لقد عطرت سيرة الصحابية الجليلة الخنساء بنت عمرو بن الشريد صفحات التاريخ بدم فلذات كبدها الأربعة.
حيث دفعت بهم جميعاً وصحبتهم إلى ميدان معركة القادسية التي انتصر فيها المسلمون على الفرس انتصاراً ساحقاً ثل عرش كسرى.. والقادسية كما وصفها الباحثون والمؤرخون هي موقع لا يبعد عن الكوفة بالعراق إلا مسافة قليلة.
قال عمر رضا كحالة في كتابه أعلام النساء: وحضرت الخنساء حرب القادسية ومعها بنوها الأربعة رجال فقالت لهم في أول الليل يا بنيّ أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين والله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم ولا هجنت حسبكم ولا غيّرت نسبكم وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين. واعلموا ان الدار الباقية خير من الدار الفانية، يقول الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون».
فإذا أصبحتم غداً إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين بالله على أعدائه مستنصرين. فإذا رأيتم الحرب قد شمّرت عن ساقها واضطرمت لظى على سياقها وحللت ناراً على أرواقها فيمموا وطيسها وجالدوا رأيسها عند احتدام خميسها تظفروا بالغنم والكرامة في الخلد والمقامة.
فخرج بنوها قابلين لنصحها عازمين لقولها ينشدون الأراجيز فقاتلوا حتى استشهدوا جميعاً فلما بلغها الخبر قالت: الحمدلله الذي شرّفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته. فكان عمر رضي الله عنه يعطيها أرزاق أولادها الأربعة لكل واحد منهم مائة درهم حتى قبض وماتت الخنساء سنة 24 ه..
وقد كان رابعهم يرتجز ويقول:
لست لخنساء ولا للأخرم
ولا لعمر وذي السناء الأقدم
إن لم أرد في الجيش جيش الأعجم
ماض على الحول خضم خضرم
إما لنور عاجل ومغنم
أو لوفاة في السبيل الأكرم
ولا غرابة في قوله الشعر فهو ابن الخنساء الشاعرة التي من قولها المؤثر الذي قالته عند سماعها بموت أخيها صخر: