لا أدري كمية الشك والريبة والتوجس التي يدخل بها البعض للحياة الزوجية بقولهم «اشرطوا عليه» أي الزوج...، فتدفعهم بالتالي الى تدوين نصوص ومواثيق معاهدة تكفل «للفتاة» على الغالب بعض حقوقها.
فهناك عقود زواج تحوي مثلاً شرط اكمال الفتاة لتعليمها، او استقلالها ببيت خاص، او لربما نسبة معينة من راتبها لابد أن تحول الى حساب الأب، مع تغييب نهائي للجانب الإنساني والمودة والحب والمشاركة التي هي أسس هذه العلاقة السامية.
وما سبق بالتأكيد من شروط ومواثيق تدون في وثيقة الزواج تنقل هذه العلاقة من أبعادها السامية، وتحولها الى علاقة مؤسساتية يغلب عليها الطابع السلعي الاستثماري كشروط ضمان السلعة عند ابتياعها.
انا أعلم بأن هناك ممارسات ظالمة اتجاه المرأة واتجاه واقع حياتها العملية بداخل الحياة الزوجية، وان هناك حواجز وعراقيل من شأنها أن تودي بجميع آمالها على مستوى النجاح الشخصي.
ولكن هل نعتقد بأن تلك الشروط من شأنها ان تكفل حياة آمنة ومستقرة للزوجة؟..
فيما لو فكر الزوج يوماً على سبيل المثال ان يمنعها من التعليم او العمل او السكن المستقل، عندها تكون سفينة الحياة الزوجية قد أقلعت، قد انتصفت في «اليم» وامتلئت بالصبية والصبيان، وبحاجة الى ربانها القوي الذي يأخذها الى الشاطئ، دون بعثرة وتفتيش الأوراق والصناديق القديمة ودون عودة الى الشروط التي دونها الأهل في وثيقة الزواج ظناً منهم بأنها ستحمي ابنتهم.
الشروط السابقة كما اسلفت ذات طابع سلعي استهلاكي، فيها تغيب لارادة الفتاة وخيارها والثقة بقدرتها على حل مشكلاتها عند إتمام عقد الزواج، وفيها طابع المقايضة الذي ينقل الفتاة من حوزة الأب الى ملكية الزوج، عزلاء من وعيها وقرارها ليس لديها سوى حقيبة ملابسها المزركشة وبنود في درج مظلم لحمايتها.
بدون أن تمتلك الوعي الكامل الذي يحدد لها عجينة وصلصال الرجل الذي ستكمل وإياه الرحلة، فتكتفي بعيون الغير وآرائهم عنه، ودون ان تمتلك النضج الذي يتيح لها إنشاء علاقة سوية متكاملة تكفل لها بند الحقوق تماماً كما تكفل لها بند الواجبات، ودون ان تمتلك أيضاً استقلالية اقتصادية تكفل لها بالتالي استقلالية القرار وقوته.
هذه الشروط هو تبخيس لعقل المرأة وقدرتها على صناعة مصيرها، وقبل ذلك شروط مهينة لسمو الحياة الزوجية التي هي اسمى علاقة لتكوين جديل مترابطة من المودة والألفة والحب تساعد الطرفين على العبور بثبات وثقة في غابة الحياة ومجاهلها، لا يربطها ولا يحميها بضع بنود في عقد.. على الإطلاق، بل تستمد قوتها من ذاتها ومن قدرة أطرافها على حمايتها واستثمارها والابحار بها باتجاه الشواطئ الآمنة.
|