إن الإيمان هو المنهج الحق في هذه الدار، والهدف المنشود من هذه الحياة، وهو الدرة الثمينة التي تمثل سر وجود البشر، وأفضل ما يقتنيه الإنسان، لسريانه في دمه وكيانه، وتلاحمه من قلبه وروحه.
والأمن هدف سام إنساني عام، وأمل للبشر عظيم، يرنو إليه الأفراد، وتتطلع إليه الجماعات، وتحرص على تحقيقه والحفاظ عليه الأمم، وتنفق للحفاظ عليه ما عز وغلا من الأموال والثروات.
والإيمان هو أساس الأمن، لأنه هبة الله لخلقه وبذرته الطيبة التي تنبت الأرض الخصبة، فتعطي ثماراً يانعة تغذي الأرواح والأجساد، وتحفظ الأعضاء والجوارح إذا توافرت لها الصيانة والرعاية والحماية من الأعداء، وسلمت من الإهمال، والمتأمل لحقيقة الإيمان يعلم أنه ليس مجرد كلمة ينطق بها اللسان، ولا عبارة تستقبلها الآذان، وإنما هو مظلة للإنسان في هذا الكون، وفضيلة في الحياة، ومبعث النور والضياء، ومصدر الخير والسعادة، وقبل ذلك كله منهج الله الحق في أرضه، وهداية السماء للبشرية.
ويخطئ من يتصور أن الإيمان فلسفة نظرية خيالية، أو فكرة عقلية حبيسة فيه، والحق أن الإيمان حبل وثيق يربط القلب بخالقه، ونهر متدفق يمد الجسم والروح بغذاء روحي، ودواء شاف يمنح الإنسان الطمأنينة والسعادة، والراحة والمتعة، واللذة والحلاوة.
قال صلى الله عليه وسلم «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً».
ومعنى الحديث كما أوضحه القاضي عياض «صح إيمانه، واطمأنت نفسه، وخامر باطنه، لأن رضاه بالمذكورات دليل لثبوت معرفته، ونفاذ بصيرته، ومخالطة بشاشة قلبه».
لذلك تمارس الدولة حمايتها الكاملة على تراب وطنها، وتعد الأجهزة الأمنية اللازمة لتوطيد الأمن والطمأنينة، وتبذل مساعيها للتعاون مع غيرها لتحقيقه، وتعد من الأنظمة ما يراعي الفرد ويؤمنه، ويطمئن المجتمع وبقية من الإجرام والانحراف لتزهر الحضارة، وتتقدم الأمة، ويرقى المجتمع ويسوده الرخاء، وتتطور حياته، ولا تتجمد الحياة، بل تتقدم بالعمل والإنتاج وترقى إلى أعلى مراتب ذرى المجد.
ويتحقق الأمن بالوسائل الأساسية العامة: التي تعتمد على التوجيه العام والتربية الإيمانية، والفكر السليم من الانحراف، والإرشاد إلى الوقاية الدائمة، وغرس القيم والفضائل الخلقية في الإفراد وإصدار الأنظمة الموضحة لحقوق الأفراد وواجباتهم وكيفية ممارستهم وأدائهم لها ووقوفهم عندها، ثم تحدد التدابير الزاجرة والعقوبات الرادعة للمخالفين الخارجين عنها الخادشين للأمن. وهذه الوسيلة يتمثل بها الجانب الوقائي المؤدي إلى زرع المناعة ضد الإجرام والخوف والاضطراب، وتغرس الأمن في النفوس والطمأنينة في القلوب، والعدالة في التعامل، وهذه الوسيلة تتطلب مشاركة المواطنين فيها للدولة وتقديم العون لها لتحقيقه، ويأتي الإيمان في قمة هذه الوسائل الأساسية لتوفير الأمن الخاص والعام.
وكذلك بالوسائل الإدارية الأمنية: والمتمثلة في أجهزة ودوائر أمنية تنشئها الدولة لرعاية الأمن وتوفيره والحفاظ عليها، وهذا الدور تقوم به الدولة من خلال وزارة الداخلية متمثلة في الأجهزة الأمنية الحكومية الحامية للوطن، والمؤكدة للأمن والحارسة للعدل الزاجرة لكل معتد يسعى لترويع الناس، أو يعتدي على أنفسهم وأرواحهم أو أموالهم أو أعراضهم أو ممتلكاتهم مما يحافظ به على الضرورات الخمس الدين والعقل والنفس والمال والعرض. والمتأمل في بلادنا الغالية بلاد الحرمين الشريفين حرسها الله المملكة العربية السعودية يجد أن الدولة رعاها الله قد اهتمت بالأمن اهتماما كبيراً، وأولته عناية فائقة واعتبرته هدفا لذاته، وسعت لتغطية جميع جوانب الأمن المختلفة لتأمين الأنفس والأرواح، والأموال والأعمال حتى عم الأمن الأرض والبيت والوطن وسعت إلى ترسيخه في قلوب الشعب فكانت بحمد الله مضرب المثل في أمنها وإيمانها وقداسة أرضها وطمأنينة شعبها فهنئت الحياة، وعم الاستقرار، ورقي المجتمع، وتبدل الخوف أمنا والفقر غنى، والتأخر تقدما والتشرد والتشرذم اجتماعا وإخاء، فالطريق آمن، والبيت آمن، والقرية آمنة، والمدينة آمنة، وهذه النعمة نعمة الأمن توجب علينا الشكر لتبقى دائمة، وبالشكر تدوم النعم.
وهكذا تظهر آثار الإيمان الصادق على النفس لتقنع برضا الله وتطمئن بآثاره وتتجه في طريقها لعمل الخير والالتزام به فتأمن وتؤمن غيرها والإيمان الصادق هو الذي يظهر في سلوك الإنسان، ويترجم في حياته تطبيقاً عملياً بأداء الفرائض والشعائر والتزام الحدود والسنن، وعندما يكون الإيمان تصديقا بالقلب، وإقرارا باللسان وعملا بالجوارح ففيه يتحقق الإيمان الجالب للأمن، المذهب للخوف، الطارد للهم، الجالب للسكون والطمأنينة، وحتى يتحقق الإيمان بهذه الصورة فيكون هو المحرك الحقيقي لجميع تصرفات الإنسان، ويصبح هو الموجه الداعي، والمذكر الدائم، والناصح الأمين.
وإذا تحلى أفراد المجتمع بالإيمان، تم بناؤه على أساس متين وتكونت شخصياتهم على أفكاره وقيمه، ومبادئه وأحكامه وكان هو ضابط سلوكهم، أما إذا انهار الإيمان فقد حل بالأفراد الضياع، وبالمجتمعات الهوان، وتعطل جانب التنمية، وصارت الحياة الكريمة، والطمأنينة والأمن في مهب الريح.
إن حرصنا على الإيمان كأساس للأمن واجب يحتمه علينا ديننا لنجلب معه الأمن ولنبني به تنمية شاملة، غذاؤها الإيمان وثمارها الطمأنينة، والأمن الذي هو مطلب إنساني خالد، وأمل ترجوه الأمم، ورجاء يطلبه البشر وهو أهم أمر لقيام المجتمعات واستقرار الحكم والدول، بل هو ضرورة من ضرورات الحياة.
وتظهر أهمية الأمن والسعي لتوفيره إذا علمنا أن بفقده يشيع الإجرام ويكثر الاعتداء وتنتشر الشهوات المحرمة ويكثر المتجاوزون والمعتدون والظالمون والمجرمون والباغون والمتمردون والإرهابيون والمتطاولون والمتسلطون.
قال تعالى :
{الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} .
حفظ الله على بلادنا إيمانها وأمنها، وبارك في جهود المخلصين الساهرين على أمننا وحفظ لنا قيادتنا المخلصة التي غدا الأمن همها وشاغلها وجعل مما يقدمونه في ميزان حسناتهم، وكلل جهودهم بالتوفيق وفقهم الله لما يحبه ويرضاه.
العقيد فريح بن شاهر الرفاعي مدير إدارة الدفاع المدني بمحافظة بدر |