Sunday 17th February,200210734العددالأحد 5 ,ذو الحجة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

صفحات من تاريخ بلدة الحريّق بالوشم «الحلقة الخامسة»صفحات من تاريخ بلدة الحريّق بالوشم «الحلقة الخامسة»
عبدالله بن بسام البسيمي

يواصل الباحث ما بدأه في الحلقات السابقة:
18 الشيخ عبدالعزيز(1) ابن الشيخ عبدالرحمن بن عمر بن تركي بن عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد بن عبدالله بن نشوان من المشارفة من قبيلة الوهبة من بني تميم.
ولد في بلدة الحريّق في يوم الخميس السابع من شهر صفر سنة 1336ه حسب ما وجد مكتوباً بخط يده. نشأ يتيماً فقد توفي والده في شهر صفر سنة 1337ه إثر الوباء الذي عم بلدان نجد ولابنه المترجم له من العمر سنة واحدة فقط. فكفلته والدته وكانت امرأة صالحة من أسرة آل قاسم من آل عاصم من قبيلة قحطان.
نشأ نشأة صالحة فدرس في صغره في كتاب بلدته الحريّق على يد المقرىء سعد بن شويرخ ثم واصل الدراسة في كتاب الشيخ عبدالعزيز بن محمد الحميزي فأخذ عنه القرآن والعلوم المتوفرة في وقته.
فلما تزوجت والدته من أحد أفراد أسرة آل مهنا المشارفة من سكان بلدة الجريفة انتقل المترجم له الى بلدة حرمة ولبث فيها فترة قصيرة من الزمن عند خاله عبدالعزيز بن محمد بن قاسم، وأخذ يتردد على بلدة المجمعة رغم صغر سنه يطلب العلم فيها عند قاضي بلدان سدير الشيخ العلامة عبدالله بن عبدالعزيز العنقري. ثم عاد بعد ذلك الى بلدته الحريّق وأخذ يواصل دراسته ويكثر من المطالعة والقراءة والسؤال عما يشكل عليه حتى صارت لديه مبادىء لا بأس بها من العلوم الشرعية. فلما بلغ الرابعة والعشرين من عمره كانت سمعته الطيبة قد اشتهرت في البلدان المجاورة. فأرسل اليه أهل وادي أشي القريب من المجمعة يطلبون قدومه اليهم ليقوم بمهام الامامة والخطابة في مسجدهم وكذلك تعليم أولادهم وكتابة وثائقهم فوافق على الرحيل اليهم ومما شجعه على ذلك انه سيكون بمقربة من الشيخ العنقري، عالم نجد المشهور، وصديق والده عبدالرحمن، إذ سيتمكن من التزود من العلم على يديه ومواصلة ما بدأه عليه في صغره فكان له ما أراد. وكان انتقاله الى أشي سنة 1360ه تقريباً حيث مكث بها مدة تزوج خلالها من أسرة آل ركبان بالباء الموحدة وهم من قبيلة باهلة إحدى أسر الوادي فأصبح يتردد على الشيخ العنقري، في المجمعة بصفة شبه يومية مع عدم توفر وسائل النقل الحديثة وصعوبة مسالك الطرق، والتزامه بالإمامة في مسجد بلدة أشي، والتوفيق بين هذين الأمرين أمر بالغ الصعوبة فإن دل على شيء فإنما يدل على قوة عزمه وتصميمه على طلب العلم، مع الحرص والمثابرة الدائمة، ولم يثنه طلب الرزق عن الانصراف الى طلب العلم.
وبعد مضي ثلاث سنوات من اقامته في بلدة أشي رغبت والدته في عودته اليها في الحريّق فرحل اليها مدة ثم رجع مرة أخرى الى أشي، ثم إن والدته انتقلت عنده في أشي وأقامت الى ان توفيت ودفنت هناك.
وبحكم مخالطته للعلماء والمشايخ والقضاة وتردده على مجلس الشيخ العنقري عرف بينهم بالفضل والعلم وفي سنة 1364ه أمر جلالة الملك عبدالعزيز بتعيين الشيخ عبدالعزيز بن سوداء قاضياً في «قَرْيَة» من بلدان المنطقة الشرقية، فطلب ابن سوداء من الشيخ عبدالعزيز مرافقته كاتباً ومعلماً فوافق حاجة في نفسه لزيارة أقاربه في المنطقة الشرقية(2) فمكث بها ثمانية أشهر ولم يطب المقام للشيخ ابن سوداء فكتب الى الملك عبدالعزيز كتاباً يشكو فيه حاله وقد جاء فيه:
«عجاج وماء هماج أسأل الله المخراج» فجاءه الجواء من الملك عبدالعزيز «أخرج الى الفجاج» فرجع الشيخ ابن سوداء وبقي الشيخ عبدالعزيز يدرس بها ثم رجع الى بلد «أشي» وبقي بها، وفي شهر ذي القعدة سنة 1366ه استدعاه قاضي المجمعة وأبلغه رغبة أهالي «الخِيْس» في أن يكون إماما لهم فوافق على ذلك، وقد ورد في رسالة القاضي الى أهل «الخيس» ما يلي:«السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. خطكم المكرم وصل تذكرون أننا نلزم على عبدالعزيز بن نشوان يصير إمام لمسجدكم ويعلم أولادكم ويكتب وثائقكم وما أشبهها. لقد احضرناه وأشرنا عليه ولا خالف.. الخ الرسالة».
بقي في الخيس حتى شهر صفر عام 1369ه حيث تلقى من قاضي المجمعة الشيخ سلمان بن عبيد الرسالة التالية:«من سليمان بن عبيد الى جناب الأخ المكرم عبدالعزيز بن نشوان سلمه الله تعالى أمين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعده بما ان جماعة «الفشخا» متعطلين من الامام والمعلم لأولادهم، وان نظرهم واقع عليك فأنت ان شاء الله تلتزم بامامتهم وتعليم أولادهم القرآن وتعلم الجميع أصل دينهم، وتفقدهم عند الحضور للصلوات الخمس، وتكون مع النواب السابقين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتجتهد في جميع ذلك بحسب الطاقة نرجو الله يوفقنا وإياك وإخواننا المسلمين لما يحب ويرضى. هذا ما لزم بيانه والسلام حرر في 12/2/1369ه» الختم.
ومع اطلالة سنة 1373ه تم ترشيحه معلماً لأبناء الأمير سعود الكبير في مدينة الرياض، فانتقل بأسرته اليها، فكانت فرصة للاستزادة من العلم على أيدي علماء الرياض، ثم رغب في الدراسة النظامية فالتحق بالمعهد العلمي، وتفرغ للدراسة فيه مع امامة مسجد حي العجلية(3) ثم التحق بكلية الشريعة فتخرج منها سنة 85/1386ه وقد وفق بحمد الله فلم يتخلف في دراسته، وبعد تخرجه عين ملازماً قضائياً في مدينة الخرج، وهي فترة تدريبية على أعمال القضاء ولكن حينما لمس منه القوة في أحكامه أحيل اليه نظر القضايا كقاض من قضاة المحكمة، فسدد في أقضيته فأحبه أهل الخرج، وبقي فيه حتى أواخر سنة 1388ه حيث عين قاضياً في محكمتي المزاحمية والغطغط، فسكن في الرياض مراعاة لمدارس أولاده، وأخذ يتردد على عمله، وفي صباح يوم الأربعاء 20/7/1389ه حينما كان بصحبة لجنة توزيع مكافأة أئمة ومؤذني مساجد المنطقة التابعة لمحكمة المزاحمية حصل حادث اصطدام بين السيارة التي يركبها وسيارة أخرى أصيب فيها أعضاء اللجنة اصابات خفيفة أما اصابته فكانت بالغة فنقل الى إثرها للرياض حيث وافاه أجله في المستشفى المركزي ظهر ذلك اليوم رحمه الله رحمة واسعة.
كانت وفاته فاجعة كبيرة على محبيه وعارفي فضله، وعلى طلبة العلم والمسؤولين، وصلي عليه عصر ذلك اليوم في مسجد الشيخ محمد بن ابراهيم بالرياض، حيث صلى عيه جمع غفير من العلماء والمشايخ وفي مقدمتهم سماحة المفتي ورئيس القضاة الشيخ العلامة محمد بن ابراهيم الذي عزى ابنه الأكبر علي قائلا:«أبشر فإن والدك شهيد إن شاء الله». وقد دفن في مقبرة العود رحمه الله تعالى.
أما أوصافه الجسيمة فكان رحمه الله حسن المظهر يغلب عليه الطول عريض المنكبين واسع الصدر كثير اللحم من غير ضخامة، أبيض البشرة له لحية جميلة قد ملأت وجهه فيها شعرات من شيب، كان رحمه الله حليماً في غير ضعف، حازماً في غير عنف بطيء الغضب سريع الرضا، طلق الوجه لين الجانب، عفيف النفس، نزيه اليد زاهداً ورعاً تقياً نقياً كثير الصمت عطوفاً كريم المعشر محباً للضيوف يأكل من عمل يده يحب العلماء، ويمازح الصغار، ويتبسط مع الشباب، يمنح شباب الحي الذين يشهدون الصلاة جماعة بعض الهدايا الصغيرة، وهي كبيرة في أعينهم تحبيباً لهم في حضور الجماعة، نعم الموجه الناصح، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، مرشداً لأهل المعاصي، معرضاً عن الحديث في أعراض الناس، ناهياً عنه، وكان رحمه الله خطيبا يتناول في خطبه واقع المجتمع بصراحة، ويضع العلاج المناسب لها. كان كثير التبسم في وجه إخوانه حتى في مجالس أحكامه رزين العبارة محط التقدير من كل من يقابله. مجلسه عامر بذكر الله تعالى، فإذا جلس في مجلس دار الحديث فيه عن أمور الدين قل أن تجده يتحدث في أمور الدنيا لذلك توفي حمه الله وهو مدين، داعياً الى التمسك بأهداب الدين وأصوله، حريصاً على اتباع منهج السلف الصالح، فخرج من الدنيا وهو لا يملك من حطامها شيئاً سوى محبة الناس ودعوتهم له بالمغفرة والرحمة، كان الناس عند التقاضي يطلبون أن تكون أقضيتهم لديه وألا ينظرها سواه، يسعى دائماً لإصلاح ذات البين. كان محباً للقراءة والاطلاع على أمهات الكتب أثناء دراسته، وبعد توليه القضاء، حريصاً رحمه الله في الفتوى إذا سئل وأشكل عليه لا يفتي حتى يطلع على المسألة في مظانها، فقد سئل مرة عن مسألة في مجمع من الناس فطلب من ابنه عمر إحضار بعض الكتب له، وبعد اطلاعه أفتى السائل، لا يحب أن يحمد بما لم يفعل بل لا يحب أن يحمد على ما فعل. لم يترك قيام آخر الليل وصيام التطوع حتى توفي.
ومما تجدر الإشارة إليه أن المترجم له قام بعمل شجرة نسب خاصة بأسرته آل نشوان، حدثني بذلك ابنه فضيلة الشيخ عمر قاضي محكمة القصب نقلاً عن أحد أفراد أسرته، وقد ذكر أن المترجم له أخبره بذلك وذكر له أن آل نشوان ينقسمون الى ثلاثة أفخاذ فلما سأله المذكور عن الشجرة أخبره بأنه وضعها في وسط كتاب أعاره لشخص لم يذكر اسمه ناسياً أن شجرة نسبهم بداخله، وذكر له أن ذلك الشخص لم يعد الكتاب ولا شجرة النسب المذكورة. ومما يحسن ذكره ان الشيخ المؤرخ ابراهيم بن صالح بن عيسى قد فصل نسب هذه الأسرة الكريمة (4).
ويوجد بخط المترجم له بعض المذكرات التي كان يقيدها أثناء دراسته وهي محفوظة لدى ابنه الشيخ عمر انظر النموذج المرفق بعضها في الفرائض والبعض الآخر في القواعد والبلاغة وغيرهما.
خلف رحمه الله مكتبة عامرة بالكتب المتنوعة، في شتى أنواع العلوم والفنون، يغلب عليها طابع العلوم الشرعية، فقد سعى رحمه الله الى اقتناء أمهات الكتب الشرعية والعلمية المفيدة، فكان يبذل ما في يديه من مال لشرائها، مع قلة ذات اليد وغلاء قيمة الكتاب، وعدم وفرته، وكان للكتاب منزلة رفيعة في نفسه، لما يشتمل عليه من العلم والذكر فأنشأ لها خزائن خاصة لحفظها مما أبهر زائريه المطلعين عليها من المشايخ وطلبة العلم، لجمال تلك الخزائن، وحسن تنظيم الكتب فيها وترتيبها وفهرستها، وكان لمكتبته رحمه الله نواة ورثها عن والده عبدالرحمن، لا تزال موجودة حتى الآن وكان لهذا الاهتمام منه بذرة حب للكتب بذرها في قلوب جميع أبنائه فأثمرت مكتبة في كل بيت من بيوتهم.
خلف خمسة من الأبناء هم: علي، وعمر، وعبدالرحمن، ونشوان، وعبدالله. ساروا على نهج والدهم في طلب العلم، وحصلوا على شهادات عالية، ويعملون في وظائف هامة. رحم الله المترجم له برحمته الواسعة هو وجميع موتى المسلمين.
الهوامش
(1) تنظر ترجمته في:«معجم أسر بني تميم في الحديث والقديم: 2/506»، ومجلة «العرب» ج5، 6 س 301415ه ص «395» بقلم ابنيه الشيخ علي والشيخ عمر وهي أفضل ترجمة له، و«علماء نجد خلال ثمانية قرون: 3/418»، وترجم له القاضي في :«روضة الناظرين: 1/326» ترجمة مشحونة بالأخطاء وعنها نقل ابن خميس في:«تاريخ اليمامة: 5/127»، وأعاد القاضي الترجمة مرة أخرى في:«روضة الناظرين: 3/121» وأخطاء في مكان مولده مع أخطاء أخرى لا يتسع المجال لذكرها، وله ترجمة في:«تاريخ القضاء والقضاة في العهد السعودي: 2/370» للزهراني، و«موسوعة أسبار للعلماء والمتخصصين في الشريعة الاسلامية:2/577».
(2) وكذلك لمعالجة أخيه من أمه صالح بن مهنا الذي توفي وهو صغير السن.
(3) وقد جاء في خطاب تعيينه المؤرخ في 5/9/1375ه وعليه ختم الشيخ العلامة محمد بن ابراهيم آل الشيخ ما نصه:«الذي يعلم به من يراه أننا قد رتبنا عبدالعزيز ابن نشوان إماما في مسجد العجلية الثاني مسجد الحروب وعليه في ذلك تقوى الله تعالى ومراقبته، والمواظبة على وظيفته، ويعظ جماعته ويرشدهم، ويعلمهم ثلاثة الأصول المختصرة، ويتفقدهم عند الحاجة الى ذلك، ويقوم على الكسلان بالموعظة أولا فإن لم تجد فيه فيرفع بخبره الى مراقبي المساجد الموظفين من قبلنا. وليس لهذا الامام ان يستنيب أحدا إلا بعد اخبار هيئة مراقبة المساجد والإذن له بذلك، والله الموفق. الختم».
والمسجد المذكور الذي عين فيه المترجم له أصبح يعرف منذ ان تولى إمامته باسم «مسجد ابن عمر» الذي هو المترجم له لأنه ينسب الى جده عمر ولا يزال هذا المسجد معروفا بهذا الاسم الى اليوم.
(4) وذلك في أحد المجاميع التي بخطه، وقد نشرت ذلك في كتابي:«العلماء والكتَّاب في بلدة أشيقر: 1/275».

للتواصل: الوشم أشيقر 11961 ص.ب 6075

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved