كثيراً ما ردَّد رجال الاقتصاد أن جزءاً مهماً من المعضلة الاقتصادية يعود إلى الأخطاء الفادحة التي يقع فيها رجال السياسة وتكون تبعاتها على الاقتصاد. ولم يكن من الممكن عملياً فصل الاقتصاد عن السياسة. ولذلك ظل رجال الاقتصاد يطالبون برؤية سياسية ثاقبة وحكيمة تضع للاقتصاد اعتباره وازدهاره. ولا يمكن أن ينمو أي اقتصاد أو يزدهر في مناخ سياسي متوتر ينعكس بالضرورة على أرض الواقع في شكل صراعات وحروب، ويمكن القول أن من اسباب تراجع الاقتصادات العربية هو النزف الدائم للصراع العربي الاسرائيلي وسيطرته على هموم الامة العربية. وكان من الطبيعي أن يتجه إي تفكير سياسي عقلاني وحكيم إلى البحث في وسيلة لفض هذا النزاع بنهج يكفل تفتيت جذوره حتى يمكن بناء حالة مريحة من العمل السياسي والاقتصادي على حد سواء. لقد شغل هذا النزاع الطويل الامة العربية عن التصدي لمشاكلها الاقتصادية واصبح يشكل اولوية في اي اجتماع عربي بصرف النظر عن نتائج أو تداعيات تلك الاجتماعات. وكان من المهم والمنتظر والمأمول أن يخرج صوت عربي شجاع ليقدم مبادرة حقيقية تستوعب التطورات العالمية الجديدة وتقدم حلا عملياً مقبولاً. ومن هذا المنطلق جاءت مبادرة الأمير عبدالله برؤاية عملية بعد ان مل العرب والعالم من الطروحات النظرية التي لا تقدم ولا تؤخر. هذه المبادرة الشجاعة هي بصيص الامل الذي يتطلع اليه رجال الاقتصاد ليكون طوق النجاة الذي تهديه السياسة إلى الاقتصاد في عالم يموج بالصراعات والحروب الدامية. الحكمة في هذه المبادرة هي ما يمكن أن تخلقه من مناخ ايجابي يمكن أن يدفع بالاتصالات العربية إلى الامام ويخرجها بالضرورة من نفق الاخفاق والانكماش. التركيز على الشأن الاقتصادي سيمكن الامة العربية من استثمار مواردها الاقتصادية المتاحة وتوجيهها لمصلحة الانسان العربي الذي ظل لسنوات طويلة اسيراً كليلاً بين سندان الصلف الاسرائيلي ومطرقة الرؤية العربية الضيقة لسبل فض النزاع العربي الاسرائيلي.
مبادرة الأمير عبدالله تستحق الاهتمام على كافة الاصعدة السياسية والاجتماعية لأنها تمثل بداية صحيحة لرؤية حكيمة تستوعب ظروف الحاضر وتستشرف تطلعات المستقبل في زمن لا يرحم من لا يرحم نفسه ويطلق عقالها ويتيح لها فرصة الانطلاق والخروج من شرنقة أمل لا يقوم على رؤية واقعية.
رئيس دار الدراسات الاقتصادية - الرياض |