* كانا يجلسان على طاولة صغيرة تحت مظلة كبيرة من سعف النخل، قريباً من الرمال الحمراء ومن البحر.
الناس هنا قليلون والليل على وشك البرودة.
وهو كان يحاول أن يوضح لها موقفاً مهماً.
قال لها: أنا متعب..
قالت: حين ترى أبعد نقطة في ظلام البحر سوف يزول التعب.
قال: ربما.
وبدأ يتطلع إلى السماء المليئة بالنجوم وبأنها قبة سوداء وكان الدمع يغالب عينيه.
سألته: لماذا جئت إلى هنا؟
قال: المكان قريب من بلدي، كما أن التكاليف قليلة.
أكملت: هل هربت من مشاكل معينة؟
قال: ربما.
سألته: وهل أوحت لك هذه المدينة البحرية الصغيرة بشيء؟
قال: هنا أستطيع أن أرى الصورة التي تركت من البعد.
واكمل وهو ينظر في عينيها اللامعتين:
الرؤية من البعيد تمنحني القدرة على رؤية التفاصيل الصغيرة بشكل أعمق وأوضح.
سألته: ولماذا تحتاج إلى رؤية التفاصيل الصغيرة؟
قال: إنها أفضل طريقة لرسم الصورة.
سألته أيضاً: ولماذا تريد أن ترسمها أصلاً؟
قال: لكي أحاول فهمها.
ولماذا تريد أن تفهمها؟
قال: لكي أفهم ما يدور حولي وما يدور في رأسي حول ذلك.
كانت تبدو فرحة بهذا الحوار الصريح والجديد في حياتها، فأرادت أن تتواصل بنفس الروح المتشوقة.
قالت: ماذا تحب في الحياة؟
قال: أحب كثيراً أن أكون حراً في طريقة فهمي لها دون سلطان عادة أو تقليد سلبي.سألته: كيف؟
قال: لا أريد أن أرتبط بطريقة تفكير سائدة عن الحب مثلاً أو عن أي شيء آخر في هذه الحياة.. أريد أن أتعامل مع الحياة بشكل جديد.
سألته: ماذا يعني لك الحب بكل تجرد وحرية؟
قال: يعني حب الحياة بكل ما فيها، أو حب ما أريد منها بلا قيود ليس لها معنى.
قالت: ولهذا هربت من حياتك إلى هنا؟
قال: ربما.لا زالت فرحة بأسئلتها، رأى ذلك واضحاً من خلال عينيها المبتهجتين وغير الجادتين، كان يراها على وشك أن تضحك مع كل سؤال، وكان يشعر بعدم الرغبة في الاجابة كلما لاحظ عدم رغبتها في تغيير موضوع الحوار.كانت تحاول أن تفهمه، أو تفهم ذاتها، لكن المخرج أشار عليهما بالتوقف واعادة بعض المقاطع.
أكملا هذا «السيناريو» الصغير من «فيلم» الصورة من البعد، بعد تعب وجهد كبيرين.
لكنها كانت متشوقة لاكمال الحوار معه، عن نفس الموضوع في مكان آخر، بعيد عن عيون «الكاميرا» ولم يكن هو أقل منها رغبة.
|