لعلي أبدأ في هذه المداخلة المتواضعة، من خلال الطرح. الذي حفل به هذا الملتقى الخير، وفي مناسبة كريمة. ابدأ بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو كما زكاه ربه، لا ينطق عن الهوى.. إن هو إلا وحي يوحى. قال عليه الصلاة والسلام: «إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق».!
والإسلام.. الرسالة الخاتمة لرسالات السماء، وبدهي أن تكون أغنى الرسالات وأشملها وأتمها، لتصبح صالحة لكل زمان ومكان، ولا سيما أن رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، أرسله ربه إلى الناس كافة.. بشيراً ونذيراً. وهذا يعني أن ديننا الإسلامي عالمي، ليس مختصاً بأمة من الأمم، ورسالة تنتهي بانتهائها.!
والإسلام.. كجوهر لرسالة سماوية، ليس جامداً، وليس محدود الأهداف، ولكنه يستجيب لكل عصر ولكل جديد، ولكل تطور ينفع البشرية، فهو دين حضاري متجدد، ولذلك بقي أربعة عشر قرناً، وسيبقى إن شاء الله، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. فهو لا تلغيه الأحداث والمتغيرات لأنه جوهر، لا يتقيد ولا يستكين ولا يهين، وإنما أتباعه.. هم الذين يصيبهم الوهن، إذا بعدوا عن جوهره وجمدوا واصابهم الوهن.! إن العيب ليس في الإسلام كرسالة سماوية خاتمة، وان تخلف المسلمين.. الذي يطرأ على حياتهم عبر العصور، ليس مرد ذلك الإسلام، وانما هم.. الذين جمدوا بالدين، لئلا يستجيب لمتطلبات التطور والارتقاء العلمي والحضاري، تبعاً لمتغيرات الحياة وتجددها، فيتهم الدين أحياناً أنه سبب تأخر وتخلف المسلمين. غير أن العيب في الأتباع.. الذين ركنوا إلى الدعة وآثروا السلامة بالخنوع والذل وإيثار العافية. وهذا لا يعني.. أن يعتدوا، أو أن يفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، وانما أعني أن يسايروا المتغيرات، حتى لا يتخلفوا عن الركب، لأن هذه الأمة كما أعلن رسولها عليه الصلاة والسلام :«إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها». إن أمة هذه حالها، وعندها أقوم دستور على وجه الارض باق بإذن الله إلى قيام الساعة، وقال فيه منزله الله «ما فرطنا في الكتاب من شيء». لا يمكن أن تتخلف، ولا تتجاوزها شعوب الارض، إن هي أخذت باسباب الحياة ومتغيراتها، وعاشت الزمن المتجدد.. وهو يغذ السير، لأنه لا يتوقف انتظاراً للسادرين والغائبين والنائمين، الذين لا يأبهون لما يدور حولهم وبعيداً عنهم، عند الذين يعجلون لأنهم ينشدون الارتقاء الحياتي، ولأن الذين لا يعملون يتجاوزهم الزمن وينسون، لأنهم نسوا أنفسهم. ونحن نأبى التخلف، وهذا يحملنا مسؤولية العمل الجاد ومعطياته، لنكون كما كنا خير أمة أخرجت للارض.!
إن هذا العالم المضطرب، الذي تموج به الاحداث.. بالعولمة والثورة المعلوماتية، وتيار معلومات «الانترنت» عبر تحولات معرفية سريعة، تجاريها متغيرات اجتماعية وسياسية، تتضاءل فيه دول.. ليست في الصدارة، وتهيمن فيه دول القوة.! في هذه الطفرة العارمة، نلتفت نحن المسلمين.. يمنة ويسرة، لننظر في معارفنا وموقعها.. من خلال العالم الجاد، الذي يجمز نحو الارتقاء والسيطرة في الكون، فلا نكاد نرى لوجودنا الموقع الذي ننهض فيه، ليكون لنا كياننا السامق.. الذي أراده الله لنا في الارض.!
|