Sunday 10th February,200210727العددالأحد 27 ,ذو القعدة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لما هو آت
«ضَرْبة معلِّم»
د. خيرية إبراهيم السقاف

بعض النَّاس تصنع الأحداث...
وإذا كان الحدث هو نوعاً من أنواع المواقف...، فإنَّ أصحاب المواقف هم أيضاً صانعو الأحداث...
وبمثل ما كان مؤشِّر الضوء يتابع هذه الشَّخصية صانعة حدث الفكر الحرِّ المتجذِّر في عزلة الإنسان بمفهوم العزلة الشَّاملة تلك التي أثارت (مئة عام) منها ضجيج الموقف الفكري...، فإنَّ (جبريل غارسيا ماركيز) الروائي الكولومبي يتابعه مؤشِّر الضوء وهو يصنع حدث الفكر النَّيِّر، بموقف حدث لا يمكن أن يمرَّ بالإنسان أيّ إنسان مروراً عابراً في ضوء تكتُّل شحن النَّار التي تنتصبُ على رؤوس ودروب، بل منافذ الرؤية في واقع حياة اختلطت فيها المفاهيم، وتسيَّدت قوى الشَّر وهي تتسلَّم مقاليد أزرَّة تحريك المياه في بحور مراكب البشرية...
جبريل غارسيا ماركيز يجدد إرسال مؤشِّر الحضور الحيِّ لاسمه، وهو يسجِّل موقف «معلِّم» بضربة مسدَّدة قوية، حين أصدر بيانه يعلن فيه خجله من أن يرتبط اسمه بجائزة «نوبل»، ذلك لأنَّ مبِّرره هو: أن هذه الجائزة التي حصل عليها في العام 1982م قد منحت لمرتكبي الجرائم السَّافرة المبيدة وأيَّدت اتفاقية لم تستخدم إلاَّ في المجازر وليس في السَّلام حين منحت «مناحيم بيجن» بهدف مناشدة السَّلام في اتفاقية «كامب ديفد» بينما اتّخذت هذه الاتفاقية شكل الفسح الدولي بما يجري من إبادة في الأراضي الفلسطينية على يد الصهيونية...
وماركيز يتبرأ من جائزته العالمية التي يحفى كثيرون من بني يعرب كي ينالوها، بل يفخرون بها ويطرقون الطبول، ويقيمون الأعراس لمن يحصل عليها، وهي قائمة في الأساس على أغراض خبيثة ليست ضمن مبدئيات قيمهم أو مبادئهم... بينما ماركيز يخجل منها، ويتنحَّى عنها...
ولقد أثبت «الزمن» بكلِّ أدلَّته أنَّ العالم الذي يدَّعي الحرية، في الفكر، وفي المواقف كافة، إنَّما هو «وهم» ليس أكثر من طُعْمٍ، ذلك لأنَّ ماركيز في عالمه الحرِّ لم يبالِ من اتِّهامه بمناهضة الصهيونية، بينما هناك «أصوات في العالم كلِّه تحتج وتشجب ما يحدث من الصهيونية، وتصمت خوفاً من اتِّهامها بمعاداة السَّامية» فكيف تخاف أصوات حرَّة في عالم يدَّعى الحرية الفكرية، والاستقلالية الفردية للإنسان حتى في أيسر ما يملك من القول؟....
ألم يحن الأوان كي يدرك أصحاب الفكر الحرِّ حقيقة من المسلمين والعرب أن ظهر الَمجَنّ قد انقلب، وقد ظهرت الحقائق لهم كي تعود لهم الثقة في أنفسهم بأنَّهم الشعب الأوحد الذي منحه الإسلام القدرة على الحياة في سلام وحرية فلا أقل من العمل، والجد، والإخلاص كي يأخذوا مواقعهم في صدارة البشر؟...
ربما علينا أن نقف تحيَّة لماركيز...
صانع الحدث الموقف...
وهو يرفض الجائزة العالمية فقط لاقترانها بصانعي الشَّر، مبيدي البشرية ولأنَّه استطاع أن يؤكِّد الكلمة الحرَّة الصادقة في عالم ليس له من الحريَّة إلا بريقها... وهو يؤيِّد بطولة المقاومين في فلسطين الشَّهيدة...
وهي ضربة معلِّم...
تستحقُّ لها التأييد يا ماركيز...

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved