Tuesday 5th March,200210750العددالثلاثاء 21 ,ذو الحجة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

هل تعجل المبادرة السعودية بسقوط شارون..؟!هل تعجل المبادرة السعودية بسقوط شارون..؟!
زياد الصالح

لعل أبرز ما أحدثته التصريحات التي أدلى بها ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز الى الصحفي الامريكي المعروف توماس فريدمان ونشرتها صحيفة نيويورك تايمز، أنها أنتجت صدمة كانت مطلوبة وضرورية، ليس للواقع العربي الذي يمر بظروف متداعية على كافة الصعد والميادين مع الأسف فقط، وإنما للمجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الامريكية، التي باتت القطب الأوحد في العالم، لإبداء مزيد من الاهتمام بما يجري في الاراضي الفلسطينية من حمامات دم وأعمال عنف وتدمير، وهجمات عسكرية تواصل حكومة شارون انتهاجها بعناد وعنجهية، الأمر الذي يعرض المنطقة العربية الى أعلى درجات التوتر، ليس من اليسير السيطرة عليها واحتواؤها مستقبلا.
وتكمن الأهمية السياسية في دعوة الأمير عبدالله، أنها تفصح لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، عن وضوح الرؤية العربية إزاء ما تشهده الاراضي الفلسطينية، ومستقبل الاوضاع في المنطقة، وتمثل الدعوة ايضا استجابة لمقتضيات التعايش السلمي الذي نادت به الامم المتحدة في ميثاقها الأساسي، وما تدعو إليه الأسرة الدولية في قراراتها، وما تصر عليه الولايات المتحدة الامريكية عبر مواقفها المعلنة على الأقل، وخاصة في أعقاب تفجيرات واشنطن ونيوريورك في الحادي عشر من سبتمبر الماضي، التي عكست في جانب منها حجم الغضب إزاء السياسات الامريكية في المنطقة العربية، استغلته جماعات خارجة على القانون ووظفته لصالحها، كما اعترفت بذلك الأوساط السياسية والصحفية في واشنطن ذاتها.
فليس من المعقول ان تعلن الإدارة الامريكية الحرب على الإرهاب والإرهابيين في العالم، وتسعى الى إرساء تحالف دولي متين لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة كما تسميها، وتدعو الدول العربية الى الانضواء إليه، وترسل قواتها الى العديد من الدول والمناطق خارج حدودها في افغانستان والفلبين والصومال وتستعد لإرسال المزيد منها الى مناطق اخرى لاحقا، وهي ما تزال تغض الطرف عما يجري في فلسطين، وتساوي بين معسكر الارهاب الذي يقوده الجنرال شارون، وبين دعاة الحقوق المشروعة الذين ينشدون السلام ويبدون أقصى درجات المرونة والاستعداد للتفاوض والبحث عن افضل الحلول والوسائل لتكريس الاستقرار وضمان مبادىء العدل والإنصاف لشعب سلبت حقوقه واحتلت أرضه ويناضل للحفاظ على البقية الباقية منها لإنشاء دولته المستقلة عليها.
وبالتأكيد.. فإن دعوة الأمير عبدالله التي جاءت في توقيت مناسب، ووسط حالة من الصمت العربي والاستخفاف الدولي بما يجري للشعب الفلسطيني، ستكون لها انعكاسات متباينة ومواقف مختلفة خصوصا بالنسبة لاسرائيل والولايات المتحدة بالدرجة الأولى، ودول اوربا وروسيا والصين والأسرة الدولية بعد ذلك، على اعتبار ان ولي العهد السعودي قد ضمن مسبقا التأييد العربي لطروحاته التي باتت تشكل مبادرة تحظى بالتأييد الجماعي من الدول العربية والاسلامية ومساندة السلطة الفلسطينية، فالأمير العربي رمى الكرة الآن في الملعبين الإسرائيلي والأمريكي، وأصبح لزاماً على الطرفين ان يتعاملا مع المبادرة وكأنها حقيقة واقعة لا بد من التعاطي معها بطريقة إيجابية، وإلا فان المنطقة العربية ستكون على أبواب مرحلة خطيرة في تداعياتها وآثارها، وسيكون من المستحيل على الإدارة الامريكية النجاح في برنامجها العولمي ضمن ما تطلق عليه بالنظام الدولي الجديد، وتطالب الجميع بالانخراط فيه، ملوحة بمزاياه ونتائجه التي تقول عنها بأنها تكفل حرية للشعوب واستقراراً وتقدماً لها بدون استثناء..
فالمطلوب من إدارة الرئيس بوش ليس إبداء مشاعر طيبة وارتياح إعلامي لمبادرة الأمير عبدالله، كما جاء على لسان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ريتشارد باوتشر في معرض تعليقه على أصداء المبادرة في الأوساط الرسمية في واشنطن، وإنما العمل على إنجاز مستلزمات نجاحها، وهذا يستدعي منها ممارسة ضغوط على الجنرال شارون لوقف مشاريعه العدوانية على الفلسطينيين، وإلزام حكومته بالتقيد بحلول تؤمن الحقوق المشروعة لهم في اعلان دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، وهي حقوق سبق للأمم المتحدة والمجتمع الدولي الاعتراف بها في سلسلة قرارات لم يجف حبرها بعد.
وليس مطلوباً من واشنطن أيضاً ان تقابل هذه المبادرة بإيجابية على الصعيد الإعلامي فقط، وتصفها بأنها مهمة وحيوية، بل هي مطالبة بتجسيد هذا القبول بخطوات ملموسة وواضحة، سواء على صعيد علاقاتها مع إسرائيل او من خلال مسؤوليتها كطرف أساسي في رعاية المفاوضات السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وسحب دعمها وتأييدها للجنرال شارون الذي تؤكد جميع المؤشرات أنه يعيش أيامه السياسية الأخيرة في أعقاب فشل برنامجه التصفوي للقضية الفلسطينية، وعجزه عن تنفيذ أجندته الليكودية التي لوّح بها خلال حملته الانتخابية التي أوصلته الى رئاسة الحكومة الإسرائيلية.فشارون كما أوضحت وقائع العام الأول من وجوده على رأس الحكم في اسرائيل يعاني من مأزق داخلي حتى مع حزبه الذي بدأ ينشط لإحلال نتنياهو بدلاً عنه، لتفادي السقوط الذي ينتظر الليكود في حال استمرار شارون في زعامته، فيما انطلقت أصوات مؤثرة من قطاعات مهمة في اسرائيل، من ضمنها الآلة العسكرية، تبدي مخاوفها من سياساته الراهنة ومخاطرها على مستقبل إسرائيل.
ويعيش شارون ايضا أزمة مع دول الاتحاد الأوروبي التي كانت الى أمد قصير الداعمة الأساسية لإسرائيل على صعيد التمويل والتبرع والمساندة السياسية، فالزيارات التي قام بها المبعوثون الأوروبيون الى المنطقة، واطلاعهم عن كثب على ما يجري في الأراضي الفلسطينية، أوجدا موقفاً أوروبياً جامعاً يتسم بالموضوعية ويدعو الى ضرورة وقف الهجمات الإسرائيلية وكبح جماح شارون التدميري للسلام، والعودة الى مائدة المفاوضات ليأخذ كل طرف حقوقه بعيداً عن القوة والتهديد.
وعلى الصعيد الاقليمي لإسرائيل أي العربي فإن السياسات التي اتبعها شارون منذ وصوله الى السلطة، ومحاولاته المحمومة للقضاء على السلطة الفلسطينية، والاستعداء على الدول العربية حتى تلك التي لها علاقات دبلوماسية او تجارية مع اسرائيل، خلقت أجواء معيقة بعثرت كل الجهود التي بذلتها الحكومات الاسرائيلية التي سبقته، على صعيد التطبيع وطي صفحات الماضي.
