Tuesday 5th March,200210750العددالثلاثاء 21 ,ذو الحجة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

قصة قصيرةقصة قصيرة
أم الشوك
صالح الصقعبي

لم تكن معروفة من قبل بين سكان الحي.. فمعظم السكان يمتون لبعضهم بصلة قرابة ما عدا«أم الشوك».. فهي سيدة مقطوعة من شجرة كما تروي في حكاياتها للقليل من الأصدقاء، وجميعهم من خارج الحي..
تقول جدتي.. أصبحنا ذات يوم وإذا بهذه المرأة الشمطاء تسكن في بيت من أكبر بيوت الحي وتطلق الشتائم على كل من يمر بجانب الباب فلقبناها بأم الشوك، لجهلنا اسمها الحقيقي ولبذاءاتها المتكررة.. سألت الجدة.. عن حصول هذه السيدة على البيت وهل هي قريبة لأصحابه السابقين.. نفت الجدة بشدة قرابة أم الشوك لأصحابه السابقين.. وأخذت تروي العديد من القصص حول وصول هذه السيدة القبيحة إلى هذا البيت الكريم.. الشيخ عبدالله يقول إنها أوقعت جد البيت في شراكها، حيث كان والعياذ بالله من محبي لعب القمار وكانت أم الشوك في صباها تدير بيتاً للقمار في حي آخر وعندما كثرت ديونه تنازل عن البيت لها وأعانها على اغتصابه قريبها الكبير.. أما امرأة خالك أم علي فتقول بأن هذه المرأة على علاقة بالجن«بسم الله الرحمن الرحيم» وقد سلطت بعضهم للقضاء على أصحاب البيت وتم لها هذا، بل لقد شردت باقي الأسرة فبنوا لهم مساكن بسيطة على أطراف المدينة..
وتقول أم علي أيضاً بأن هذه المجرمة سبق أن أمطرت منزل جارتها«بهية» بوابل من الحجارة بقيت آثارها واضحة على جبين ابنها«ناصر» حتى مات لمجرد أنها حاولت أن تأثر منها لاغتصابها هذا البيت وظلمها للمالك الحقيقي وأبنائه.. لم تعطني الجدة كلاماً قاطعاً عن تاريخ هذه السيدة وعلاقتها بأهل الحي.. إلا أن تصرفات هذه العجوز مريبة«أقصد أم الشوك»، فذات يوم أشبعت أحد أصدقائي ضرباً إلى درجة أنه كاد يموت بين يديها.. كنت أنا وعدد من الصبية بين صديقي«هتان» وشقيقه«راكان» فأخذ«هتان» حجراً ليضرب به«راكان» وعندما قذف به أصاب باب أم الشوك.. فخرجت غاضبة يتطاير الزبد من شفتيها وأمسكت هتان وأشبعته ضرباً فما كان منا إلا أن بدأنا بالصراخ طلباً للنجدة فتدخل عدد قليل من الرجال والنساء لإنقاذ هتان، إلا أن أم الشوك لم تأبه بهم وواصلت ضربها لهتان، بل أكثر من هذا فقد أمرت صبيانها باجتياح منزل أسرة هتان وتم لها ذلك وبقيت في البيت تخرب كل ما فيه وتؤذي كل من فيه مما دعا الأسرة إلى تقديم شكوى ضدها لدى قريبها الكبير والذي يتهامس رجال الحي باسمه ويقطن في حي راقٍ بعيداً عن حينا، فقد ذهبوا إليه ومعهم نفر من رجال الحي وبكوا تحت قدميه وعندها طلب من أم الشوك أن ترحل عن منزل أسرة«هتان» بعد أن تعهد الطفل بعدم رمي الحجارة طيلة عمره.
لم يكن والدي مع من ذهب إلى الرجل الكبير رغم حرصه على مشاركة أهل الحي أفراحهم وأتراحهم ومعرفته بكل ما حصل لهتان وأسرته.. وعندما سألته عن السبب في عدم تدخله وإيثاره السلامة قال: هذه عجوز خبيثة ولا يصح مخاطبتها والجلوس معها، ولو كان في الحي رجال لتم تدبير أمرٍ لها بليل.
كانت«أم الشوك» الشخصية الوحيدة التي تخرم ذاكرتي كلما استعدت خطواتي الأولى في ذلك الحي الحبيب وأنا أعيش ليالي الغربة الطويلة.. كانت الحكايات الجميلة هي شموع هذه الليالي.. إلا أن هذه السيدة في كل مرة تطفىء هذه الشموع بشعرها الأجعد المتسخ.. وعينيها الزرقاوين.. وجبينها العابس.. ومشاجراتها المستمرة حول أتفه الأشياء، فهذه السيدة بخيلة إلى درجة الشح.. لذا فقد قررت أن يكون أول مشوار أقوم به عند وصولي للحي هو الذهاب إلى منزل«أم الشوك» إن لم تكن قد ماتت.. وبالفعل فبمجرد أن توفقت السيارة التي أقلتني من المطار إلى الحي أخذت طريقي عبر أزقته متجهاً إلى المنزل المغتصب.. لقد تغيّر الحي كثيراً.. منزلنا أصبح ميداناً للكرة يلعب فيه أطفال الحي والأحياء المجاورة.. أما المنزل الجريح فقد تغيّرت ملامحه حتى إني لم أعرفه.. أصبحت الأبواب زرقاء.. وطليت الواجهة بلون أبيض.. سألت البقال فلا يزال عم خليل حياً يرزق..
مرحباً يا عم خليل، هل رحلت أم الشوك عن الحي فلم أتعرف على منزلها..؟ رد خليل منفعلاً.. لا لم ترحل ولكن اسمها تغير..
وماذا تسمى إذاً؟
لقد أصبحت تعرف بأم الخير بعد أن تزوجت العمدة ويقال إن شيخ الجامع زاهر يخطب ودها.
لا تقل هذا يا رجل فلقد كانت على درجة من السوء تمنع العمدة والشيخ زاهر من الحديث معها أو الاقتراب منها..
أخذ عم خليل نفساً عميقاً وقال«سبحان من يغيِّر ولا يتغيّر» لقد تغيّرت الأحوال يا ولدي، فتلك العجوز الشمطاء أضحت أجمل الجميلات.. قلت سبحان الله، ولكن هل تركت أسلوب الغطرسة وإيذاء الناس وعملت عملية تجميل لشكلها الموحش.. رد عم خليل بألم: لا يا ولدي فلا تزال تزرع الشوك والسوء في كل ركن بالحي، ولكن بعض الأعين قد تغيرت وأصبحت ترى القبح جمالاً والشوك ورداً.. تصور لقد دب شجار حول التقرب منها بين الشيخ زاهر من جهة والتاجر شريف من جهة أخرى وبدأ الاثنان في الهرولة لكسب ودها.. وأخذ كل واحد يسب الآخر ويصفه بأوصاف بشعة.. إلا أن التاجر«شريف» أصبح الصديق الأول لها في الحي.. قلت كل هذا يحدث في هذه المدة الوجيزة؟!...
ورغم ذلك ستظل بالنسبة لي وآخرين أم الشوك ولو غيّرت في كل يوم جلداً...

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved