئات والمنظمات المهتمة بحقوق الإنسان في العالم. وعلى أرض أفغانستان نفسها يتمثل مشهد آخر لهذا التمييز عبر مصير الصبي الأفغاني الذي قتل (جندياً) أمريكياً !! ولأسباب معروفة للجميع تتدخل أمريكا في شؤون الدول العربية والإسلامية لأمور بسيطة تحت ذريعة حقوق الإنسان مثل إثارة النعرات الطائفية أو حقوق المرأة أو القدح في جوانب من الشريعة الإسلامية وغير ذلك.
2 الإرهاب
تفرض الولايات المتحدة الأمريكية تعريفها (للإرهاب) على العالم ومن ضمنها الدول والشعوب العربية والإسلامية وتطلب منهم الامتثال لذلك «من لم يكن معنا فهو ضدنا!!» وهذا التصرف في حد ذاته يعتبر مصادرة مسبقة لحرية الاختيار وتنكراً لأولويات وخصوصيات الدول العربية والإسلامية وشعوبها!! وأتبعت أمريكا ذلك بتصنيف منظمات عربية إسلامية وقوى تحرر من الاحتلال الإسرائيلي على قائمة المنظمات المتهمة بالإرهاب!! رافضة مجرد الحديث عن إدراج منظمات يهودية بتهمة الإرهاب ضد العرب والمسلمين على رأس تلك القائمة أو إدراج اسم إسرائيل ضمن قائمة الدول التي ترعى الإرهاب أو تقديم شارون وموفاز وبن أليعازر إلى العدالة بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإرهاب ضد العرب والمسلمين!!.
3 قرارات الأمم المتحدة
استصدار قرارات ضد العرب والمسلمين تتم صياغتها والموافقة عليها بصورة سريعة بينما تستخدم أمريكا حق النقض ضد أي قرار عن (مجلس الأمن) لمجرد (الإدانة) لإسرائيل!! في تحدٍ سافر لمشاعر الشعوب العربية والإسلامية وبمثابة مكافأة لإسرائيل على إرهابها ضد الفلسطينيين علاوة على ذلك فإنه يتم إلزام الدول العربية والإسلامية بتطبيق القرارات الدولية تلك بينما تتجاهل أمريكا ذلك تماماً عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.
4 انتهاك مبدأ السيادة
تتعامل أمريكا مع الدول العربية والإسلامية عبر سياسة الإملاءات ثم القصف ضاربة عرض الحائط مبدأ السيادة لهذه الدول، ومصادرة حقها في الدفاع عن نفسها أو عن مواطنيها وفق الإجراءات والقوانين الدولية ومن ذلك حينما تم اتهام اثنين من رجال المخابرات الليبية بتدبير تحطم طائرة أمريكية فوق مدينة لو كربي بإسكوتلندا عام 1988م، وما أعقب ذلك من استصدار قرارات أممية للحظر على ليبيا وقيام الطائرات الأمريكية في حينه بقصف إحدى المدن الليبية بسبب رفض الحكومة الليبية تسليم المتهمين قبل تقديم الأدلة على تورطها ومحاكمتهما والتي رأينا نتائجها فيما بعد ببراءة المتهمين مما نسب إليهما.
وحينما قامت الطائرات الأمريكية قبل عامين بانتهاك سيادة السودان وذلك بقصف مصنع فيها للاشتباه فيه أنه ينتج أسلحة كيمائية وتبين فيما بعد أنه مصنع للأدوية.
وكذا ما تخطط له حالياً الدوائر الصهيونية في الإدارة الأمريكية من أجل توجيه ضربات عسكرية لدول عربية وإسلامية مثل العراق وإيران وربما الصومال ولبنان واليمن والذي يعتبر انتهاكا صارخا لاستقلال هذه الدول وسيادتها.
وأخيراً وليس آخراً فما الإجراءات والقوانين الأمريكية الجديدة لمحاربة ما يسمى الإرهاب إلا تعزيزاً لمبدأ انتهاك أمريكا لسيادة الدول العربية والإسلامية وهذا بالتأكيد سيزيد من كره هذه الدول وشعوبها لها.
5 في المحافل الدولية
تستخدم أمريكا الضغوط الاقتصادية والسياسية والمعنوية من أجل حمل أي دولة تعتزم إدانة إسرائيل في أي من المحافل الدولية إلى التخلي عن ذلك وكان آخر محفل دولي حصل فيه ذلك هو مؤتمر (ديربان) في جنوب أفريقيا في تحد سافر لمشاعر العرب والمسلمين الذين يتوقون ولو لمجرد (الإدانة) لإسرائيل.
6 حظر التسلح
تحظر أمريكا تصدير أي سلاح أمريكي لأي من الدول العربية أو الإسلامية إلا على نطاق ضيق وبشروط كما تستخدم جميع مالديها من وسائل ضد أي دولة في العالم لها تعاون تسليحي مع أي من هذه الدول من أجل حملها على التخلي عن ذلك في نفس الوقت الذي يتم تزويد إسرائيل بأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا الأمريكية في مجال التسلح كما تقوم أمريكا بمنع وصول أي مواد تدخل في تصنيع مواد نووية وأسلحة الدمار الشامل لأي دولة عربية أو إسلامية بينما تغض الطرف عن برامج إسرائيل النووية وأسلحة الدمار الشامل.
7 حق تقرير المصير
في نظر الولايات المتحدة الأمريكية أن حق تقرير المصير هو لغير العرب والمسلمين ويتجلى ذلك في تسخيرها للأمم المتحدة لتسريع انفصال تيمور الشرقية عن إندونيسيا وما جرى من محاولات فصل جنوب السودان، يحدث هذا في نفس الوقت الذي ترفض فيه أمريكا منح حق تقرير المصير للشعوب العربية والإسلامية التي ترزح تحت الاحتلال مثل شعوب فلسطين والشيشان وكشمير وكوسوفو.
وأخيراً وليس آخراً فإنني أهيب بالساسة العرب والمثقفين ورجال الإعلام ورؤساء المنظمات العربية والإسلامية في الغرب والمهتمين بحوار الحضارات وغيرهم كل في مجال عمله أن يكونوا صادقين مع نظرائهم الأمريكيين. وإيضاح أن الأسباب الحقيقية لوجود هذا الكره لأمريكا هو من صنعهم ومن نتائج ممارساتهم الخاطئة ضد العرب والمسلمين سواءً قبل الحادي عشر من سبتمبر أو بعده ولكن ما يشاهده الجميع أن السياسة الأمريكية الحالية هي الهروب من إصلاح تلك الممارسات واستخلاص الدروس والعبر مما حدث في واشنطن ونيويورك الى تكرار الأخطاء تلو الأخطاء بل وانتهاج سياسة العصا الغليظة ضد العرب والمسلمين حكاماً وشعوباً وأقليات وأفراداً. ولكن مع ذلك كله فإن الحقيقة الثابتة التي ربما أدركها المسؤولون الأمريكيون أو لم يدركوها بعد هي أن استمرار الحملة الحالية المسعورة ضد العرب والمسلمين وعدم معالجة القضايا التي تؤرق مضاجعهم بصورة جذرية وعادلة فإن هذا الكره والعداء لأمريكا سيطول ويتوسع ويتعزز طالما أن البيئة الصالحة لتناميه مازالت قائمة.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved