Thursday 7th February,200210725العددالخميس 25 ,ذو القعدة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من دون وعد
د. فهد حمد المغلوث

كلٌ منا دون استثناء يتمنى أن تكون أمانيه حقيقة وأن يضمن تحقيقها ممن بيده أن يحققها له بعد الله سبحانه وتعالى.
وكل منا يتمنى لو كانت هناك وعود أكيدة موثقة ممن يُحب ان يحققها له أو على الأقل يؤكدها ويعدُه بها من حين لآخر كي يطمئن قلبه وترتاح نفسه ويشعر بنوع من الأمان الذي هو بحاجة إليه بعد أن كاد اليأس من الحياة يتسرب الى قلبه والعياذ بالله، وبعد ان كاد الخوف من المستقبل يُشكل كل ملامحه أبعده الله عنه.
إن هذه الوعود رغم ملاحظاتنا عليها ورغم نظرتنا لها إلا أنها تشكل مصدر أمان كبير بالنسبة لنا يحمينا أو على الأقل يقلّل من حدّة وحجم القلق الذي يساورنا والمخاوف التي تنتابنا من أشياء ربما لن تحدث بإذن الله لنا ولكنها تعُد نوعاً من التطمينات التي نحن بحاجة لها في أوقات معينة من حياتنا، وفي ظروف أو مواقف حرجة ربما وجدنا انفسنا فيها فجأة ودون ان نستعد أو نهيئ أنفسنا لها.
ومثل هذه الأمور تحدث لأي منا وفي كل المواقف الحياتية الكثيرة التي نتعرض لها يومياً وبأشكال وصور مختلفة.
إن هذه الوعود، ودون أدنى مبالغة تكاد تعُد جرعات ضرورية لابد أن نأخذها قبل ان ننام كي نهنأ في نومنا ونحلم أحلاماً سعيدة وكي نظل ننتظر الغد بشوق وتلهف لأنه يعني لنا الأمل.
جرعات ضرورية لابد أن نأخذها قبل أن نغادر مكاناً ما كي نطمئن أننا سوف نعود إليه ونحن أكثر اشتياقا له لأن هناك ما يجبرنا ويحببنا في العودة اليه.
جرعات ضرورية لابد أن نأخذها قبل أن نودع شخصاً ما غالياً على قلوبنا كي نطمئن من ناحيته الى أنه سوف لن ينسانا، وانه سوف يعود لنا ويطمئننا عليه من حين لآخر لأن قلبنا معلق به ولا يستغنى عن بُعده.
ولنا ان نتخيل تلك الأمثلة الحية الواقعية التي تبرهن وعمليا على أهمية تلك الوعود لنا وما تشكله من أهمية لحياتنا في شتى جوانبها مهما كان موقعنا الاجتماعي.
صحيح أن تلك الوعود التي نتلقاها من الآخرين وبالذات ممن يهمنا أمرهم لا ترتقي الى طموحاتنا الا أنها تظل مطلباً نفسياً على الأقل حتى لو لم نطلبها نحن شخصيا منهم.
والغريب في الأمر، انه رغم أهمية تلك الوعود لنا، إلا انها أحيانا قد تشكل لنا أزمة مع مرور الوقت خاصة اذا لم تصدق، وخاصة إذا تكرر هذا الأمر أكثر وأكثر مما يشكّل لنا نوعاً من الإحباط لذا تجد نفسك أنت أحياناً غير قادر على إعطاء وعود ثابتة وبالذات لمن تحب أو للمقربين منك تحديداً ليس كرهاً منك في تلك الوعود، وليس عدم رغبة منك في تحديد مواعيد محددة معهم، ولكن تمتنع عن ذلك كله شفقة منك بهم لأنك ربما لا تكون قادراً على الايفاء بوعودك معهم لاسباب كثيرة خارجة عن ارادتك وبالتالي تحرج معهم وتضيع وقتهم وتجعلهم يعيشون معك حالة ترقب وانتظار وقلق هم في غنى عنه..
ولعل هذه النقطة مرتبطة كثيراً بالنواحي العاطفية حيث لا مجال للعقل بالنسبة لهذا الانسان القلق والذي ينتظر وينتظر والوساوس تراوده من هنا وهناك.
وان شئت ان تتأكد أكثر فانظر لهذا الابن الشاب الذي دائما ما يتأخر عن البيت ولا يأتي الا آخر الليل بينما الام في حالة قلق وخوف شديد عليه، أما هو فلم يسأل عنها وحتى اذا سألته عن موعد رجوعه فانه لا يخبرها واذا أخبرها فلا يصدق معها وبغض النظر عن الأسباب أفليس عدم إعطائه موعداً لأمه أهون من اعطائها موعداً غير صادق؟
وانظر لهذه الزوجة المسكينة أيضا التي لا تعرف متى تنام لأن الزوج قد تعود التأخير ليلياً دون ان يخبرها بموعد رجوعه للمنزل ولو وقتاً تقريباً حتى يهدأ بالها وتعرف تنام، ولكن الفرق هنا ان أمثال هؤلاء الرجال مثلاً لا يريدون عدم اعطاء موعد لأنهم يخشون على الطرف الآخر من القلق بل لأنهم تعودوا ذلك ولم تعد لغة القلق والخوف والوساوس تهمهم بالصورة المزعجة التي يشعر بها الطرف الآخر.
لذلك، فإن عدم تحديد موعد في ظروف معينة ربما كان أفضل بكثير من ذلك الانتظار الطويل والممل الذي يقتل الإنسان تدريجيا في اليوم ألف مرّة في ان الطرف الآخر ليس هنا (ولا جاب خبرك!).
إننا قد ننزعج أحياناً حينما نشعر بعدم رغبة الطرف الآخر في إعطائنا ما نريد او مبادرته لنا بما نتمناه، ولكننا حينما ننظر للصورة من زواياها المختلفة وحينما ننظر للأمر على انه شيء اهون من شيء بل حينما تتأكد ان تصرفات معينة معنا ليس بسبب موقف ضدنا بقدر ما هي خوف على مشاعرنا وحرص على وقتنا حينها ربما تبدلت نظرتنا للأمور وربما ارتحنا وعرفنا ما لنا وما علينا، بل ربما وظفنا كل طاقاتنا لأمور اخرى نحن في أمس الحاجة إليها.
إذن فوعدي لك ومعك شيء ضروري واساسي ولا غنى عنه، ولكن في أوقات معينة يكون «من دون وعد» أفضل، ومن يدري لعله يحمل في طياته العديد من المفاجآت السارة والاماني الحلوة التي تعّوضك أشياء أخرى وتنسيك أموراً أنت في حاجة لنسيانها فقط دعها للظروف.. ما رأيك؟
** همسة **
كم بودّي لو أعدك..
بأن أراك قريباً..
وأن أسمع صوتك..
في كل وقت..
وأن أحقق لك ما تتمناه مني..
في وقت محدد..
كما تريد مني..
وكما يرضيك عني..
كي تنتظرني فيه..
ولا تقلق بشأني،،
* * *
فهذا ما أريده أنا أيضا..
وهذا ما أحلمُ به..
بل وما اتوق إليه..
وربما أكثر من ذلك..
* * *
وبودي لو أكون..
أوّل الحاضرين
للاحتفال بنجاحاتك..
وأول المهنئين..
بروعة ابداعاتك.
وأول المصافحين لك
فرحة بإنجازاتك..
وأول المشاركين لك..
سعادتك وابتساماتك..
* * *
بودي ذلك وأكثر..
لأنك شيء كبير بالنسبة لي
ولكن أعذرني..
حينما لا أستطيع أن أوافقك..
وأن ألبّي رغبتك..
وأن أعدك بما تريد.
وقت ما تريد..
ومكان ما تريد..
وبالطريقة التي تريد..
* * *
ليس لأنني لا أريد ذلك..
أو لأنني لا أهتم به.
أو لأنني لا أسعى إليه.
أبداً..!!
لا هذا ولا ذاك!
صدقني..
بل خشية أن تعاكسني الظروف.
وأن تقف في وجهي
كما هي عادتها معي..
فلا تسمح لي..
أن أفي بوعدي معك
فتظل تنتظرني وتنتظرني
ويطول انتظارك لي..
على أملٍ وأمل..
ومن ثم لا تراني..
وقت ما تريد..
وكيفما تريد..
أو حتى تسمع صوتي..
ولو من بعيد..
كما وعدتك.
* * *
وحينها قد تتضايق مني..
قد تعتب عليّ..
قد تأخذ في نفسك..
وكأنني أنا من أريد ذلك!
وأنا من خططت له!
وسعيت من أجله!
* * *
وهذا ما لا اتمناه
وهذا ما لا أريده..
وما أخشاه..
وما أحسب حسابه..
ولا أتصوره ان يكون
في يوم ما..
ومعك أنت بالذات.
* * *
نعم.. أصدقك القول.
هذا ما لا أستطيع تحمله!
ولا أستطيع التعايش معه!
أو حتى التفكير فيه!
لأنك بالنسبة لي
شيء كبير.. كبير جداً..
أتمنى أن أسعده..
وأن أحقق له ما يريد.
مهما كلفني الأمر!
حتى لو كان على حساب نفسي!
حتى لو كان فيه إحراجٌ لي!
* * *
فأنت فعلاً..
شيء كبير وكبير جداً..
لا أتصور يوماً..
أن أكون بصدر ضيق!
أو حتى سبب إحباطه!
لأنه شعور قاس
على قلبي أن أشعر به
وشعور متعب على عقلي..
أنه أفكر به
* * *
أعرف تماماً..
أنك قد تحُبط من كلامي..
وقد تتضايق منه قليلاً..
ولكن..
أليس من الأفضل لي ولك..
أن يكون ما بيننا..
دون وعد
كي لا أشعر بالذنب معك..
أو التقصير نحوك..
* * *
أليس ذلك هو الأفضل..
وأنا من أريدك سعيداً..
كتلك السعادة الكبيرة..
التي أدخلتها لقلبي..
منذ عرفتك سعادة؟
* * *
وأنا من أريدك مبتسماً..
كتلك الابتسامة الرائعة..
التي رسمتها على شفتي..
منذ عرفتك ابتسامة؟
* * *
وأنا من أريدك متفائلا..
كذلك الأمل الخالد..
الذي زرعته في داخلي..
منذ أن عرفتك أملاً..

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved