قال ابن دراج القسطلي في رائيته في المنصور بن أبي عامر «يصف وداعه لزوجه، ويذكر ابنه الصغير الذي خلفه وراءه».
ولما تدانت للوداع وقد هفا
بصبري منها أنّة وزفير
تناشدني عهد المودة والهوى
وفي المهد مبغوم النداء صغير
عييٌّ بمرجوع الخطاب ولفظه
بوقع أهواء النفوس خبير
تبوّأ ممنوع القلوب ومُهّدت
له أذرع محفوفة ونحور
عصيت شفيع النفس فيه وقادني
رواح بتدآب السُّرى وبكور
وطار جناح البيْن بي وهفت بها
جوانح من ذعر الفراق تطير
قلت: يدور معنى هذه الأبيات حول عناصر اجتماعية مألوفة: قائل هذه الأبيات، وهو الشاعر نفسه، وزوجه، وطفلهما الصغير، وما يحوطهما عندئذ من مظاهر الوداع وما يتصل به، حيث تتحقق عندئذ الصورة الشعرية التي رسمها الشاعر ليحسن في تكوينها والحديث عنها، ألا تشهد: بكور الشاعر وقد طلب الرحلة: للجهاد أو التجارة أو نحوهما، أو الضرب في الآفاق.
ومهما يكن الأمر فقد اعترضته زوجه لتثنيه، ولكنها لم تكن وحدها في هذا الشهد على الرغم من معرفتها بحظوتها عنده بل كان معها طفلها الصغير المبغوم تحمله بين ذراعيها، حيث حملته بتلك الصورة لتعترض خروج زوجها، لتناشده البقاء،وتثنيه عن السفر، فلعله بهذا المشهد يستجيب لداعي العاطفة.
وعلى الرغم من إحساسه بتلك الشجون لم يخضع لتلك الدواعي، بل مضى نحو غايته ليترك في عرصات داره أنين الوحشة، وآلام الفراق، صورة إنسانية لنماذج بشرية مألوفة، لم تمت، وإنما تظل حيّة لحياتها في مجتمعات الناس حتى اليوم، وبخاصة ما هو منها في حياة الناس الاجتماعية.