إن الفرصة أصبحت سانحة الآن أمام صناع القرار الأمريكي ونظرائهم في اسرائيل للتجاوب مع المبادرة السعودية التي لوّح بها الأمير عبدالله، باعتبارها تمثل إرادة عربية تطمح الى السلام العادل وتثبيت أسسه على دعائم ثابتة بدون لف او غموض، وهذا يتطلب من واشنطن تقييم مواقفها السابقة واستيعاب الرسالة وما تضمنته من أفكار ورؤى وحاجات، والتعاطي معها بقدر من الاهتمام ينقلها الى التطبيق العملي بلا تلكؤ، خصوصاً وان جولة نائب الرئيس الامريكي ديك تشيني للمنطقة على الأبواب، ويمكن استثمارها بما يؤدي الى ايجاد صيغة ملزمة تجاه الحكومة الاسرائيلية على الاستجابة والرضوخ لمضامين الرسالة المبادرة، وإلا فانه سيكون من العسير على المسؤول الامريكي الذي يسعى الى حشد التأييد لسياسات بلاده في مواجهة العراق، النجاح في مهمته التي تبني عليها واشنطن آمالاً عريضة.وما دامت التحضيرات قائمة على قدم وساق لعقد القمة العربية في العاصمة اللبنانية نهاية مارس الحالي، فإن الفرصة تبدو متاحة أمام الإدارة الأمريكية أكثر من أي وقت مضى، للتعامل مع دعوة الأمير عبدالله بجدية تضمن رفع الحصارات التي تضربها اسرائيل على المدن والقيادات الفلسطينية، ووقف الهجمات العسكرية وإلغاء الإجراءات الأمنية، والإعلان الصريح من جانب الحكومة الإسرائيلية بنبذ العنف والعودة الى طاولة المفاوضات مع التزامها بالاتفاقيات التي جرت مع الجانب الفلسطيني في أوقات سابقة، والقبول المسبق بإنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة، وعدم التدخل في شؤونها وتفكيك المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة باعتبارها بؤر توتر وتهديد لعملية السلام والأمن.
إن الاجتماع المقبل للرؤساء والقادة العرب في بيروت، سيكون حاسما في تحديد مستقبل العلاقات العربية الامريكية التي تترنح حاليا تحت وطأة مشكلات فقدان الثقة المتبادلة وغياب الحياد والنزاهة لدى الجانب الامريكي إزاء القضية الفلسطينية، الأمر الذي يفرض استحقاقات متقابلة تتطلب من واشنطن ان تتخذ هي الأخرى مبادرة تتفق مع منطلقات دعوة الأمير عبدالله وتلتقي معها، بما يلبي الحاجة الى حل دائم وعادل للشعب الفلسطيني وتطلعاته المشروعة، ويؤمن استقراراً في المنطقة وسلاما يعم الجميع، وبعكس ذلك فان الولايات المتحدة الامريكية ستجد نفسها اكثر عزلة من السابق، واكثر تورطا في أزمات ومآزق لاحقة، وبالتالي فان جميع جهودها على صعيد تطوير علاقاتها وتوسيع تعاونها مع الدول العربية وسعيها الى بناء تحالف دولي لمواجهة الارهاب، سيكون مصيره الانهيار.لقد أطلق الأمير عبدالله مبادرة تستحق موقفا مسؤولاً وتجاوبا مطلوبا من الإدارة الأمريكية، وعليها ألا تفوت هذه الفرصة الثمينة، وإلا فإنها ستكون وحدها الخاسرة، ومثل هذه الخسارات لا يمكن تعويضها فيما بعد، فهل ستتحرك أم تظل أسيرة لحالة التفرج وانتظار المجهول!؟.

* نائب المدير الإقليمي للاتحاد العالمي
للإعلام واستطلاعات الرأي لندن

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved