Tuesday 5th March,200210750العددالثلاثاء 21 ,ذو الحجة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

بوحبوح
التبذير
إبراهيم الناصر الحميدان

من فضائل الله على عباده التي لا تحصى أن منحهم ميزة الخلق فجعلهم شعوباً وقبائل بقصد عبادته وإعمار الأرض ولتحقيق تلك الغاية جعل العقل في الإنسان موجهاً وهادياً له من الفساد وضياع الرأي. ومن آثار هذا الجهاز الصغير أن اقتحم الإنسان مجالات لم تخطر على بال سابقيه لكونها كانت أضغاث أحلام. بيد أن حكمة الله قضت بأن يرتاد الإنسان بعقله الواعي تلك المجالات بالتدريج إذ جاءت على مراحل ليتمكن من إعادة صياغتها وتطويرها، ولهذا فنحن عندما استفدنا من تجارب من سبقونا من الأجيال السالفة وضعنا ما يشبه القواعد لكثير من الممارسات جاء بعضها على لسان الرسل والأنبياء وكذلك الفلاسفة والعلماء وهي في معظمها تشريعات تأخذ من التعاليم السماوية وتقتبس من شذراتها إذ لولاها لاستمر الإنسان ذلك الكائن الهمجي الذي يتجول في القفار والكهوف بحثاً عن الفريسة حتى يعيش عن طريقها فكان القوي يفتك بالضعيف في سبيل تلك الغاية القائمة بلا هدف سوى استمرار الحياة المتواضعة. ومن بين الأمور التي اتفق الناس على نبذها والتناهي عن ممارستها ما يفعله بعض صغار العقول في الأموال التي في حوزتهم واؤتمنوا عليها لتكون وسيلة إلى تحقيق غايات نبيلة هي في مجملها تصب في مصلحة المجموع الذي يتقاسم الحياة بخيراتها ومضارها مثال ذلك التصرف الطائش الذي يجعل بعض الأفراد عند مخالطة مجتمع آخر لا يعرفهم العبث بما يملكون تبذيراً غير مبرر فترى ذلك الفرد يغدق من أمواله على بعض الفئات التي تصفق له مرتاحة بما تكسب من تصرفه ولكنها تخرج لسانها من ورائه استخفافاً وتعجباً من العقل الصغير الذي يدفعه لمثل تلك التصرفات الصبيانية، والغريب أنه يفعل ذلك في نطاق فئة معينة من الناس في مستوى الخدم في الأماكن العامة كالنزل والمطاعم ودور اللهو لينال كلمات الإطناب والمديح باعتباره كريماً ومن الأعيان بينما يمسك عن فقراء وطنه أقل الانفاق وهم بحاجة إلى مثل تلك المساعدة لظروفهم المادية العسيرة وهي ملاحظة لم نجد لها أي تفسير أو تبرير سوى فقدان الاتزان والتصرف السليم ونحن لا ندعو إلى عدم مساعدة المحتاج في أي مكان إنما في حدود العقل والمنطق فالمغتر البخيل أنذره الله بسوء العاقبة كما في قال الله تعالى: سورة الإسراء:
{وّلا تّجًعّلً يّدّكّ مّغًلٍولّةْ إلّى" عٍنٍقٌكّ ولا تّبًسٍطًهّا كٍلَّ پًبّسًطٌ فّتّقًعٍدّ مّلٍومْا مَّحًسٍورْا} [الإسراء: 29] فالكرم محمود بغير اسراف بعكس البخل ولهذا أوجبت الزكاة على أموال المسلمين من الموسرين كما حددتها الشريعة السمحاء.
والتبذير والاسراف من الأفعال المذمومة في كافة المواقف وليس في تبذير الأموال فحسب رغم أن القصد في الآية هو المال تحديداً إنما على ضوئها ندرك أن تبذير الوقت فيما لا ينفع هو جناية يرتكبها الإنسان بحق نفسه ومجتمعه والأصل هو الحكمة في كافة الظروف أو ما يمكن أن ندعوه الوسط الذي شبه به الله هذه الأمة {وّكّذّلٌكّ جّعّلًنّاكٍمً أٍمَّةْ وّسّطْا...} [البقرة: 143].
فياليت بعض شبابنا بالذات ينتبه إلى هذا الجانب عندما يرون أنفسهم في مجتمعات غريبة عليهم لأن تلك التصرفات الطائشة تسيء إلى سمعة وطنهم الذين هم واجهته في خارج الحدود، وعليهم الاتصاف بالحكمة والتعقل في كافة أفعالهم فذلك أدعى لاحترامهم وتقديرهم في جميع المحافل وإذا كانت لديهم بعض الأموال الزائدة فالجمعيات الخيرية تنتظر منهم دعمها ومساعدتها حتى تقوم بواجبها الاجتماعي والله من وراء القصد.

للمراسلة: ص.ب 6324 الرياض 11442
فاكس: 2356956

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved