Tuesday 5th March,200210750العددالثلاثاء 21 ,ذو الحجة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الجدار الرابعالجدار الرابع
النص المسرحي
فهد الحوشاني

في أنحاء العالم العربي المئات والمئات من كتاب المسرح وهم شريحة من الناس استهوتها لعبة القلم والقرطاس فأخذت تسود ما أبيض من الصفحات بحروف وكلمات وجمل يكتبون المسرحيات ولايبرز منهم إلا نزر يسير فالكثيرون يجرون في مضمار الكتابة ولكن فئة قليلة تلك التي تحقق مراكز متقدمة ويصفق لها القراء.. ويوجد العديد من الكتاب المتميزين كما يوجد كتاب تنام مسرحياتهم على أرفف المكتبات غادية في سبات عميق لن تجد من يفيقها منه ولو دققت فيها لاتضح لك ان تلك المسرحيات قد ولدت في الأساس نائمة وظلت كذلك.. فكاتبها من ذلك النوع الذي يكتب من أجل الكتابة لكنه أبدا لم يعرف ان للكتابة المسرحية أصولا وقواعد ثم ان الكتابة المسرحية ليست قصة أو رواية تكتب لتقرأ وذلك غايتها إلا إذا تمت معالجتها للسينما أو المسرح أو الإذاعة لكن المسرح فن لايكتفي بقراءته بل ان المحك الحقيقي للنص المسرحي هو صلاحيته للعرض فوق الخشبة التي يقف على ظهرها الممثلون ليترجموا النص إلى صورة وحركة وحيوية وحياة. ان بعض النصوص المسرحية وبعض من يعتبرون أنفسهم كتابا مسرحيين يفشلون كثيرا في الوصول إلى قلوب المخرجين قبل الوصول إلى الممثلين والجمهور فالنص بوابته الأولى هي المخرج فمتى ما أحب المخرج النص ووجد فيه مايجذبه فهو نص ناجح بالتأكيد. لذا كان البعض يكتبون نصوصا ضعيفة وتعاني من سوء التغذية الفنية وليس لها ملامح وليس لها قدرة على ان يختبئ الممثلون في معاطفها ليتلبسوها وليعبروا من خلالها.. انها نصوص تفتقد القدرة على التشكل وهي تلك القدرة على التحول من نص أدبي إلى نص مرئي كما ان هناك فئة من الكتاب لاتعاني مشكلة مع الكتابة المسرحية فلديها الكثير من النصوص التي تعتمد على النماذج الجاهزة والتي تكتب بشكل سطحي ليس فيها العمق الذي يصنع الدهشة والقوة والسحر المسرحي فتنتج تلك النصوص الهزيلة عروضا هزيلة ومهما حاول المخرجون الذين يجبرون لأي ظرف على تنفيذها في محاولتهم للنهوض بها إلى أعلى فإن لدى تلك ا لنصوص القدرة على النزول بهم وبالمسرح إلى البدايات الأولى!
إن النص المسرحي الجيد هو ذلك الذي يحقق من خلال جمله وعباراته وما يحمله من مضامين التأثير والتفاعل مع الجمهور بعملية يشبهها البعض بنقل الدم وتبقى بعض العبارات يرددها الجمهور كما تبقى شخصياته التي صنعها باقية في ذهن الجمهور كما بقيت شخصيات مثل شايلوك وعطيل لشكسبير.
والكتابة الحقيقية كما يعرفها الدكتور رشاد رشدي في تعريفه للفن انه يجب ألا يكون الكاتب المسرحي صادقا في تعبيره عن الواقع فالصدق هنا يعني نقل الواقع كما هو وهذا ضد الفن الحقيقي فالنسخ من الواقع ميزة يختص بها المصورون الذين ينقلون الصورة كماهي أما الكاتب ا لمسرحي فإن عليه ان يكتب معبراً عن الواقع وليس ا لواقع كما هو.
إن الصورة التي تطابق الأصل ليست مطلوبة في المسرح فيجب ان تستقل الكتابة المسرحية بعيدا عن الأصل وكلما حلقت بعيدا عنه لفتت الأنظار، وكما يقول الدكتور رشدي انه في تاريخ الفن ليس لرسامي الصور الشخصية قيمة إلا القيمة التاريخية وهي قيمة عابرة بعكس الآخرين. ان الفن إبداع وليس نقلاً للواقع كما يعتقده بعض الكتاب كما انه ليس غموضا يجعل المتفرج في حيص بيص ويملأ رأسه بالأسئلة التي تجلب له الصداع ويحار كيف يتابع العرض المسرحي المتفلت منه، ويقوم العرض بصدمة في وعيه وثقافته وهي ليست صدمة الدهشة بل ا نها صدمة الفوقية والاستعلاء وعدم التواصل وكلما كان المسرح قريبا من الناس ومفهوماً لديهم ومحققا للموضوعية والعناصر الفنية كان هو المسرح الحقيقي.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved