Sunday 10th February,200210727العددالأحد 27 ,ذو القعدة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

التفكير والتربية: الأهمية تسبق العلاقة؟!
إبراهيم بن عبدالله السماري

التعليم رسالة عظيمة، تعنى بتربية الناس وتهذيب أفكارهم وسلوكوهم، وأهمية التعليم في بناء الإنسان المنتج ليست محل إنكار أي عاقل، بل إن النظر الصحيح يؤكد أن أهم المسالك الواضحة للوصول إلى الاستئثار بقناعات الإنسان، مخاطبة مدركاته هي طرائق التفكير.
كما تأكد من التجربة أن الفكر هومفتاح الموهبة وهو مصنعها به تدار شؤونها وفيه تتفجر طاقاتها، فالتفكير هو البيئة المناسبة التي تتفتح فيها بتلات المواهب المكبوتة، والقدرات التي تنتظر التشجيع وفتح الطرق أمام عرباتها الجامحة، وهو المناخ المناسب لازدهار شتلات المواهب والقدرات.
والتفكير هو المفتاح الذهبي للوصول إلى رحابة تنوع وسائل وأساليب عرض المعلومات، فالموهبة طاقة تتفجر حين يريد الله عز وجل لها أن تتفجر إبداعاتها، ولكن الاكتساب يكون في تربيتها وتعاهدها وفتح الآفاق الفسيحة التي تساعدها على ممارسة إبداعاتها فيها، وتوفير المناخ الملائم الذي يعين على تفتح قرائحها في أجوائه، ولا سيما عن طريق التنوع والتجديد في الوسائل والأساليب.
وفي ضوء ذلك كله أدرك المربون أن التفكير العلمي في العملية التعليمية ضرورة من ضرورات التعليم المثمر. ومن هذا المنطلق عني مخططو العمليات التربوية والتعليمية بتنمية التفكير وتنشيطه وتهذيبه، للوصول لعمليات تعليمية وتربوية ناجحة ومؤثرة.
ومما زاد الأهمية أن التفكير العلمي ليس مقصوراً على العلوم التطبيقية، وإنما هو ضرورة لكل معرفة بشرية، كما أنه يتميز بالتغير المستمر بحسب طبيعة البيئة العلمية التي يتحرك فيها.
وبالتالي برزت أهمية التعليم الذاتي، وأهمية تنمية مهارات التفكير العلمي المنظم، لدراسة الظواهر والأشياء والأفكار المحيطة بالإنسان في سعيه الحثيث في دنياه، لأن التعامل مع الأشياء وكذلك التعامل مع الأفكار يحتاج لكي يكون ناجحاً ومثمراً إلى منهج سديد، ويمكن الجزم بأن أول أساس يجب أن يقوم عليه هذا المنهج السديد هو: وجوب المعرفة قبل التصور والحكم، قال الله تعالى: {قٍلً هّذٌهٌ سّبٌيلٌي أّدًعٍو إلّى پلَّهٌ عّلّى" بّصٌيرّةُ أّنّا ومّنٌ \تَّبّعّنٌي} (سورة يوسف آية 108.(
والمسلم به في هذا المجال أن تحقيق ضرورة التفكير العلمي لا يتم إلا عن طريق العناية الفائقة باعداد المنهج والطالب والمعلم والنشاط والمبنى المدرسي وتجهيزاته والفصل المثالي والوقت المخصص للعملية التعليمية.
كما لا ينكر الأثر الكبير للبيت، لأن الطفل تتفتح مواهبه وإدراكاته، أول ما تتفتح في المنزل، بين أفراد أسرته، فإذا أهمل المنزل تربيته على التفكير السليم، والسلوك الصحيح، غشيه الران فلا تستطيع المدرسة بعد ذلك أن تفك ختمه. مع عدم تجاهل أهمية توفير المدرسة المناخ الفكري والجو العلمي الذي يعين الموهوبين والمبدعين على التعبير عن مواهبهم وإبداعاتهم، ويعين على بناء طلاب يملكون الجرأة الأدبية، والنقد العلمي الواقعي، المستند على الدليل والبرهان.
وبرغم التسليم بضرورة التلقين إلا أن المؤكد أنه ضروري بقدر معين لا يجوز أن يصل إلى درجة خنق التفكير وقتل موهبة النقد عند المتعلم عن طريق إغلاق باب التساؤلات نظراً لخوف المعلم من عدم قدرته على الإجابة المقنعة على بعضها أو على أغلبها، وبالتالي إغلاق باب التفكير العلمي.
كما يمكن أن يقال: إن المتأمل في سير العملية التعليمية في بلادنا سيجد أنه للوصول إلى تحقيق الطموحات المرجوة، والأهداف المرومة، والمراقي المطلوبة، لابد من مراجعة العملية التعليمية بأركانها المتعددة من معلمين وطلاب ومناهج وطرق تدريس ووسائل وأساليب تربوية وغير ذلك مما يؤثر في العملية التعليمية إن سلباً وإن إيجاباً للاستفادة من الإيجابيات ومعالجة العقبات والسلبيات، في ضوء واقعنا وطموحاتنا، بما لا يتعارض مع عقيدتنا الإسلامية الغراء.
وإذا أردنا أن نضع أُطُراً للتفكير العلمي الموفق فلابد أن تشتمل هذه الأطر على ضرورة التركيز على أهمية استيعاب المتلقي للمعلومة المعطاة، ثم التركيز على ضرورة هضمه وفهمه لها، ولابد أن تكون الوسائل المستخدمة في وضع هذه الأطر موضع التنفيذ وسائل تناسبها تقوم على التركيز على الاستنباط لا على مجرد الحفظ، وكذا التركيز على المناقشة التي تحرك الطاقات الفكرية الراكدة أو الكامنة في النفوس لا على الإلقاء الممل، والاهتمام القوي بالفروق الفرديةبين المتلقين، وكذا التركيز على تشغيل أكبر عدد ممكن من حواس المتلقي في وقت واحد، وهذا الأسلوب مفيد في الواقع، فالتلفاز أشد جذباً للمتلقي من المذياع والصحيفة، لأن الصحيفة تخاطب عين المتلقي، والإذاعة تخاطب سمعه، والتلفاز يخاطب سمعه وعينه معاً ويستخدم الألوان والحركة فيستأثر بعدد من حواس الإنسان في وقت واحد فيكون تأثيره فيه أقوى وأبلغ، وهكذا الحاسوب والإنترنت بتقنياتهما المتطورة دوماً.
ومن الضرورات المهمة في هذا المجال: الاهتمام بعملية إعداد المعلمين، فالمعلم لا يمكن صناعته بقرار إداري يسمح لصاحب هذا التخصص أو ذاك أن تشكل عجينته منه، ولكن إعداده لابد أن يقوم على أسس علمية وتربوية خاصة ورعاية خاصة منذ بداية تكوينه العلمي.
ثم لابد أن ندرك أنه للوصول إلى مستوى تعليمي راق وإعداد علمي منظم للمعلم لابد من استجابة الأجهزة المشرفة على التعليم لمتطلبات تعزيز عملية التفكير العلمي، وبالتالي لابد من الإجابة على الأسئلة التي قد تثار، مثل: هل وضع المعلم المناسب في المكان المناسب؟ وهل تم تدريبه وإعداده للإلمام بالمواد التي يدرسها؟ وهل أتيحت له فرص الاستزادة من التأهيل والإعداد المتجدد وفقاً لتجدد النظريات التربوية؟ وهل وضع نظام للحوافز العادلة المبرأة من الهوى والميل التي تغري المدرس المتفوق ليستمر في تفوقه وإبداعه؟ وهل هيئت الفصول للعملية التعليمية التربوية التهيئة الملائمة؟ الخ...
وفي محاولة لتأسيس منهج سديد للتفكير ووضع آلية ممكنة التطبيق لتعليم يعتمد على حفز التفكيرأرى:
1 أهمية تدريب النشء على البحث والاطلاع والسعي لانتزاع المعلومات بأنفسهم حتى تكون أكثر رسوخاً في أذهانهم، بدلا من الاقتصار على التلقين برغم أهميته ، أو كما يعبر عنه بعض الظرفاء بأنه أسلوب التسمين، أسوة بما يعمل في الحظائر! ولذا كانت أول كلمة نزلت على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هي كلمة «اقرأ» وأكدها القرآن الكريم بالحديث عن «القلم» الذي هو وسيلة الكتابة.
2 ضرورة تحويل الأفكار في مجال العلوم التطبيقية إلى صيغ سهلة، في قالب ميسر، مما يسهم في إزالة الرهبة من نفس المتعلم وتمكينه من فهم الفكرة والتعامل معها بسهولة.
3 حث المتعلمين على التأمل والفهم، لتوسيع مدارك الإنسان لاستيعاب ما يلقى إليه وتأمل حكم الله الظاهرة في نفس الإنسان، وفي الكون، وفي الحياة وفي الأشياء. وقد وردت آيات قرآنية كريمة كثيرة جداً تحث على التأمل الواعي في نفس الإنسان، وفي الكون، وفي الحياة، تأملا منتجا ومثمراً، وقد أشرت إلى بعضها، وهنا لابد أن نقف إكباراً أمام منهج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه التربوي في خطابه إلى قاضيه أبي موسى الأشعري رضي الله عنه حين قال: «الفهم الفهم فيما أدلي إليك».
4 اتخاذ الوسائل والأساليب التي تضمن إبقاء العقل والفكر في حالة تيقظ مستمر عن طريق تكرار محاولات الفكر لتفسير وتحليل المسائل العلمية، وفي هذه الدائرة المهمة نجد أن فقهاء المسلمين حرصوا على وضع الأسس العلمية والعملية لمبدأ الاجتهاد مهتدين بالوحيين، حتى لا يكون كلأ مباحاً، ولا حكراً على أحد لشخصه، فجاءت تلك الأسس ترغيباً للقادرين على ولوج بحره إذا استكملوا أدواته، وحماية له من الملوثات الفكرية ممن لم يستكمل تلك الأدوات.
5 توفير أسباب التفكير الصحيح من خلال عدة خطوات عملية، من أهمها ما يأتي:
أولاً: التأكيد على المعرفة الصحيحة المؤسسة على الثوابت والتثبت والتبين قبل إصدار الأحكام.
ثانيا تربية القدرة على التمييز بين الحق والباطل والصواب والخطأ، قال الله تعالى:{فّأّمَّا پزَّبّدٍ فّيّذًهّبٍ جٍفّاءْ وأّمَّا مّا يّنفّعٍ پنَّاسّ فّيّمًكٍثٍ فٌي الأّرًضٌ كّذّلٌكّ يّضًرٌبٍ پلَّهٍ الأّمًثّالّ} (سورة الرعد آية 17).
ثالثاً حماية العقل من الشطط، عن طريق تربيته على أن يمارس نشاطه في الحدود التي هيأه الله لها،وتحصينه بالجرعات الإيمانية اللازمة لحفظه من الحيد عن طريق الهدى.
رابعاً مراعاة مبدأ التدرج في تربية التفكير اقتداء بمراعاة هذا المبدأ في التشريع الرباني لحكمة عظيمة يعلمها سبحانه، فكثير من الأحكام لم تفرض جملة واحدة وإنما جاءت عبر مبدأ التدرج كتحريم الخمر مثلاً.
وبعد ذلك يقال: إن قدوتنا المعلم الأول صلى الله عليه وسلم وضع قواعد مهمة لتربية المتعلمين على أسس تربوية متوازنة تجمع بين عناصر التفكير السديد والمنهج العلمي القادر على الوصول إلى الحقائق بصورة منظمة وعادلة.
وبالله التوفيق،،،،

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved