* القاهرة مكتب الجزيرة عبدالله الحصري:
بسبب ارتفاع أسعار الدولار المستمر وانسحاب ذلك على اسعار مستلزمات انتاج الدواء رفعت وزارة الصحة المصرية أسعار عشرات الادوية من بين اكثر من «3» الاف دواء متداول في السوق المحلية كانت شركات الادوية المحلية قد توقفت عن انتاجها لرخص سعرها الشديد.
وصرح الدكتور مصطفى الحضري رئيس مركز التخطيط والسياسات الدوائية بوزارة الصحة بأن تعديل اسعار هذه الادوية لن يؤثر على معامل سعر الدواء في مصر الذي لا يتعدى 5.0% من تكلفة العلاج في مصر حيث اقتصر ما تم تعديله على ادوية رخيصة الثمن اسعارها ما بين 75 قرشا الى 4 جنيهات للعبوة الواحدة ومن جانبها حذرت وزارة الصحة من اي تلاعب في التسعيرة الجديدة التي نفذت اعتبارا من الاسبوع الاول من فبراير الجاري كما حظرت اجراء اي كشط على عبوات الادوية ووضع تسعيرة يدوية فيما يعد مخالفة لقانون الصيدلة.
ومع اقتراب تطبيق اتفاقية التريبس المنبثقة عن الجات والتي وقعت عليها مصر ضمن 143 دولة يزداد قلق شركات الادوية الوطنية من هذا الغول القادم الذي يهدد منتجاتها خاصة وان الشركات المصرية والعربية لم تستعد حتى الآن لهذه الاتفاقية والتي يبدأ تطبيقها فعليا عام 2005 حيث سترتفع اسعار الادوية بنسب عالية مما يجعل المستهلك عاجزا عن الوفاء باحتياجاته من الادوية.
وقد عدلت لجنة الصحة بمجلس الشعب المادة 20 من مشروع قانون حماية الملكية الفكرية والخاصة بصناعة الدواء لتنص على تأسيس صندوق لدعم اسعار الدواء غير المعد للتصدير لتحقيق التنمية الصحية وضمان عدم تأثير اسعار الادوية مستقبلا على القدرة الشرائية للمستهلك ورفع المعاناة عن كاهل مصانع الادوية خاصة بعد زيادة سعر الدولار كما انه يعزز القرار الخاص بالعلاج على نفقة الدولة والذي يدخل الدواء جزءا منه.
واوضح الدكتور مصطفى الحضري ان سوق الدواء في مصر تتمتع باستقرار كامل منذ اكثر من 5 سنوات من حيث توافر الاصناف بالكميات المناسبة وثبات الاسعار حيث يشير الواقع العملي الى غير ذلك حيث تظهر في الاسواق المصرية من وقت لآخر اسماء ادوية جديدة لادوية قديمة ولكن باسعار اعلى بعد تعديل الاسم التجاري والعبوة الخارجية.
واشار الحضري الى ان هذا التحريك المحدود للاسعار يهدف الى استمرار توافر هذه الادوية في الاسواق حيث لجأت الشركات في الآونة الاخيرة الى تسجيل ادوية اخرى مشابهة لهذه الادوية وأغلى منها اربعة اضعاف ولذلك قرر مجلس الوزراء مؤخرا توفير هذه الادوية التي تتميز برخص سعرها حتى بعد تعديل اسعارها بالاضافة الى كفاءتها العلاجية حيث ان اسعارها القديمة اصبحت لا تتناسب مع اسعار الخامات الدوائية وتكلفة انتاجها.
واشار الى ان هذا القرار لم يستهدف ربحية شركات التوزيع او الصيدليات ولكن يستهدف اصلاح الهياكل الاقتصادية للشركات المنتجة حتى تستمر في انتاج الاصناف الرخيصة بل وبعض الادوية التي لا تغطى تكلفة انتاجها.
واشار الى ان وزارة الصحة تتحمل تكلفة علاج المواطنين حتى بعد تعديل الاسعار من خلال برامج علاج المواطنين على نفقة الدولة وفي الاقسام المجانية لوزارة الصحة وقال: إن التعديل المحدود في اسعار بعض الادوية جاء عندما بدأت شركات الادوية تسجيل اصناف تشابه الادوية الرخيصة وتطلب تسعيرها طبقا للاقتصاديات السارية حاليا مما كان سيؤدي الى طرح هذه الادوية باسعار تزيد «4» اضعاف عن اسعار هذه الادوية حتى بعد تعديلها.
قيود حماية على واردات بعض الأدوية
ويوضح الدكتور جلال غراب رئيس الشركة القابضة للادوية ان هناك دولا تضع قيود حماية على وارادتها الى جانب المواصفات والسعر رغم خضوعها للاتفاقية الدولية لتحرير التجارة بينما تطالب دول اخرى بالتصنيع داخلها وذلك للتغلب على مشكلة المنشأ في الدول المراد التصدير اليها من خلال عمليات التصنيع او التجميع او التحالف مما يستوجب تنشيط آلية المجالس السلعية التابعة لوزارة التجارة الخارجية المصرية والتي تختص بميزان التجارة على ان تهتم المجالس السلعية بالسلع المحددة التي تختص بها وذلك عبر البحث في الواردات والصادرات لتحقيق توازن موجب للمجموعة السلعية المنتجة بمعنى ان تصبح واردات الادوية ومستلزمات الانتاج اقل من الصادرات حتى نستطيع توفير العملة الحرة اللازمة للانتاج.
واشار الى ان من اخطر المجالات التي تثير المخاوف تجاه الاتفاقية الدولية وقوانين حماية حقوق الملكية الفكرية، مجال صناعة الدواء الذي يتوقع ارتفاع اسعاره بعد تطبيق احكام «التربس» عام 2005، وهو موعد انتهاء فترة السماح التي منحتها منظمة التجارة العالمية للدول النامية، حيث يحذر الخبراء من ان اسعار الادوية سوف تقفز الى ارقام خيالية.
ويؤكد د. «جلال غراب» ان تطبيق الاتفاقية الدولية سيتيح امام الشركات متعددة الجنسيات فرصاً اكبر لغزو الاسواق بانتاجها من الادوية القديمة التي كانت تنتجها شركات محلية بتراخيص منها في الماضي، ولن تمنحنا هذه الشركات العالمية تراخيص لانتاج الادوية الجديدة، مما سنضطر معه الى استيراد المواد الخام من هذه الشركات باعلى الاسعار، وهو ما يترتب عليه ارتفاع سعر الدواء، وان القول بان امامنا 96% من الدواء نستطيع انتاجه بمفردنا غير صحيح.
14 مليار دولار خلال سنة واحدة
ويضيف الدكتور غراب ان هناك خسارة مؤكدة في صناعة الدواء المصرية والعربية مع تطبيق «التربس»: حيث تكبدت الدول التي نفذت الجات خسائر بلغت 14 مليار دولار خلال سنة واحدة بسبب فروق الاسعار، ويقترح انشاء هيئة لتنظيم صناعة الدواء في الوطن العربي.
ودعا الى انشاء صندوق لموازنة اسعار الدواء الذي نص عليه مشروع قانون حماية حقوق الملكية الفكرية لموجهة كارثة ارتفاع اسعار الدواء، التي جعلت دولة مثل جنوب افريقيا تهدد بعدم تنفيذ اتفاقية «التربس» بعد ان اكتشفت ان الاسعار ستتضاعف ثلاث مرات على الاقل فور تطبيق قانون حماية حقوق الملكية الفكرية.
التركيز على التجمعات الاقليمية
وحول الاستعداد اللازم لاتفاقية التريبس اكد على ضرورة التركيز على التجمعات الاقليمية التي تسمح بها اتفاقية التجارة العالمية وذلك بوضع شروط بين بعض الدول العربية اقل من شروط منظمة التجارة العالمية التي تخفض الجمارك ولكنها لا تلغيها وهذا لا يمنع بعض الدول من توقيع اتفاقيات فيما بينها لإلغاء هذه الشروط كاملة وتسعى الى اقامة صناعات تكاملية مثال ذلك الاتحاد الاوروبي وتجمع امريكا الشمالية والآسيان والكوميسا الذي لم يتم تفعيله حتى الآن والاخطر من ذلك السوق العربية المشتركة التي سمعنا عنها على مدى سنوات طويلة ولكنها لم تر النور بعد.
واضاف ان الافضل للدول العربية هو ان تستثمر اموالها داخلها وان تتكامل صناعاتها بتجزئة التصنيع فيما بينها حتى تتغلب على شروط منظمة التجارة العالمية وتتصدى للشركات العملاقة التي توزع انتاجها في العديد من البلاد عن طريق التوسع الرأسي طبقا لشروط كل بلد وطبقا للميزة النسبية لها ثم يتم تجميع السلعة في بلد آخر وبذلك تخرج في احسن ما يكون كما ان التصدير بحاجة الى مستثمر جاد ويعيد النظر لا يضع عينه على السوق المحلي فقط ويغض الطرف عن السوق.
الإعداد الجيد لاتفاقية التريبس
ويؤكد الدكتور ثروت باسيلي وكيل لجنة الصحة بمجلس الشورى ضرورة الاعداد الجيد لاتفاقية التريبس والبدء في اصلاح الهياكل التمويلية لشركات الادوية الوطنية وعدم تحميلها اية اعباء اضافية تزيد من ديونها او خسائرها الناتجة عن انتاج اصناف تؤدي الى خسائر وضرورة قيام الحكومات العربية باعداد فريق من القانونيين المتعمقين المتخصصين في تطبيق اتفاقية التريبس وعدم حرمان اي مصري او عربي من دواء حديث يعالج الحالات المستعصية او المزمنة او الحرجة وتوفيره في اي مكان في العالم.
واضاف ان على شركات الادوية ان تسعى الى تصنيع ادوية التكنولوجيا الحيوية حيث من المنتظر ان تختفي جميع الكيماويات التي بين ايدينا قبل عام 2005 لتحل محلها ادوية البيوتكنولوجي وهو ما يتطلب الا نتخلف عن هذا السبق.
واشار الى ضرورة الانضمام الى الحركة العالمية السائدة لتطويع اتفاقية الملكية الفكرية لمصلحة الشعوب مع اعطاء الحقوق المعقولة للمكتشفين واستمرار الصناعة الدوائية المصرية والعربية في اداء دورها وان تقوم الحكومة بتقديم ما يلزم من مساعدات في اطار معونة حقيقية وسوف يكون العائد من هذه المساعدات مئات الاضعاف في صورة ادوية ارخص كثيرا جدا من مثيلاتها المستوردة، مشيرا الى اختفاء كلمة «الانسانية» من نصوص الاتفاقية حيث لم يرد ذكرها على الاطلاق.
واوضح انه في اطار التزام وزارة الصحة بتوفير الادوية الاساسية للجماهير خاصة محدودي الدخل فقد كان عليها التزام بمواجهة شركات الادوية التي توقفت بالفعل عن انتاج الادوية الرخيصة الثمن والتي لم تتحرك اسعارها منذ عهد كبير من السنوات تتراوح ما بين 6 الى 15 عاما ونظرا لان هذه الفترة تضمنت زيادة اسعار الخامات في الخارج بالاضافة الى زيادة اسعار تحويل العملة كما تضمنت اعباء اساسية سعر اي صنف من الادوية وانما تحملتها الشركات بالكامل.
زيادة محدودة في بعض الأدوية
وقال: ان وزارة الصحة بعد دراسة دوائية لكافة الظروف سمحت بزيادة محدودة للغاية في بعض هذه الاصناف حتى لا يتوقف انتاجها ويصبح البديل الوحيد المتاح للاطباء والصيادلة والجمهور اصناف ادوية اخرى يبلغ ثمنها اضعاف الاصناف القديمة المعروفة مشيرا الى انها تبدو بالفعل مرتفعة ولكن عند حساب تكلفة المستحضر بعد الزيادة يتبين انها لا تغطي تكلفتها الحالية ودلل على ذلك بان احد انواع القطرات التي تم زيادة سعرها من 150 الى 225 قرشا بينما ثمن البديل لها 25 جنيها.
حماية براءات انتاج الادوية لمدة عشرين عاما
وينص اتفاق الملكية الفكرية على حماية براءات انتاج الادوية لمدة عشرين عاما، لكنه ينص على السماح بانتاج هذه الادوية اذا ما حدثت اوضاع صحية طارئة في هذا البلاد.
ومن اهم المشكلات التي تكتنف سوق الدواء في مصر والدول العربية تعارص مصالح الاطباء مع مصالح الشركات المنتجة، فبينما يحاول الاطباء تأمين العلاج بتكلفة مناسبة فان الشركات تحاول تعظيم الربح بانتاج ادوية حديثة ليست بالضرورة اكثر فعالية ولكنها اعلى سعراً.
ويرى الدكتور نبيل صوان استاذ المسالك البولية ان التخطيط لسياسة دوائية جيدة شيء والتنفيذ شيء آخر وبالاخص في الدول العربية حيث تتعارض مصالح الاطباء دوماً مع مصالح الشركات المنتجة، ففي حين يحاول الطرف الاول تأمين العلاج بتكلفة مناسبة ايماناً باخلاقيات المهنة فان الطرف الثاني يحاول تعظيم الربح بانتاج ادوية حديثة ليست بالضرورة اكثر فعالية ولكنها ربما اعلى سعراً. مشيراً الى أن وجود حافز الربح يشجع الشركات على المزيد من بذل الجهد لانتاج مثل هذه الادوية الجديدة. فيما تهتم صناعةالدواء بالترويج لاسعمال الاسماء التجارية والتي تعبر عن التركيب، بينما يفضل المختصون ومنظمة الصحة العالمية الاسم العلمي، وذلك للسهولة والامان ورخص الثمن. وتدافع صناعة الدواء عن وجهة نظرها ان الاسم التجاري يحمل شارة الشركة، وتستطيع ان تتحمل المسؤولية، اضافة الى ان هناك بعض الاضافات الحيوية والهامة.
قصور أخلاقي
ومن المؤسف والكلام للدكتور نبيل ان هناك مجالات كثيرة هامة لا تأخذ مكانها في ابحاث الشركات نظراً لارتباطها ببعض الامراض التي يعاني منها الوطن العربي نظراً لضعف قدراته الشرائية، ونقص امكانياته في المجال الصحي. ومما يدعو للاسف ان مثل هذا التسويق للدواء قد يشوبه بعض القصور الاخلاقي فمن المعروف ان بعض الاطباء في مجتمعاتنا النامية يكونون تحت تأثير شركات الادوية حين ترسل مندوبيها محملين بالهدايا لهؤلاء الاطباء بهدف التأثير عليهم للتوصية بمنتجات هذه الشركات للمرضى، بغض النظر عما اذا كانت هذه الادوية هي التي يجب ان توصف للمرضى ام لا، بل يقوم بعضها بتنظيم بعض الجولات السياحية الى دول العالم الخارجي بدعوى حضور المؤتمرات العلمية، ومما لا شك فيه ان هذا القصور الاخلاقي يعود بالاضرار في المقام الاول على المريض، والذي لا يقتصر دور الطبيب في علاجه على اعطائه اي دواء فحسب بل اعطائه الدواء المناسب والذي يحقق اعلى فائدة علاجية ممكنة باقل اعراض جانبية وكذلك بأقل تكلفة ممكنة.
|