* الطائف هلال الثبيتي:
السجن عالم آخر يحتوي على العديد من النزلاء الذين يملكون المواهب والأفكار التي يستطيعون من خلالها التعامل مع جميع الفنون وبالتحديد المسرح بوصفه فناً جماعياً جماهيرياً.
فهل لنا ان نجعل للمسرح مكانة داخل السجن من أجل الترفيه والتثقيف والعلاج، علماً بأن هناك العديد من سجون المملكة يوجد بها صالات ثقافية تحتوي على مسرح.
هذا ما طرحته «فنون مسرحية» على عدد من المخرجين والمؤلفين والفنانين، حيث أكدوا ان إيجاد أعمال مسرحية في الإصلاحيات فكرة رائعة ورائدة فتعالوا معنا إلى عالم المسرح داخل السجن في نظر هؤلاء.
في البداية تحدث الفنان راشد الشمراني وقال:
الفكرة رائعة وممتازة ولاتقل عن المحاضرة أو الندوة داخل السجن ولاشك ان المسرح في أي مكان هو حالة إنسانية وطريقة فعّالة للعلاج والترفيه والتثقيف وعلاج وسمو بالمشاعر والأحاسيس وحل ناجح لمثل هذه التجارب.
ولكن يجب علينا أولاً ان نبحث عن المسرح الحقيقي خارج السجن وكذلك دور العرض وتكوين فرق مسرحية قادرة على إيصال فكرة المسرح الحقيقي إلى الجمهور بكل اقتدار.
وأضاف ان الفكرة ثرية خاصة إذا كان أبطال المسرح داخل السجن هم النزلاء أنفسهم وتعتبر هذه الفكرة فكرة متطورة تواكب التطور الذي تشهده بلادنا المملكة العربية السعودية في المجال الاقتصادي والثقافي والاجتماعي خاصة ونحن نعيش ثورة فكرية تتحكم فيها العديد من التكنولوجيا الحديثة التي أصبحت تحكم العالم.
وأكد ان الدراما إذا استخدمت استخداماً صحيحاً في السجن تشكل علاجاً ناجعاً وأسلوباً راقياً في جعل النزيل بنفسه يعالج نفسه من خلال الأعمال التي يقوم بها علي خشبة المسرح داخل السجن.
المخرج/ عبدالخالق الغانم قال: المسرح هو إحدى الوسائل لنقل الثقافة والمعرفة والسلوك الاجتماعي وهو أيضاً مكان تشريح الحالة الاجتماعية من خلال هذا نصل إلى الفائدة المرجوة من المسرح.
وبيّن ان المسرح هو أيضاً علاج نفسي بشكل غير مباشر للمشاهد فعندما يرى المشاهد الحالة السالبة ينتقدها مع نفسه فهو حين يرى ان السارق على المسرح سرق أموال الغير يتمنى ان يعاقب هذا السارق وبالتالي انتقلت هذه المعلومة إلى المشاهد بأن السارق هو عنصر سلبي ويجب ألا نكون مثله فالمسرح يطهر النفس البشرية من شوائبها ودخول المسرح إلى عالم السجناء ماهو إلا إحدى الخطوات الذكية لتطهير هذه النفس من شوائبها وإيجاد مجتمع متحضر يساهم في البناء والتطور.
أما الأستاذ مشعل الرشد فقال:
في السنة الدراسية الأخيرة لي عام 1402ه بقسم علم النفس بكلية التربية بجامعة الملك سعود بالرياض أخذنا دكتور مادة علم النفس التطبيقي إلى السجن بالرياض، المكان الذي يقضي فيه الخارجون عن القانون العقوبة. تتفاوت المدة من نزيل إلى آخر حسب طبيعة الخروج كماهو معروف. «كنا كمجموعة من الطلاب ننتظر يوم التخرج في نهاية العام ولا بد ان يكتب كل واحد منا تقريرا خاصا عن حالة سجين كدراسة ميدانية تدخل ضمن مشروع التخرج.
وأضاف قائلاً: دخلنا السجن مع دكتورنا الساعة التاسعة صباحاً فوجدنا ورشة عمل مكتظة بالنزلاء الذين لهم محكوميات زمنية مختلفة جميعهم موزعون على المهن حسب رغباتهم وقدراتهم وإمكاناتهم العقلية والجسمية فمنهم التجار وآخرون في السباكة وبعضهم كهربائي وبعضهم يعمل في الصناعة اليدوية والمنسوجات، لكن ما استوقفني ذلك السجن الفنان وهو يرسم بريشته على ألواح خشبية متعددة المقاسات وقال: طلبت من الدكتور المشرف والضابط المرافق ان تكون دراستي لحالة هذا الفنان الرسام فلم أجد صعوبة في الموافقة بل ان الفنان الرسام أرسل ابتسامة الرضا لي مرحبا بما أريد منه أخذ قلمي يدوّن المعلومات المطلوبة على استمارة دراسة الحالة، بعدها خرجت عن أسئلة الاستمارة وبدأت أوجه للنزيل أسئلة من اختراعاتي ولا أدري وقتها هل كانت ذات قيمة موضوعية أم ساذجة لأنني مرتبط بالمسرح كممثل بالمسرح الجامعي وأكتب عن المسرح الاجتماعي لجريدة الرياض المنتمي إليها في تلك الفترة سألت الرسام.
بصفتك فناناً ويمكن فيه فنانين هنا مايخلوكم تسوون مسرح لكم؟
مسرح؟!وين؟
هنا بالسجن!
وش هوله؟
عشان تتسلون وتقدرون تعبرون عن قدراتكم مثل ما أنت قاعد تعبر عن قدراتك في الرسم والجمهور النزلاء ينبسطون؟
تفاجأت بالرسام حول نفسه من مجيب إلى سائل يطلب الإجابة مني بصراحة ووضوح قائلاً:
طيب تعتقد ان المسرح عند الجهات المعنية به، وصل إلى مستوى مقنع عند الجمهور، وإلى درجة ان الواحد من الناس يضع في مفكرته اليومية مشاهدة عرض مسرحي في المساء؟
قلت بصراحة مابعد وصلنا بالمسرح ولا المسرح أوصلنا إلى ها المستوى!!
أجل إذا وصل المسرح وجمهوره إلى مستوى القناعة خارج القضبان يمكن يفكر اللي داخل القضبان بها اللي تقوله.
ويقول الرشيد: لملمت أوراقي وشكرته وسلمت تقريري اليوم الثاني للدكتور الذي أبدى إعجابه واستياءه في نفس الوقت من مضمون أوراقي وكاد ان يعطيني درجة ضعيف بسبب المسرح لكنني وعدته بإعادة صياغة التقرير مع حذف المسرح وكان التقرير النهائي للتقرير الخالي من المسرح ممتازاً!!
أما الكاتب المسرحي الاستاذ فهد الحارثي ورئيس لجنة الفنون المسرحية بجمعية الثقافة والفنون بالطائف فقال التجربة هادفة وجيدة وهي تندرج في تصوري تحت منهج السيكودراما أو العلاج بواسطة الدراما ودون شك فإن الاهتمام بالمسرح والنشاط المسرحي داخل السجون لايمكن ان يكون فقط من باب الترفيه فقط، بل هو ينطلق من أبواب العلاج النفسي والعلاج السلوكي والعلاج الأخلاقي أي ان العلاج ينطلق من خلال ممارسة نوع من التنفيس وطرح الواقع بصورة فنية.
وأكد أنه لو تم الاهتمام بهذا الجانب بشكل مكثف وتم دعمه بالخبرات التي يمكن ان تضع الأهداف ونوعية وكيفية المشاركة لتوصلنا إلى شكل مميز من أشكال تكوين السجون كدور للاصلاح.
وأضاف: أنا شخصياً متحمس جداً لهذه التجربة ولدي الاستعداد للوقوف معها ودعمها بكل ما يطلب مني فهي تجربة رائدة وجديرة بالاهتمام.
أما المخرج المسرحي بجمعية الثقافة والفنون بالطائف الاستاذ أحمد محمد الأحمري فقال: سرحت بذهني عندما سمعت عن هذه التجربة وتصورت كيفية تنفيذها وتمنيت ان أكون أكثر قربا من هذه التجربة لأنها تشبه تجارب العلاج النفسي بالمسرح والتي يتم تنفيذها في المصحات النفسية العالمية مع اختلاف طرق التنفيذ وأهداف هذه التجربة.
التجربة لاشك ثرية لها خصوصية تغري بالبحث ورصد التجربة وإمكانيات الاستفادة منها والبحث في مكوناتها.
وتمنى الأحمري ان تتكرر هذه التجارب وان يتم رصدها ومعرفة مدى إمكانية تنفيذها والتعامل معها إيجابياً.
ومن جانبه أكد المخرج المسرحي علي بن عبدالرحيم الغوينم ان الموضوع مثير وجميل.. ولنا ان نتصور ان ندخل الحرية في داخل سجن ونقوم بممارستها .. كيف ستكون!!؟
فالمسرح يمارس الحرية الفكرية كتابة عن طريق إيماءات وألوان يقف خلفها طاقم عمل فني يهمه بالدرجة الأولى ان يصل مايقومون به إلى كل عين وأذن وعقل كل فرد بغض النظر عن المكان الموجودين فيه حتى ولو كان سجناً.
وأضاف: لقد فطن المسؤولون عن الضغط الاجتماعي لهذه النقطة وبدأت محاولاتهم في جعل السجن مكاناً للتهذيب والإصلاح وبدأت تظهر العديد من التغيرات في مفهوم الإصلاح داخل السجن من ممارسة الحرف اليدوية البسيطة إلى دورات الحاسب الآلي وإيجاد الصالات الثقافية الخاصة بالنزلاء وهاهو الآن المسرح والذي أتمنى ان يكمل هذا العقد الجميل فللمسرح جوانب عديدة قد تساهم بشكل كبير في تقويم السلوك.
فالمسرح أصبح علاجاً شافياً لسلوك غير سوي، وللمسرح جانب تثقيفي مهم يدفع الفرد إلى القراءة والتأمل والصدق في الإحساس والتعبير وتحريك العواطف والتي غطاها الكثير من السلوكيات السلبية ليبتعد بذلك عن الجمود في شخصيته وفي الكثير من جوانب حياته.
خطوة جميلة ورائعة تلك التي تجعل من المسرح أداة للعلاج والتثقيف والترفيه لناس في أشد الحاجة إليه.
أما الأستاذ عادل زكي محمد المشرف الثقافي والمخرج المسرحي بإدارة تعليم الطائف فقال قد يكون حديثي مختلفاً وغير مألوف إلا أني أود ان أكون مفيداً وصادقاً وعوناً علمياً في أمر يتعلق بفئة من البشر المسلمين الذين غاب عنهم الوعي بعض الوقت فاقترفوا أفعالاً لاتتفق وشريعة الإسلام فكانت سبباً في دخولهم السجن لبعض الوقت أيضا أمر مألوف وجزاء عادل.
وأضاف مادمت تتحدث عن العدل فمن العدل ان تحسن لهم وتوفر لكل منهم الطمأنينة والسلام والأمان ليستطيع ان يتطلع إلى المستقبل بنفس راضية هادئة مستبشرة خيراً في الأيام القادمة. وبيّن ان المسرح ميدان خصب تتبارى فيه الكلمات والأفكار والألحان والمشاعر والألوان من أجل طرح فكرة وإبراز هدف والتأثير مضمون معين شريطة ان يتم ذلك بأسلوب جذاب وممتع ومشوق ومؤثر وتغلب عليه روح الدعاية.
|