أنا لا أفهم في التحقيقات البوليسية كما انني لا أفهم في كثير من نواحي الحياة خصوصاً بعد أن تعقدت الأمور وأصبح لكل صنعة خبير واختصاصي يقوم بعمله، ولكن هناك شيء يمكن ان نسميه الفهم العام أو الاحساس العام، أي ان هناك تقييماً للأمور يتفق الناس عليه يجعلهم يميزون بين الصح والخطأ، مهما كان المرء بعيداً عن هذا الاختصاص أو ذاك.
قرأت في جريدة عكاظ بتاريخ 21 ذي القعدة 1422ه تحقيقا عن اختفاء شاب سعودي في مدينة جدة.. يتوسع المحرر في تفاصيل وغموض الحادثة وتفهم في النهاية ان هناك جريمة قتل متعمد نفذت بشكل مدروس ومنظم، فالجريمة باختصار ان شابا اتفق مع مقيم يعمل في تجارة بيع السيارات على بيع سيارته للمقيم بمبلغ أربعين ألف ريال، وكان لقاؤهما لتسليم السيارة واستلام المبلغ هو آخر عهد أهل الشاب بابنهم عادل، توجهت اصابع الاتهام إلى المقيم وتم ايقافه، وبدأت التحقيقات وحسب ما جاء في التقرير ان المتهم اعترف بقتله للمجني عليه وادعى انه ألقى بجثته في مكب النفايات، وحتى كتابة التقرير الصحفي في الجريدة لم يعثر على الجثة بحجة ان مكب القمامة كبير وواسع، وقد خصصت الشرطة مبلغ مليون ريال لصرفها على البحث عن الجثة، وحتى الآن الأمر عادي وطبيعي حسب معرفتي ومعرفة القارئ العادي بأمور التحقيقات، ولكن ما يجعل الأمر غير عادي انك تحس من المقال ان اسرة الفقيد هي التي تتولى التحقيق وتزود الشرطة بنتائجه، فبعد ان احتجزت الشرطة المتهم بعدة أيام قامت أسرة الفقيد بالاتصال بذوي المتهم وعلموا منها أشياء عن سلوك المتهم وابلغوا الشرطة بذلك، وهذا يدل على ان الشرطة لم تكلف نفسها بالاستعلام عن المتهم من خلال استجواب أسرته، لنسمع ما تقوله قريبة المفقود بعد زيارتها لأهل المتهم: «.. فذهبت إلى قسم الشرطة واخبرتهم بما حصل أي ماحصل بينها وبين ذوي المتهم فأخذ البحث مجراه خمسة وعشرين يوما والمتهم محجوز لديهم وشقيقي عادل مازال مفقوداً ونحن نعاني الأمرين ونتجرع الألم يوما بعد يوم من قسم شرطة إلى آخر ومن مسؤول إلى آخر ومن جهة إلى جهة أخرى لمعرفة الحقيقة حول مصير أخي».
هذا الكلام يعطيك انطباعاً ان ملف القضية ضائع أو ان ذوي المجني عليه لا يعرفون أي مراكز للشرطة تتولى قضية ابنهم ولا المحقق المسؤول عنها، فشقيقة المفقود تجري من قسم شرطة إلى آخر ومن مسؤول إلى آخر ومن جهة إلى جهة أخرى، كما ان هذا يدل ان من مستلزمات الاستمرار في التحقيق يتطلب ان يعقب ذوي المجني عليه حتى تمشي معاملتهم.
ثم تقول اخت المجني عليه «وبعد مرور شهر وعشرة أيام تقريبا على فقدان اخي كانت أسوأ أيام في حياتنا تلقينا اتصالا من المحقق اخبرنا فيه بالفاجعة بأن أخي عادل قد مات، وكانت صدمة كبيرة بالنسبة لنا حيث اعترف منير انه قتل اخي عادل ورمى بجثته، وحينما طالبنا بالجثة كنا نسمع وعوداً كل يوم..».
حسب علمي البسيط انه لا يثبت ان الإنسان مات مقتولاً إلا بعد العثور على الجثة كيف يتصل المحقق ويبلغ ذوي المجني عليه بموت مفقودهم ثم يماطل في مسألة تسليم الجثة، ويعطيهم وعوداً وكأنه يعدهم بقطعة أرض أو بوظيفة.
وتستأنف اخت المفقود قائلة «وبعد فترة قال لنا المحقق انهم لم يعثروا على الجثة، تقدمنا بمعروض للأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة» عندما عجزت الشرطة ان تقوم بعملها اتجه ذوو المجني عليه إلى ولاة الأمر مباشرة.
يتضح لي من قراءة هذا التحقيق ان المحقق في الشرطة يريد كشف الغموض من خلال التحقيق مع المتهم فقط، فمن الواضح من كلام المرأة ان المحقق لم يقم أبداً بأي جهد يتصل بالبحث الميداني في القضية، وهذا يجعلك تشك ان المتهم معلق من رجليه ومع كل ضربة سوط يقدم افادة جديدة، وقد لا يكون هذا الموقوف هو الجاني أصلاً، شيء لا يمكن ان تفهمه، خذ مثالاً على سريالية القضية: تقول اخت المفقود «لقد توقف البحث عن الجثة نظراً لحلول اجازة العيد حتى يوم 7/10/1422ه وبعد العودة من الإجازة تواصل البحث ولكن دون جدوى» ثم تقول «فقمنا بالاتصال بالملازم الذي يتولى التحقيق وأخبرنا بما حدث فنصحنا بالاتصال على مدير الشرطة العميد صالح العليان وبالفعل اتصلنا به وشرحنا له الموقف فكان متجاوبا معنا إلى أقصى درجة حيث وجه أحد المسؤولين بمتابعة الموضوع» من يفهم أي موضوع يريدون متابعته وكيف تتم متابعة جريمة، وهل سحب العميد العليان القضية من الملازم وأسندها إلى ضابط آخر، وهل تحتاج جريمة إلى متابعة من ذوي المجني عليه ووساطة من كبار المسؤولين حتى تتحرك الشرطة.. الله يستر.
فاكس: 4702164 |