* باريس الجزيرة:
اعلن وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين ان الاوروبيين متفقون على عدم الاتفاق مع السياسة الامريكية حيال الشرق الاوسط ويعتبرون انه من الخطأ تقديم المساندة العمياء لسياسة القمع التي يتبعها رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون.
ونفى نفيدرين في حديث اجرته معه اذاعة «فرانس انتير» ان تكون مسألة قطع الجسور مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات مطروحة اوربياً.وفيما يلي نص حديث الوزير الفرنسي:
* بعد مرور اربعة اشهر ونصف، قامت الولايات المتحدة باتخاذ خطوات احادية الجانب في المجالات السياسية والدفاعية والاقتصادية، فهل يعد ذلك بالفعل تقدما تم تحقيقه؟
منذ وصول الادارة الامريكية الجديدة الى سدة الحكم وهي تميل الى تناول شئون العالم بصورة احادية، دون استشارة الآخرين، انطلاقا من تفسيرها الخاص للامور وتبعا لما لها من اهمية. ومن ناحية اخرى، اعتمدت هذه الادارة اسلوباً انتهازياً، فمع ان الا مريكيين يضعون في عيون الاعتبار بأنه يمكنهم ان يكونوا في حاجة الى هذا الطرف او ذاك في وقت ما، الا انهم يرفضون الالتزام بأي اتفاق دولي او مفاوضات متعددة الاطراف يمكنها ان تشكل تعديا على قراراتهم وسيادتهم وحرية تحركهم. يعد هذا الامر، بغض النظر عن مسألة الشرق الاوسط الخطيرة، والتي سنعاود الحديث عنها، مشكلة رئيسية فيما يتعلق بنظامية تسيير شئون العالم. فنحن لا نرغب بعولمة او بمنظومة شمولية عشوائية. نحن نريد بالاحرى قواعد يتم اعدادها بصورة عادلة بمشاركة الجميع. وحول كل من هذه النقاط، تعارض الولايات المتحدة ارساء مزيد من القواعد لان جبروتها وصل الى درجة جعلتها لا ترى في النهاية في صياغة هذه القواعد اية مصلحة او ميزة.
* ولكن ما تقولونه يعد اقرارا بالفشل او يفيد بأننا كنا نعيش كذبة مقارنة بما كنا نقوله منذ اربعة اشهر. انه امر لا يصدق؟
لم يقل الامريكيون شيئا فيما مضى يختلف عما يرددونه اليوم. فلم يحدث تحول في موقفهم، انما فقط تأكيد لنظرة امريكية تتسبب باشكال لانها ليست هذه هي نظرتنا للعالم وليست هذه هي نظرتنا للعلاقات الدولية. كما وان ليست هذه هي ايضا نظرتنا للعولمة التي يمكن ان يكون لها ابعادا ايجابية مذهلة اذا ما تم التحكم فيها واذا ما تم صياغة قواعد تضبطها واذا ما تم اعطاؤها نفحة انسانية. ليست هذه هي البتة نظرتنا للطريقة التي يتعين من خلالها اقامة السلام في الشرق الاوسط. ولكن الولايات المتحدة لم تكذب علينا ابدا، وخاطبتنا باللهجة نفسها منذ الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول. قال الناس من كل حدب وصوب:« ستتغير الولايات المتحدة بعد هذه الصدمة». ولكن لا،لم يقل الامريكيون ذلك.وقد اصبح الامر اكثر وضوحا الآن على كافة المستويات، مما يطرح مشكلة جادة. نحن حلفاء الولايات المتحدة ونحن اصدقاء للشعب الامريكي. لقد ابدينا تضامنا مخلصا وعميقا مع هذه المأساة التي حدثت في الحادي عشر من سبتبمر/ ايلول وفي مواجهة هذا الهجوم الارهابي. نحن ملتزمون كما هو الحال بالنسبة للكثير من الحكومات الاخرى في مكافحة الارهاب، ليس فقط تضامنا مع الشعب الامريكي، ولكن لان هناك منطق نسير عليه وعلينا اقتلاع هذا الشر، الذي علينا ايضا التعامل مع جذوره. ونحن مهددون اليوم ببزوغ نظرة تبسيطية جديدة للامور تتعاطى مع مشاكل العالم من منظور مكافحة الارهاب وحده. ليس هذا امرا جادا.
لا يمكننا النظر الى سائر مشكلات العالم من منظور مكافحة الارهاب حتى ولو كان لا استغناء عن مكافحة الارهاب فقط من خلال الوسائل العسكرية. يجب التعامل مع الجذور. يجب التعامل مع حالات الفقر والظلم والمهانة، الخ.. و في هذا الشأن هناك فرق في النظرة للامور المختلفة، وهو فرق يظهر بجلاء اليوم مع الادارة الامريكية. ولا اعني بذلك الولايات المتحدة بجميع تياراتها، لان هناك جدل عاد ليظهر مجددا في الولايات المتحدة بصورة تدريجية، وهناك من جهة اخرى النظرة الاوروبية.
يتعين على اوروبا ان تعبر عن ذاتها. واذا لم نكن متفقين مع السياسة الامريكية، علينا الافصاح عن ذلك. يمكننا الافصاح عنه وعلينا المجاهرة به. فالاوروبيون اليوم على سبيل المثال مجمعون على عدم الموافقة على السياسة التي ينتهجها البيت الابيض حيال الشرق الاوسط ويعتبرون انه من الخطأ تقديم المساندة بصورة عمياء لسياسة القمع المحض التي يتبعها اريل شارون. وسيكون من الافضل حدوث تغيرات في هذا الامر. قبل ذهابه للولايات المتحدة، استقبل اريل شارون العديد من المسئولين الفلسطينيين الهامين. فهل قام بذلك لكي يحمي نفسه فقط من احتمال توجيه اللوم اليه بانه لم يسع لاطلاق الحوار ام انها بداية لاحداث تغيير؟ لااعلم. ولقد كفاه امر اجراء هذ ه اللقاءات لكي يتلقى تهديدات من جانب بعض احزاب اليمين المتطرف المنتسبة لائتلافه. في كافة الاحوال، لا يؤيد الاوروبيون هذه النظرة. وهم يفصحون عن ذلك ويدلون بتصريحات مختلفة بهذا الشأن. نحن نتقدم بمقترحات مختلفة، فلقد طرحت فرنسا على مائدة المفاوضات فكرتين مختلفتين سعيا منها لحلحلة الموقف.
* المضي قدما بدونهم.. ماذا ستفعل وماذا ستقول اوروبا اذا ما طالب شارون الرئيس بوش بقطع جميع الجسور مع ياسر عرفات؟
انه خطأ جديد اضافي. ونحن لن نسير على هذا الخط. وسيذهب الوزراء الاوروبيون، الذين كانوا قد خططوا للتوجه الى الشرق الاوسط في غضون الاسابيع المقبلة، سيذهبوا جمعيهم لزيارة ياسر عرفات. ان مسألة قطع الجسور مع عرفات غير مطروحة البتة «...» اذا ما أردنا الوصول الى السلام، يتعين بالطبع اجراء مفاوضات وتبادل الحديث. والاوروبيون لم يتأثروا خلال الاسابيع الماضية بالمواقف التي اتخذها البيت الابيض والتي تسير في اتجاه المساندة للخط الاكثر تشددا الذي ينتهجه اريل شارون نحن نعتبر ان ذلك خطأ، خطأ استراتيجي، حتى ولو كان بالطبع بامكان الجيش الاسرائيلي من الناحية التكتيكية احراز انتصارات بسبب تفوقه غير المنازع فيه. وفي هذه الاثناء يمر الوقت. فقد مضى ستة عشر شهرا على الانتفاضة التي اندلعت منذ زيارة اريل شارون لساحة المسجد، وها هي الاحداث التي نتجت عن ذلك 1200 قتيل، منهم 900 فلسطيني. انه وقت ضائع ومأسوي مقارنة بالمفاوضات التي يتعين استئنافها. وفي الوقت نفسه، تقوم اوروبا بما في وسعها لكي تجعل صوتها مسموعا، وهي لها موقف خاص بها.لقد طرحنا مؤخرا فكرتين في محاولة منا لحلحلة هذا الموقف. اولا، نحن نساند فكرة شيمون بيريز وابو علا الخاصة في البداء في اجراء عملية اعتراف بالدولة الفلسطينية وان يكون ذلك بداية للامور، بدلا من الانتظار حتى نهاية المفاوضات، والهدف من ذلك هو احداث هزة سياسية، ثانيا، نحن نقترح اجراء انتخابات في الاراضي الفلسطينية. يقول الاسرائيليون:« نحن لا نتعامل مع محاورين ممثلين للفلسطينيين وشرعيين حيث هناك اعتراض عليهم. فلنجر اذن انتخابات، فمن ذا الذي سيعارض ذلك؟ لا يمكن للديموقراطية الاسرائيلية ان تعترض على اجراء الانتخابات. ولا يمكن للديوقراطية الامريكية ان تعترض على اجراء الانتخابات. فلنجر انتخابات للتعامل مع مسألة الشرعية السياسية والتاريخية للسلطة الفلسطينية التي نجد انها بالفعل قوية.
* ان ما يدهشني منذ عدة دقائق وانا استمع الى حديثكم حول المسائل الجغرافية والسياسية، وخاصة مسألة الشرق الاوسط المحورية، وايضا حول لقاء دافوس، هو تمسككم بخط حازم ومدى التزامكم به. ما تقولونه للولايات المتحدة هو التالي:« انتم ظرفاء ولكننا لا نستطيع ان نقف عند حد الاستماع الى كل ما تقولون».
نعم، لان كوننا اصدقاء للشعب الامريكي وحلفاء للولايات المتحدة في اطار الحلف الاطلسي ليس معناه انه يجب ان نكون منحازين. لا يعني ذلك التراجع عن اي فكرة، ايا كان فحواها، رأيت الاوروبيين وقد اتفقوا بدون عناء، قبل مؤتمر الدوحة، على ان تطرح في الجولة المقبلة للمفاوضات التجارية الدولية معايير اجتماعية. انه امر صعب لان الدول الفقيرة تعارض ذلك، وهناك مواقف بدأت في التبلور. حول الشرق الاوسط ايضا، نحن امام سياسة امريكية مغايرة بعض الشيء عما كانت عليه منذ عدة اعوام. وبالتالي وفي المقابل، يدفعنا ذلك للقول بأنه ليست هذه هي نظرتنا للعالم.
وسنتحاور مع الولايات المتحدة، ونقوم بذلك في روح من الصداقة، نحن لا نطالب الولايات المتحدة بعدم التحرك خارج حدودها، بل على العكس نأمل ان نرى الولايات المتحدة تبدي إلتزاماً بشؤون العالم لأنه لا توجد مشكلة جادة يمكن ان تحل من دون الولايات المتحدة. نحن نطالب بالتزام امريكي ولكن ان يكون هذا الالتزام مبني على تعددية الاقطاب والشراكة وان نتمكن من الحديث مع بعضنا البعض. واذا ما استلزم الامر ان نتكلم بلهجة اكثر حدة، فسنفعل.
* ليعلم من ليس لديهم علم، بأن رئيس الكنيست قد القى خطابا داخل البرلمان الاسرائيلي مبني على السلام والتقارب، وفي اية حال، نادى باستئناف المحادثات مع الفلسطينيين.
انه يرفع مجددا شعلة السلام التي اهملت في الفترة الماضية. وكان سيذهب الى رام الله للحديث عن السلام امام المجلس التشريعي الفلسطيني. ولكن منعه المتشددون باستخدام كافة اشكال الاجراءات الممكنة، الخ، نعم، ففي كل انتخابات، هناك جدل، هناك حملة، وهناك مخاطرة، ولكنه من الصعب معارضة هذه الفكرة، وعندما سيتم قبول تلك الفكرة باجراء انتخابات في الاراضي الفلسطينية، يجب بالطبع ان يتم التحضير لهذه الانتخابات بصورة صحيحة. وهذا يفترض توافر عدد من الامور ستدفع حكما باتجاه اعادة اطلاق العملية السياسية والتحضير لجملة من الحلول. ويفترض ذلك تواجد مراقبين دوليين وتنظيم حملة. من الصحيح القول بأن الحملة تشكل دوما تحد على المستوى الديموقراطي. ولكن اعتقد بأن هذا الامر سيكون له اثر مشجع ونافع لدى الفلسطينيين، لان هذا الشعب اليائس يجب ان يعطى وسيلة اخرى للتعبير عن نفسه غير العمليات الانتحارية. يتعين العودة الى الارضية السياسية. وسيكون ايضا من المهم للغاية بالنسبة للاسرائيليين ان يجدوا امامهم محاور، والمتوقع، بل من المؤكد، انه سيكون من السلطة الفلسطينية ، نظرا للمكانة التاريخية التي تشغلها، محاور سيتعين على الاسرائيليين في وقت ما ان يفتحوا معه الحوار مجددا. اعتقد بأنه حتى ولو كان من الواجب دراسة هذه الفكرة بعناية كي لا يتم تنفيذها في ظروف هامشية، فهي لا تزال فكرة تتمتع بقوة حقيقية.
|