Tuesday 5th March,200210750العددالثلاثاء 21 ,ذو الحجة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لما هو آتلما هو آت
وقت... يذهب فيه الإنسان!
د. خيرية إبراهيم السقاف

لا أحسب أنَّ زمناً أتى أفضل من هذا الزمن كي ينشط علماء الاجتماع الباحثون في تأثير المتغيّرات في سلوك الإنسان، من أولئك المهتمين بمتابعة ما يطرأ، ويجد، ويظهر، وينتشر... فهذا الوقت شديد «اليقظة»، عالي «الهمة» مرتفع «السخونة» فهو كالمرجل الذي لايهدأ أتونه، ولا يتوقَّف عن الإفراز... للدراسة، والبحث، والعناية بالإنسان...
ولعل من الأمور الطارئة الظاهرة في سلوك الأفراد مما يلمسها أي شخص من العامَّة والخاصَّة، من الباحثين وغيرهم ما انتشر بين النَّاس من «مهارة» صنع «النكتة»، وابتكار الدعابة المكتوبة، المرسومة، المنطوقة...، ولا أدلُّ على هذه المهارة من الرسائل التي يحملها «الجوال»، والتي درَّت على شركة الاتصالات بمردود مادي لا يقدَّر بثمن، لعلَّها أن تستفيد منه في تطوير خدماتها، وترقية أساليبها،... فما يلاحظ في مضامين هذه الرسائل سرعة البديهة، ومواكبة المواقف، والمتابعة لمجريات الحياة اليومية للأفراد ليس على المستوى المحلي، بل المستوى العالمي... مما يؤكّد ذكاء الفرد في هذه البلاد من جهة، وقدراته الكامنة التي ظهرت ولكن ليس كما ينبغي لها أن تكون... مما يحدو بالأمل لأن يتجه الناس إلى الاستفادة من هذه المزايا في أمور أكثر عملية، وأفضل مردوداً، وأرقى إنتاجاً... ذلك لأنَّ رسائل الجوَّال ليست تدور في محاور الدعابة والطرافة الطارئة، وإنما تؤكِّد على ما طرأ من متغيِّرات قيمية في أخلاق وسلوك الأفراد، حيث إنَّها مع تفاوت أنماطها تهبط في كثير إلى مستوى السَّطح، وسوء الأدب، وعدم الحفاظ على ما تعوّدنا عليه من أخلاق التعامل والتخاطب، مما يؤكِّد المردود التغيُّري السَّالب الذي جاء مع كافَّة ما وجد في مجتمع لم يكن على ألفة مع التعامل مع «شاشات» الفضائيات وما تنقله من مختلف المؤثِّرات في إحداث مثل هذا السُّلوك إلى جانب الآثار الأخرى العديدة ممَّا استجد عن طريق جهاز الاتصال الإلكتروني بين البشر في أنحاء العالم...
إنَّ الباحثين لا بد أن ينشطوا ويتصدُّوا لمثل هذه الطوارئ، فهي مؤشرات إلى إمكانية توجيه طاقات النَّاس واهتمامهم إلى ما هو أكثر لياقة في اللَّفظ، والمعنى بما يتناسب والقيم الخلقية المنبثقة من آداب الدين الذي هدى الله تعالى فيه قدوته رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحسن الأخلاق، ووسمه بها {$ّإنَّكّ لّعّلّى" خٍلٍقُ عّظٌيمُ}، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان حيِّياً لا يفحش، ولا يبذأ، ولا يجترئ في قوله، ولا يخدش حياءً، أو يسفر عن تطاول، والنَّاس استخدمت هذا الجهاز استخداماً خاطئاً لعلَّه يحتاج إلى دراسات ودراسات من شأن نتائجها أن تسفر عن حلول... إذ الأمر أبعد عن دور الضحك وأثر الدعابات العابر...
كما يدعو هذا التغيُّر في سلوك الأفراد إلى التذكير بضرورة التأكيد على أنَّ كلَّ كلمة ينطقها المرء، أو يكتبها، أو ينشرها نقلاً أو تداولاً تخرج عن آداب الإسلام تثقل من ميزان أخطائه...، ولا تكسبه سوى مزيد من الأوزار. فاللهمَّ أهد خَلْقك لأحسن الأخلاق ونحن معهم إنَّه لا يهدي لأحسن الأخلاق إلاَّ أنت...
وتجاوز اللَّهمَّ عن زلات ألسنتهم، وما تحمله واردات «هواتفهم».
واحفظ علينا ولنا ما يرضيك عنَّا، ذلك لأنّ التوجُّه الأول نحو تعديل ما طرأ على سلوك النَّاس، وما تهاونوا فيه مما لم يكن ضمن منظومة عاداتهم السُّلوكية، ولا عاداتهم الفكرية، ولا نهج تفكيرهم أو أسلوب حديثهم هو تقوية الوازع الديني في نفوسهم، وإقامة الحواجز الإيمانية بينهم وبين أي زلل أو تجاوز أو تهاون بما من شأنه أن يؤكِّد قوام الأخلاق... ذلك لأن جدَّهم الشَّاعر العربي قد قال: «وإنَّما الأمم الأخلاق ما بقيت».
وأكَّد على أنَّها بينهم إن ذهبَت فإنَّ ذهابها هو مؤشِّر لذهابهم، وذلك لأنَّ مناط نجاح الإنسان هو خلقه، فمن لا أخلاق له، لا حياة كريمة له...، «فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا».
فهل يرضى الإنسان في هذا الزمن الذي يحتاج المسلم فيه كي يقوى بخلقه أن يكون حيّاً ميتاً؟
لا همَّ له إلا متابعة ما يرده من رسائل جوالية في بيته، وشارعه، ومكتبه، عند نومه ويقظته؟...
إذن فما الذي يبقى له يفكِّر فيه أو يعمل له؟
أيكفيه فقط أن يفرج عن شفتيه بلا وعي عند تلقي أية عبارات مهما تدنَّت مضامينها، أو فرغت عباراتها؟...
فللّه في خلقه شؤون...
وللإنسان شأن نفسه.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved