مهمة الوالدين اليوم في تربية أولادهم تعتبر مهمة شاقة بكثير عن الأمس، لم تعد التربية مجرد إطعام طفل وتعويده على الطاعة فقط، بل أصبحت تكوين شخصيات وتزويد الفرد بالاساليب الناجحة للكفاح في الحياة.
فالأطفال والمراهقون أصبحوا أكثر تحرراً وجرأة.. وتعامل الوالدين يتوقف على عوامل عدة..
... شعورية ولا شعورية..
منها نوعية تربيتهم وثقافتهم التي نشأ عليها (الوالدان) وتجاربهما التي مرا بها في حياتهما.. ومدى توافقهما في الحياة الزوجية..
وكثيراً ما يكون أطفالنا هم كبش الفداء لنا.. فنحن نضعهم في ذلك المكان بدون أن نقصد أو نشعر بذلك..
وكثيراً ما نجعلهم مسارح نؤدي عليها أدواراً تمثيلية لما نكابده في حياتنا من صراعات وعقد نفسية..
وغالبا ما يكون تعاملنا معهم إرضاء حاجات في أنفسنا .. شعورية ولا شعورية.. فنرى كيف يستخدم الوالدان بعض الحيل الدفاعية في تعاملهم مع أبنائهم... نرى كيف أن الوالد الكسول يتهم أبناءه بالكسل ويؤنبهم لذلك ويوبخهم لأجله .. كذلك الأب المهمل يتهم أولاده بالاهمال ويعاقبهم لذلك.. والوالد المضطهد في عمله يجعل أبناءه وعاء يفرغ فيه مخزونه الغضبي.. والوالد الذي حرم من نيل درجة تعليمية معينة أو حرم من ممارسة مهنة معينة.. نجده يحاول إقحام أولاده في هذا المجال وإن كان ذلك لا يتوافق مع رغباتهم أو إمكانياتهم..
ونرى أن العناية الفائقة والتدليل الزائد من قبل الوالدة هي دوافع انانية إرضاء غرور الأم أو رغبة في السيطرة.
كذلك الرغبة في استحواذ حب الطفل كاملاً مما يجعل الوالدين لا يطيقان أن يتجه الطفل بجزء من حبه لشخص آخر غيرهما، وقد يكون هؤلاء حرموا من الحب في طفولتهم.
ورغبة التملك في الأم تدفعها لأن تتدخل في كل شؤون طفلها مما يجعله يشعر بأنه لا يمكن له الاستغناء عنها أبداً.
والأب المضطرب الشخصية حتى وان كان يعرف الطرق الصحيحة للتربية.. نجده يتساهل حين يجب ان يكون حازماً.. ويتهاون حين يجب التشدد.. ويقسو لأمور تافهة.. ويكون عقابه أقرب الى الانتقام منه الى الاصلاح والتهذيب.. وليس للتسامح مجال كبير في نفسه اتجاه أولاده، وعدم ثباته في تربيتهم يخلق جواً غير آمن ومستقر.. وعليه يجب ان يكون (العطف) هو الجو الذي يحاط به الطفل منذ صغره.
ولابد لنا ان نعرف الطفل.. دوافعه.. حاجاته النفسية.. منطقه الخاص .. وطريقة تفكيره.. نظرته لنا وللعالم المحيط به.. فهذه هي المرحلة الهامة الخطرة في حياته كلها.. لذلك يجب غرس ما يمكن غرسه من اتجاهات وعادات دون مبالغة في علاج ما قد يبدو لنا لدى الطفل من مشكلات سلوكية خشية ان تثبت ثم يستعصي علينا تغييرها..
ويجب ان نزود الطفل بالاساليب الناجحة الواقعية للكفاح في الحياة ومعاملة الناس ومن اهمها.. كيف يعتمد على نفسه.. وكيف يضبط انفعلاته.. كيف يتحكم في دوافعه العدوانية.. وكيف يتصرف أمام الفشل والاحباط والحرمان..
لا يكفي للطفل ان يعرف نفسه بل يجب على الوالدين ان يعرفا نفسيهما.. دوافعهما التي تحركهما إزاء أطفالهما.. فذلك يساعد على التحكم في معاملتهما مع أطفالهما.. فهو يجعلهما مستعدين لمواجهة شعورهما والسيطرة عليه بدل ان يكونا أسيرين له.
هيفاء الشلهوب - الجزيرة |